أيمن زكى
في مثل هذا اليوم تذكار نياحة القديس والناسك المجاهد ابافيس. أسألكم أيها الأخوة المحبين لله أن تعطوني مسامع قلوبكم وتصغوا لسماع الكلام جيدا لأخبركم بسيرة هذا القديس المجاهد , هذا الذي أحب الرب من كل قلبه منذ طفوليته ونعمه الله كانت حالة عليه .
كان من أهل أدنا من أعمال الأشمونيين (قرية تابعة لمركز ملوي محافظة المنيا ) رباه والداه تربية مسيحية وبعد نياح أبوي القديس ومضيهم إلي المسيح الذي أحباه, قام أبافيس وعبر النهر إلي الشرق وسكن عند قديس راهب يدعي أباهور "أبو الكنوز" بجبل العمود (جبل سوادة) لأن اسم أباهور قد شاع في كورة مصر وتجمع حوله أخوة رهبان كثيرون أقاموا معه.
فلما وصل القديس أبافيس إلي مكان سكني القديس أباهور وقرع باب قلايته . فقام القديس أباهور وفتح باب القلايه ورحب كثيرا بالقديس أبافيس الذي طلب منه قائلا :
" بارك علي يأبى وأجعلنى أسكن معك " فأجابه القديس أباهور قائلا: " مرحبا بمجيئك يا ابني , السلام لك أيها البتول من البطن وإلي حين الوفاة, السلام لك يا أبا فيس الرجل المحبوب الآن أيها المبارك من الرب " ثم قبلوا بعضهم بقبلة طاهرة مقدسة وصليا وجلسا ثم استمر وقتا طويلا يتحدثان فيه بعظائم الله . وبعد قليل ألبسه أباهور الأسكيم المقدس وهو عالم أن هذا الأمر من قبل الله , فتعبد حسنا وأجهد نفسه بنسكيات كثيرة بدون ملل حتى أنهم دعوه الآب الصبور وكان القديس أباهور يحبه مع أخ راهب يسمي ببنودة وكان يمدحهما كثيرا وتنبأ عما سيكون منهما .
فلما تنيح القديس أباهور بشيخوخة حسنه مرضيه لله . عند ذلك قام القديس أبافيس وخرج وملاك الرب يمشي معه إلي أن عبر النهر من الشرق حتى وصل إلي الغرب , وأنفرد علي الشاطئ في ذلك الموضع .
أما ما كان مني أنا الحقير (زكامان) المتكلم معكم , فأني خرجت من بيتي طالبا إرشاد الله. الذي كنوزه مملوءة رحمة ورأفة ويشتهي أن جميع الناس يخلصون, وإذا هو المخلص المحي وحيد الآب, الكلمة المخوفة فأرشدني إلي بحر الخير والسلامة الذي ليس فيه غضب ولا قلق الذي هو رجل الله أبا فيس . وأتي بي إلي قيطونته وخفي عني. فقرعت الباب وللوقت خرج إلي رجل الله ووجهه مبتسم مضئ كوجه ملاك الرب فقبلني فقلت له : إغفر لي يا أبي أنا عبدك. فقال لي: الرب يحفظك أدخل بفرح , إلي الرب جعلت لي ميراثا . وبعد أيام أرشدني فيها بالتعاليم والتداريب الروحية ثم ألبسني ثوب الرهبنة والإسكيم الملائكي وأقمت تحت ظل صلاته, ورأيت بعيني قوات وعجائب كثيرة صنعها أبي ومرات كثيرة ظهر له المخلص وأعلمه بالأسرار السمائية .
وذات يوم ظهر له مخلصنا وقال له: السلام لك يا حبيبي فيس الذي صنع إرادة سيده, أنهض وأتبعي إلي الموضع الذي أخذك إليه لتمجدني فيه, فتقيم زماناً طويلا وأنا أجمع لك شعباً حتى يذاع اسمك في العالم. حينئذ أمسك الرب له المجد يد أبي وخرجا إلي وادي الجزيرة وأنا أتبعهما, وقال الرب لآبا فيس إمسك قلنسوتك وأملاها حصى ففعل هكذا, فقال الرب ثانية, أمسكها واربطها وأحفظها, ثم قال لأبي هذا الموضع هو الذي حددته لك لتمجدني فيه وحدد له أساس البيعة ومكان مجمع الرهبان , ثم قال له : "هذا عهدي الذي قررته معك أن جسدك يكون في هذا الموضع وقوات وعجائب أيضا تحدث منك , لكل الذين يأتون إلي موضعك بكل قلوبهم ولا يكون ذو قلبين , لأن الرجل ذا القلبين لا تستقيم طرقه قدام الله ولا يحصل له شفاء , لكن الذي يكون له قلب مستقيم في الله هذا يحبه أبي . أقول لك يا حبيبي فيس أن جموعا كثيرة بأصناف الأمراض إذا أتوا إلي موضعك بأمانة أنا أشفيهم وأعطيهم سؤالهم . وبركة أبي تكون دائمة فيه . ثم باركنا فسجدنا لمخلصنا وخفي عنا .
وتكاثر الأخوة حول القديس حتى بلغ عددهم مائة , وكنا كلنا نأكل على مائدة واحدة , ونعمل في بنيان البيعة بنفس واحدة مع بعضنا طائعين لأبينا أبا فيس في كل ما يأمرنا به , فلما كمل بنيان البيعة ومجمع الرهبان كما أمرنا السيد المسيح جعلني أبي علي خدمة الشعب , أما أبي فكان يصنع صلوات ونسكيات كثيرة مع سهر الليل حتى ذاع خبره وجاء إليه مرضي كثيرون بأمراض مختلفة وأرواح شريرة فشفاهم بقوة المسيح مخلصنا .
فلما رأي عدو الخير ذلك ظهر له وصار يزأر كالأسد ويصرخ قائلا: الغوث منك يا أبا فيس الشيخ لأنك اجتذبت الناس إلي الصلاح وأنت واقف تحاربني فالشرور التي صنعتها بي ليست بقليلة , لكن وحق قوتي لأخرب البيعة التي بنيتها , حينئذ خرج إلي قبلي البيعة إلي النهر وأثار زوبعة عظيمة لأجل ما يهدم البيعة وعندما رأي أبي ما صنعة العدو حزن جدا ودخل إلي البيعة وخر علي وجهه باكيا قائلا : أذكر يارب عهدك الذي قررته مع بطرس الرسول أنك تبني بيعتك علي الصخرة التي لا تتزعزع وأبواب الجحيم لن تقوي عليها , والشيطان عدو الخير لا تدعه يتسلط عليها . والآن يارب لا تدعه يفرح ولئلا يفتخر قائلا أني قد قويت عليه . أذكر يارب نفسي وهؤلاء الأخوة الذين صنعوا مرضاك لا تدع العدو يبدد عملهم , فلما قال هذا بتضرع وخشوع ظهر له سيدنا السيد المسيح وقال له :
السلام لك يا عبدي فيس . فقام القديس من الأرض وقال : ربي و ألهي المجد لك , لأن صوت سلامك شفي عظامي وتهللت روحي .
فقال له المخلص : ما لي أراك باكيا حزينا أجابه الشيخ الطوباوى أبكي يا سيدي لأني رأيت العدو والشيطان يريد أن يبدد تعبي وتعب أبنائي فقال له مخلصنا الصالح : لا تخف فالعهد الذي قررته معك لا أنقضه , أسرع وأحضر قلنسوتك الملآنة حصى التي أوصيتك بحفظها , ثم آمره أن يلقي بالحصى أسفل النهر حيث أثار العدو الزوبعة . وللوقت صار ذلك الحصى صخوراً عظيمة محيطة بذلك الموضع فلما رأي عدو الخير هذا افتضح أمره وولي هاربا وتمجد الله كثيراً صانع عجائب في قديسيه وحافظي وصاياه .
وذات يوم كنت مع أبي أتبعه وللوقت خطف للسماء وأنا أنظره فجزعت وظننت أنه لا يعود وبعد ثلاثة أيام وأنا ملقي علي الأرض مثل الميت , أتي أبي وأقامني وأوصاني قائلا: احتفظ بهذا الأمر إلي بعد خروجي من الجسد .
مرة أخري كان أبي يعمل في ضفر الخوص وكان الموضع عالياً وكان عدو الخير واقفا أسفل الموضع وصار يحل ما كان يضفره أبي , وكان أبي يدلي ما يضفره والشيطان يحل . فلما فرغ الخوص من يد أبي قام ليقيس الضفيرة . فقاس ذراعا واحدا ووجد الباقي محلولا . فعند ذلك تطلع أبي فرأي الشيطان واقفاً في شكل عبد أسود فصرخ أبي قائلا : أيها الروح النجس باسم يسوع المسيح لا تتحرك من مكانك إلي أن أقول لك . وللوقت نزل القديس حيث الشيطان فقال له الشيطان : أطلقني وأنا لا أعود إلي هذا الموضع فقال له : حي هو الرب ضابط الكل أنك لا تمضي من هنا حتى تصلح ما أفسدته وللوقت أخذ الشيطان الضفيرة وضفرها حتى لم يبقي منها إلا القليل فقال الشيطان لأبي ثانية أطلقني فليست لي قدرة أن أعمل عملا وأكمله واقسم عليه أقساما عظيمة فرسم عليه بعلامة الصليب فذهب بخزي عظيم .
وفي دفعة كان أبي يصلح الساقية , وإذا جمع كبير من الشياطين أحاطوا بالساقية حتى أنهم أرادوا أن يتلفوا الموضع , وبعضهم قال نهدم الجدران وآخرون قالوا نشعل النار ونحرقة . وكان أبي يتلو المزامير وهو يصلي باسطا يديه ثم التفت وقال لهم : أنا آمركم باسم سيدي يسوع المسيح إلهي أن تتبددوا كالغبار أمام الريح وللوقت تبددوا ولم يبق منهم واحدا .
بعد زمان في الجهاد قمنا وخرجنا إلي جبل الملح وسكنا هناك وأقمنا أياما في ذلك الموضع فقال لي أبي : يا ولدي زكامان هوذا يوم افتقادي قد قرب , لكن الرب يكون معك فإذا خرجت من الجسد فاهتم بجسدي والرب يهديك إلي الموضع الذي يفرزه لك ويهب لك خدمة مرضية , فلما كانت عشية اليوم التاسع من شهر طوبة أتي ربنا يسوع المسيح له المجد علي مركبه نورانية وحوله الملائكة إلي أبي وقال له : تقوي يا حبيبي فيس . انهض لآخذك إلي موضع راحتك فهذا يوم انتقالك .
حينئذ رقد القديس وتنيح صبيحة باكر التاسع من شهر طوية وأسلم نفسه بيد الرب خالقه والرب قبلها إليه بفرح وصعد بها إلي السماء وكثيرة هي الأشفية والعجائب التي كانت تظهر من قبل جسده بعد نياحته .
وأنا الحقير زكامان نقلت جسد أبي من الجبل الذي تنيح فيه وأتيت به إلي البيعة المقدسة التي بناها في مجمع الأخوة الرهبان وكان ذلك في اليوم التاسع والعشرين من شهر أمشير وكان الأخوة يرتلون أمامه بالتماجيد والتراتيل إلي أن أدخلناه إلي داخل الأسكنة بالبيعة ووضعناه هناك .
وأنا الحقير زكامان وضعت هذه الأخبار تذكارا لأبي القديس أبا فيس وتمجيدا لله الذي يصنع عجائبه في قديسيه
ونحن يا أخوه نسأل ربنا وإلهنا مخلصنا يسوع المسيح خالق البرية المتجسد من الروح القدس والعذراء مريم البتول أن يخلصنا من يد العدو ويحرسنا بصلوات أبينا القديس أبا فيس أمين .
منيه بو فيس: ورد بدليل المتحف القبطي – الجزء الثاني 1932 صـ253 عن الكنائس والأديرة في القرن الثاني عشر بقلم الأستاذ جرجس فيلوثاؤس عوض ما يلي: "منيه بني خصيب" : أنشأها نصراني يعرف بابن خصيب , وكانت قديما تعرف بمنيه بوفيس ( وهي بوفيس بالفاء الموحدة الفوقية وهي في البر الغربي ) وفيها :- بيعتان للسيدة العذراء مريم , بيعة جرجس المدينه , بيعة ميخائيل , وله أيضا بيعة أخري (بيعة داخل المدينه والأخرى خارجها ) كنيستان لمرقوريوس والأخرى لأبا فيس ( أبو فيس .
كما كانت منيه بوفيس إيبارشية فقد حضر الأنبا مرقس أسقف منيه بوفيس مجمعا مقدسا لعمل الميرون سنه 1305 م في زمان البابا يؤنس الثاني البطريرك الـ 80 ( كتاب الميرون رقم 101 طقس صـ24 ,26 بمكتبة الدار البطريركية )
وفي مجمع عمل الميرون سنه 1461 م في أيام البابا متاؤس الثاني البطريرك الـ 90 ورد ضمن الذين حضروا هذا المجمع اسم أنبا إيساك مقدم الأساقفة بصفته أسقف كرسي منيه القديس وطحا ( كتاب286 طقس بالبطريركية صـ44) وجاء أيضا بمخطوطة رقم 242 / 78 طقس بفهرست المخطوطات بالمتحف القبطي " قطمارس الصوم الكبير وصوم يونان تاريخه 1504 للشهداء الناسخ الأسقف أنبا يوساب بكرسي الاشمونين , برسم المعلم بشاي غبريال الطحاوى بمنيه ابن خصيب أوقفه علي كنيسة مارجرجس " – 70 طقس
وقد حلت مدينة المنيا محل منيه بني خصيب ومما تقدم تبين لنا أن مدينة المنيا الحالية هي منيه القديس أبا فيس كما كانت تعرف قديما , وكانت كنيسة القديس أبا فيس تقع علي
النيل
بركة صلاته تكون معنا امين…
ولربنا المجد دائمًا أبديًا آمين…