محرر الاقباط متحدون
"إن الاصغاء إلى صرخة الأرض يعني الاصغاء إلى صرخة الفقراء والمهمشين، والعكس صحيح: في هشاشة الناس والبيئة، ندرك أن جميع الأمور مرتبطة ببعضها البعض، وأن البحث عن الحلول يتطلّب أن نقرأ معًا الظواهر التي غالبًا ما نعتبرها منفصلة" هذا ما قاله قداسة البابا فرنسيس في كلمته إلى أعضاء جمعيّة الـ ASMEL
استقبل قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم السبت في قاعة كليمينتينا في القصر الرسولي بالفاتيكان أعضاء جمعيّة الـ ASMEL التي تساهم في حسن سير عمل المؤسسات المحلية الإيطالية، وفقا لمبدأ التآزر، بحسب العقيدة الاجتماعية للكنيسة، وللمناسبة وجّه الاب الأقدس كلمة رحّب بها بضيوفه وقال تواجه المناطق التي تأتون منها بعض تناقضات المجتمع الحالي ونموذجه التنموي. إنَّ البلديات الصغيرة، ولا سيما تلك التي هي جزء مما يُعرف بالمناطق الداخلية، والتي تشكل الأغلبية، غالبا ما تتعرض للإهمال وتجد نفسها في حالة هامشية. ويعاني المواطنون الذين يعيشون فيها، وهم جزء كبير من السكان، من فجوات كبيرة من حيث الفرص، وهذا الامر يشكّل مصدرًا لعدم المساواة.
تابع البابا فرنسيس يقول تكمن جذور هذه الفجوات في حقيقة أنه من المكلف توفير القدر عينه من الموارد لهذه المناطق مثل مناطق أخرى من البلاد. وهنا نرى مثالاً ملموسًا لثقافة الاقصاء: "يتم التخلص من كل ما لا يفيد الربح". فتبدأ هكذا حلقة مفرغة: غالبًا ما يدفع غياب الفرص الجزء الأكثر ميلاً إلى المغامرة من السكان إلى المغادرة، وهذا الأمر يجعل المناطق الهامشية أقل إثارة للاهتمام، ومتروكة لنفسها. والذين يبقون هم بشكل رئيسي الأشخاص المسنين والذين يكافحون أكثر للعثور على بدائل. وبالتالي، تنمو في هذه المناطق الحاجة إلى دولة الرفاهيّة، بينما تتناقص الموارد اللازمة للاستجابة لها. هناك جانب آخر لهذه الديناميكية. نجد في المناطق الداخلية الهامشية القسم الأكبر من الإرث الطبيعي (الغابات والمناطق المحمية وما إلى ذلك): وبالتالي فهي ذات أهمية استراتيجية من الناحية البيئية. لكن الإفقار التدريجي للسكان يجعل من الصعب رعاية المنطقة التي كان سكان هذه المناطق يقومون بها على الدوام. فتصبح الأراضي المهجورة أكثر هشاشة، ويصبح عدم استقرارها سببًا للكوارث وحالات الطوارئ، لاسيما اليوم مع تزايد الأحداث المتطرفة المتكررة: على سبيل المثال الأمطار الغزيرة والفيضانات والانهيارات الأرضية؛ الجفاف والحرائق، وعواصف الرياح. بالنظر إلى هذه المناطق، نؤكد أن الاصغاء إلى صرخة الأرض يعني الاصغاء إلى صرخة الفقراء والمهمشين، والعكس صحيح: في هشاشة الناس والبيئة، ندرك أن جميع الأمور مرتبطة ببعضها البعض، وأن البحث عن الحلول يتطلّب أن نقرأ معًا الظواهر التي غالبًا ما نعتبرها منفصلة.
أضاف الأب الأقدس يقول أنتم تعرفون هذه الأشياء جيدًا. أود اليوم أن أشكركم على التزامكم وعملكم الذي يسعى إلى المساهمة في حماية كرامة الأشخاص والعناية ببيتنا المشترك، حتى مع شح الموارد ووسط آلاف الصعوبات. هناك حاجة متزايدة لهذا الالتزام، لذا أدعوكم لكي لا تخففوا من التزامكم ولا تسمحوا للإحباط بأن يسيطر عليكم. هناك شيء على المحك أكبر من نوعية الحياة والرعاية في المناطق التي أتيتم منها، والتي تستحق أيضًا كل جهد. إنَّ المناطق الهامشية هي التي يمكنها أن تتحوّل على الدوام إلى مختبرات تجدد اجتماعي، انطلاقًا من منظور - منظور الهوامش - الذي يسمح لنا برؤية ديناميكيات المجتمع بطريقة مختلفة، واكتشاف الفرص حيث لا يرى الآخرون سوى القيود، أو الموارد فيما يعتبره الآخرون حثالة. إن الممارسات الاجتماعية المتجدّدة، التي تعيد اكتشاف أشكال المبادلة والتي تعيد تشكيل العلاقة مع البيئة في مفتاح الرعاية - من الأشكال الجديدة للزراعة إلى خبرات رفاهية المجتمع - تتطلب منا أن نعترف بها ونعضدها، لكي نغذّي نموذجًا بديلاً لصالح الجميع.
تابع الحبر الأعظم يقول إذ أفكّر في مجال التزامكم، أود أن أقترح عليكم أحد المجالات العديدة التي يجب الانتباه إليها: البحث عن علاقات جديدة بين القطاعين العام والخاص، ولا سيما القطاع الاجتماعي الخاص، للتغلب على الأساليب القديمة والاستغلال الكامل للإمكانيات التي يوفرها التشريع اليوم. إن ندرة الموارد في المناطق الهامشية تجعل الأشخاص أكثر استعدادا للتعاون من أجل ما يبدو أنه منفعة عامة؛ وهكذا تولد الفرصة لفتح مواقع مشاركة، تعزز تجديدًا للديمقراطية في معناها الجوهري. وهناك تيار واعد آخر وهو تيار التكنولوجيات الحديثة، ولا سيما استخدام أشكال الذكاء الاصطناعي المختلفة. ونحن نكتشف مدى قوتها كأدوات للموت. ولكن يمكننا أن نتخيل مدى فائدة هذه القوة إذا لم يتم استخدامها للتدمير، وإنما في منطق العناية: العناية بالأشخاص والجماعات والأقاليم والبيت المشترك. وخلص البابا فرنسيس إلى القول أيها الأصدقاء الأعزاء، أتمنى لكم كل التوفيق في عملكم. أبارككم من كل قلبي مع أحبائكم. وأسألكم من فضلكم أن تصلّوا من أجلي.