محرر الأقباط متحدون
كان الارتداد كمحور الخبرة الإنسانية والروحية للأب لورنسو ميلاني محور كلمة البابا فرنسيس خلال استقباله اليوم أعضاء اللجنة الوطنية للمئوية الأولى لميلاد الأب ميلاني.

استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الاثنين أعضاء اللجنة الوطنية للمئوية الأولى لميلاد الأب لورنسو ميلاني برئاسة السيدة روزي بيندي. وعقب ترحيبه بالجميع أشاد الأب الأقدس بجهودهم الجماعية من أجل أن تصل شهادة الأب ميلاني ورسالته إلى الجميع، وخاصة إلى الأجيال الجديدة.

وتابع البابا فرنسيس قائلا لضيوفه إنه يريد أن يتقاسم معهم بعض التأملات، وتحدث أولا عن كون الارتداد الحدث المركزي في حياة الأب ميلاني، وهو ما يمَكننا من فهم شخصيته بشكل جيد سواء خلال مرحلة بحثه التي طبعها القلق أولا ثم عقب الالتصاق الكامل بالمسيح. وقال قداسته في هذا السياق إن "نعم" التي قالها لله قد حولته ودفعته إلى حمل الله إلى الآخرين. وتابع البابا متحدثا عن الدعوة الكهنوتية للأب ميلاني الذي قال لأبيه الروحي الأب رافاييلي بينسي أمام جسد كاهن شاب توفي "سآخذ أنا مكانه". وأضاف قداسة البابا أن هذه كانت الإجابة على الدعوة إلى أن يكون مسيحيا وكاهنا في الوقت عينه، وذكَّر البابا هنا بحديث أديلي كورادي، المعلمة التي عملت إلى جانب الأب ميلاني، والتي قالت إنه لم يكن يتذكر أية لحظة كمؤمن لم يفكر فيها في أن يكون كاهنا، حيث كان يبدو له أن قرار أن يكون كاهنا يتزامن مع الارتداد. وشدد الأب الأقدس بالتالي مجددا على كون الارتداد مركز الخبرة الإنسانية والروحية بكاملها للأب ميلاني، وهو ما جعل منه مؤمنا وكاهنا محبا للكنيسة وخادما أمينا للإنجيل وسط الفقراء.

لفت الأب الأقدس في كلمته بعد ذلك الأنظار إلى أن الأب لورنسو قد عاش بعمق تطويبات الفقر والتواضع، متخليا عن تميزاته وثرائه وراحته وثقافته النخبوية ليصبح فقيرا وسط الفقراء، ولم يشعر أبدا بأي تضاؤل بسبب هذا الاختيار وذلك لإدراكه أن هذه هي رسالته.  ثم عاد البابا فرنسيس إلى الحديث عن الأب الروحي للأب ميلاني، أي الأب بينسي، الذي كتب أنه حين توجه إلى زيارة الأب ميلاني في لحظات شدة مرضه قد وجده في الغرفة التي كانت تُستخدم كمدرسة محاطا بالفتية. وأعرب الأب بينسي عن دهشته أمام هذا المشهد حتى أنه كتب "كانوا جميعا في صمت، وقد كان هو واحدا منهم، لا مختلفا أو أفضل. وحينها أدركت أفضل من أية لحظة أخرى ثمن دعوته وعمق محبته لمن اختارهم واختاروه. لقد كانت هذه، وستظل، الصورة الأكثر بطولة للمسيحي وللكاهن".   

ومرة أخرى تحدث البابا فرنسيس عن التطويبات فعاد إلى كلمات يسوع "طوبى لِلْجياعِ والعِطاشِ إِلى البِرّ فإِنَّهم يُشبَعون". وتابع أن الأب ميلاني قد اختبر هذا أيضا مع ناسه وتلاميذه، ولقد كانت المدرسة الوسط الذي عمل فيه من أجل هدف كبير، أن يستعيد الأشخاص الكرامة والاحترام والحقوق والمواطنة، وفي المقام الأول الاعتراف بكونهم أبناء الله. وواصل الأب الأقدس متحدثا عن كون الأب ميلاني شاهدا ومترجما للتحول الاجتماعي والاقتصادي خلال انتقال الحقبة، وذلك في الفترة التي سادت فيها الصناعة على الزراعة وحين اضطر المزارعون وأبناؤهم إلى العمل كعمال وهو ما جعلهم على الهامش بشكل أكبر. وقد أدرك الأب ميلاني بعقله المستنير وقلبه المنفتح أن المدارس العامة أيضا كانت تعامل بتفرقة فتيته وذلك لأنها كانت تهين وتقصي مَن هم في أوضاع أسوأ، كما وساهمت في ترسيخ اللامساواة. لم تكن المدارس حينها مكان تعزيز اجتماعي بل كانت اختيارية، ولم تكن تخدم البشارة وذلك لأن اللامساواة كانت تُبعد الفقراء عن الكلمة، عن الإنجيل، وتُبعد المزارعين والعمال عن الإيمان وعن الكنيسة. وهكذا تساءل الأب ميلاني كيف يمكن للكنيسة أن تكون مهمة وأن تؤثر برسالتها كي لا يظل الفقراء في الخلف. ووجد الأب ميلاني الإجابة، بحكمة ومحبة، في التربية من خلال نموذجه للمدرسة، أي جعل المعرفة في خدمة الأخيرين بالنسبة للآخرين والذين هم أولون بالنسبة للإنجيل وبالنسبة له.

وهكذا سلَّم الأب ميلاني لقطيعه، لناسه، قال قداسة البابا، حياته كلها والتي كان قد كرسها قبل ذلك للمسيح. وواصل الأب الأقدس أن الاهتمام بالنسبة للأب ميلاني كان يعني الاهتمام بشكل محدد بالأشخاص، أي كان إعلانا صريحا بمحبته لجماعته الصغيرة وكان أيضا الرسالة التي تركها لطلابه والتي أصبحت تعليما على المدى الواسع. فالأب ميلاني يدعونا إلى ألا نكون غير مبالين وأن نقرأ الواقع ونتعرف على الفقراء الجدد وأشكال الفقر الجديدة، وأيضا إلى الاقتراب من جميع المستبعَدين والعناية بهم، وعلى كل مسيحي أن يقوم بدوره في هذا، قال قداسته.

وفي ختام كلته إلى أعضاء اللجنة الوطنية للمئوية الأولى لميلاد الأب لورنسو ميلاني قال البابا فرنسيس إن خبرة الأب ميلاني يمكن أن تُقرأ في نور كلمات البابا يوحنا بولس الثاني التي يتحدث فيها عن الشهيد والذي يعلم، حسبما ذكر البابا القديس، أنه قد وجد في اللقاء مع يسوع المسيح حقيقة حياته، ولا يمكن لأي شيء أو لأحد أن ينزع عنه هذه الثقة. لا المعاناة ولا الموت العنيف يمكنهما أن يجعلاه يتراجع عن الالتصاق بالحقيقة التي اكتشفها في لقاء المسيح.