القمص اثناسيوس فهمي جورج
تُعيِّد الكنيسة في اليوم الثالث بعد عيد الغطاس بتذكار معجزة تحويل الماء إلى خمر في عرس قانا الجليل، ويعتبر هذا العيد اليوم الأخير من أعياد الظهور الإلهي "الثيؤفانيا" التي أظهر الرب فيها مجده فأمن به تلاميذه الأطهار.
المسيح العريس الالهى هو عريس الكنيسة أينما سار وأينما حل، لأنه العريس الذي بدأ ليدشن ملكوته منذ الآن، دعى إلى العرس وهو العريس الحقيقى الذي جاء ليخطب كنيسته بدمه. الذين "لَيْسَ لَهُمْ خَمْرٌ" بينما هو بهجة الخلاص الميسانيَّة التي قدمها في كأس خلاصنا. أمه العذراء مريم هي التي تعرفه، فطلبت اليه بدالتها وشفاعتها، كي يعلن وجوده ويستعلن مجد لاهوته، عندما يملء بيدر الحنطة ويفيض على حياض المعاصر بالخمر والزيت (يؤ٢: 24)، فيفرح العروس والعريس بسر الحضور، يوم استعلان فداء العريس لعروسته بدم صليبه الذي ملأ أجران العالم كله.
امتلئت الأجران بالماء، وامتلئت لأنه هو الملء الذي يملاء الكل في الكل (أف 1: 23) وبغناه وبكيله الإلهى الذي لا يستقصى حوَّل الماء إلى خمر بسلطان لاهوته. وهذه هي بدايه الأيات التي فعلها العريس الملك. الذي أعد وليمته الميسانيَّة وعشاء عرسه الابدي (رؤ 19: 9).
المسيح الممجد أخضع الماء وحوَّل تركيبته الكيمائيَّة إلى ما ليس له، بسلطان كلمته التي تغيِّر وتحوِّل من وإلى، كي يجعل عرس قانا هو عرس البشريَّة، وهو عريسنا السمائي الذي تجسد وصنع التدبير من أجل كرمته عروسته المشتهاه. فقد أعطانا موقعنا في مزوده عند ولادته وسر تجسده، وفي نهر الأردن عندما اعتمد ليُكمِّل كلّ بر، وفي قانا الجليل ليخطبنا لنفسه كعروس له وقد حوَّل نوحنا إلى فرح بخمر طيبه المفرح، وفي جبل التجربة انتصر لحسابنا ومنحنا سر غلبته، وعلي حبل التجلي استعلن مجده المزمع أن يُكمِّله بالآلام، وفي الجلجلة أخذت الكنيسة عروسه من جنبه المفتوح الذي فاض منه الدم الإفخاستي والماء الذي غسلنا وبيضنا به، أما في قيامته فأشرق وأنار الحياة والخلود وأمات الموت، ثم على جبل الزيتون صعد بجسده الخاص ليصعد معه الذين اجتذبهم ليرفعهم ويقدمهم لله أبيه.
إنَّه هو مصدر التطهير والتقديس والتبرير والتكميل، لأنه هو الختن الحقيقى الذي صنع الوليمة الخلاصيَّة (حِينَئِذٍ قَالَتْ: «عَرِيسُ دَمٍ مِنْ أَجْلِ الْخِتَانِ» خر 4: 26) وهو عريس البشريَّة المفتداة التي اقتنى ودفع مهرها بدمه الكريم، ومنحها أجران الشبع والملء كأس خلاصه، في اليوم الثالث (البدايَّة والوسط والنهايَّة) هو يقيمنا لنحيا في عرسه الدائم، حيث يقين الفجر ومطر النعم (هو 6: 1) وهناك يضمد الجراحات التي ضربت بالفساد والموت، بعد الازمنة الثالثة الاخيرة يكون تدبير ملء الازمنة (اف 1: 10)
إنَّه أتى بنا اليوم الثالث ليكون عرس الزمان الأخير الذي انسكبت فيه البركات على البشريَّة، وكما كانت بدايَّة خدمة السيد المسيح التي تمت بالفداء المعجزة الاولى في اليوم الثالث، هكذا كانت بدايَّة البركات في اليوم الثالث الذي هو يوم قيامة الرب من الاموات، الذي باركنا بكل بركة روحيَّة في السماويات.
المسيح الذي خلق مادة جديدة، بدد الأحزان وسدد الاحتياج عن بنو العرس، وقد حوَّل الماء إلى الخمر والخمر إلى دمه الالهى خلاصًا وغفرانًا للخطايا وحياة أبديَّة لمن يتناول منه، عندما نلبس لباس العرس ونشرب الخمر الجديد في ملكوت الآب... نساله ان يطلع من علو مسكنه المستعد ويثبت اساسات كنيسته ، فهو مثبت جميع المتوكلين عليه .. ويجمعهم من اربع رياح الارض ، ويوقظ قلوبهم رعية ورعاة ، ليقبلوا ويحظوا بفرح وليمة العرس هنا في قانا وهناك في اورشليم العليا التي لها الاساسات .