محرر الأقباط متحدون
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي الأحد الحادي والعشرين من كانون الثاني يناير ٢٠٢٤ في كنيسة الباحة الخارجية للصرح البطريركي في بكركي وألقى عظة بعنوان "من تراه الوكيل الأمين الحكيم" (لو 12: 43) واستهلها قائلا "نبدأ في هذا الأحد أسابيع التذكارات الثلاثة، قبل الدخول في زمن الصوم الكبير. فنذكر اليوم الكهنة المتوفين، وفي الأحد الثاني الأبرار والصديقين، وفي الثالث الموتى المؤمنين".

قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي في عظته "الإنجيل الذي تختاره الكنيسة لهذا الأحد ينطبق على الكهنة لأنهم موكّلون من المسيح الكاهن الأسمى الذي اختارهم ودعاهم وسلّمهم رسالة مثلثة: تعليم كلمة الله لإحياء الإيمان، تقديس النفوس بنقل النعمة الإلهية بواسطة أسرار الكنيسة، رعاية المؤمنين بالمحبة والحقيقة وشد أواصر وحدتهم. هذه الثلاثة يسميها الإنجيل طعامًا لبني بيت السيد الموكّل. لكن هذا الإنجيل ينطبق أيضًا على كل صاحب مسؤولية في العائلة والمجتمع والدولة. فلا أحد يمتلك مسؤولية من ذاته، بل مسؤوليته مُسندة إليه من الجماعة: السلطة في الدولة معطاة من الشعب، وكذلك السلطة في المجتمع، أما السلطة في العائلة فمن سر الزواج والأبوة والأمومة". يتوجب على هذا المسؤول - الوكيل "أن يكون أمينًا وحكيمًا" (لو 12: 42). الأمانة هي: للموكِّل والجماعة والواجب. الحكمة هي أولى مواهب الروح القدس السبع، وتعني القيام بالمسؤولية تحت نظر الله ولمرضاته". وأشار غبطته إلى أنه "يبدأ في هذا الأحد وحتى الأحد المقبل "أسبوع الصلاة من أجل وحدة المسيحيين"، وموضوعه: "أحبب الربّ إلهك ... وأحبب قريبك كنفسك" (لو 10: 28). فلنشارك الكنيسة في هذه الصلاة، ولنلتزم بعيش وصية المحبة التي بدونها لا مجال لأي وحدة في الكنيسة والعائلة والدولة". ويبدأ اليوم أيضًا "أسبوع الكتاب المقدس" بموضوع "السلام في الكتاب المقدس". إن السلام عطية من الله، اتخذت في التاريخ البشري إسمًا هو يسوع المسيح. ولذا "المسيح سلامنا" (أفسس 2: 14). نحن مؤتمنون على عيش السلام مع الله والذات والناس، وعلى نشره وبنائه. إن ربّنا يسوع يربط بنوّتنا لله بمقدار ما نكون فاعلي السلام: "طوبى لصانعي السلام، فإنهم أبناء الله يدعون" (متى 5: 9).

في عظته مترئسا قداس الأحد، قال البطريرك الراعي "يجدر بكل مسؤول في الدولة أن يدرك أنه وكيل أقامه الشعب والدستور لخدمة الخير العام الذي منه خير كل مواطن وجميع المواطنين. فإن لم يدرك أنه وكيل، وإن لم يعتن بتأمين الخير العام في قطاع مسؤوليته، يكون خائنا لمسؤوليته والمواطنين الموكلين إلى عنايته. إن لبنان بأمس الحاجة اليوم إلى مثل هؤلاء المسؤولين الكبار بقلبهم ومحبتهم وتفانيهم وتجردهم وكبر نفسهم وروح الخدمة المتجردة من كل أنانية ومكسب شخصي أو فئوي. إن قصر بعبدا الرئاسي بحاجة إلى مثل هذا الرئيس - المسؤول. ونشكر الله أن في الطائفة المارونية شخصيات معروفة بوضوح من هذه النوعية من المسؤولين. فنناشد دولة رئيس المجلس النيابي أن يدعو منذ الغد نواب الأمة إلى عقد جلسات متتالية وانتخاب مثل هذا الرئيس، بموجب القاعدة الديمقراطية، من دون أن ينتظروا من الخارج أية إشارة لإسم أو أي شيء آخر من حطام الدنيا. فانتخاب الرئيس هو الواجب الأول الملقى على ضميرهم الوطني وعلى نيابتهم بحكم الدستور. أما الإستمرار في الإحجام عن هذا الواجب فهو خيانة واضحة لثقة الشعب الذي وضعها فيهم يوم انتخبهم. فنرجو أن لا تتم فيهم المقولة الثابتة: "من اشتراك باعك". ونقول كفى إقفالًا لقصر بعبدا الرئاسي! وكفى إقصاء للطائفة المارونية، وهي العنصر الأساس في تكوين لبنان! أجل، أيها السادة نواب الأمة، قوموا بهذا الواجب الموكول إليكم من الشعب والدستور، وانتخبوا رئيسًا للدولة لكي تقوم من حالة نزاعها وتفكك مؤسساتها، وعلى رأسها مجلسكم النيابي الفاقد صلاحية التشريع، والحكومة فاقدة الصلاحيات الإجرائية. كفّوا عن هرطقة "تشريع الضرورة"، و"تعيينات الضرورة"، واذهبوا إلى الضرورة الواحدة والوحيدة وهي انتخاب رئيس للدولة فتستعيد كل مؤسساتكم وممارساتكم شرعيتها. فلبنان دولة عمرها مئة سنة ونيف، اكتسب خلالها كرامة واسمًا مشرفَا بين دول العالم. فكونوا على مستوى هذه الكرامة وأعيدوها إلى لبنان الكبير بقيمه، وإلى شعبه الكبير بكرامته".

وأشار غبطته إلى أنه "بانتخاب رئيس الجمهورية ينتهي الخلاف والمقاطعة في مجلس النواب من جهة لكونه بموجب الدستور هيئة ناخبة لا إشتراعية منذ فراغ سدة الرئاسة (سنة وثلاثة أشهر)، وفي مجلس الوزراء من جهة ثانية، لكون المادة 62 من الدستور "تنيط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء". فتقتضي "الوكالة" معطوفة إلى القانون 871 من قانون الموجبات والعقود أن يوقع جميع الوزراء لا رئيس الوزراء وحده في هذه الحالة، فالموضوع يختلف عن إجراءات مجلس الوزراء العادية. وهكذا يزول الخلاف والمقاطعة الحاصلان بسبب الممارسة وتباين التفسير. وبانتخاب رئيس الجمهورية. تُضمن وحدة الوطن كما تنص المادة 49 من الدستور، فتقف التهديدات الترهيبية لإسكات كل صوت معارض من أجل أهداف مستقبلية تختص بمآرب فئوية على حساب الشراكة الوطنية والمساواة والعدالة والحرية. فهذا سبيل مشين وغير مقبول حفاظًا على الوحدة الداخلية بين مكوّنات هذا الوطن".

وفي ختام عظته مترئسا قداس الأحد، قال البطريرك مار بشارة بطرس الراعي "بالأمس كان العالم يصلّي فيما رُفعت موزاييك القديس شربل قرب ضريح القديس البابا بولس السادس في بازيليك القديس بطرس بروما في احتفال مهيب. إننا نرفع صلاتنا إلى الله بشفاعة القديس شربل ابن لبنان وقديس لبنان، لكي تتجلّى قدرته الإلهية ويخلّص لبنان من أزمة الفراغ الرئاسي والأزمات الناتجة، وكي يوقف الحرب في جنوبي لبنان وغزة. ونرفع آيات المجد والشكر للثالوث القدوس الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".