الانبا أرميا
يحتفل أقباط «مِصر» ومَسيحيو الشرق فى الحادى عشَر من شهر طوبة، الذى يوافق التاسع عشَر من يناير، الذى يوافق العشرين من يناير هذه السنة، بأحد الأعياد المهمة «عيد الغطاس»، الذى اشتُهرت به «مِصر» على وجه الخصوص، مصلين إلى الله أن يديم سلامه الذى لا يتزعزع على بلادنا «مِصر»، ويهبه لمنطقة الشرق الأوسط ولسائر العالم.
ولأهمية «عيد الغطاس» يُطلَق عليه «عيد سيدى كبير»، لأنه يختص بشخص «السيد المسيح» الذى قبِل «المعمودية» من يد نبى الله «يوحنا المَعمَدان»، ذلك النبى النارى الذى أخذ يكرز بالتوبة والعودة لله حتى جذب قلوب الشعب وخرجوا إليه من «اليهودية» و«أورُشليم»، والعشارين والجنود بل «الملك هيرودُس» الذى «كَانَ يَهَابُ يُوحَنَّا عَالِمًا أَنَّهُ رَجُلٌ بَارٌّ وَقِدِّيسٌ، وَكَانَ يَحْفَظُهُ. وَإِذْ سَمِعَهُ، فَعَلَ كَثِيرًا، وَسَمِعَهُ بِسُرُورٍ».
ويذكر «الكتاب» عن ذلك الحدث الجليل: «حِينَئِذٍ جَاءَ يَسُوعُ مِنَ الْجَلِيلِ إِلَى الْأُرْدُنِّ إِلَى يُوحَنَّا لِيَعْتَمِدَ مِنْهُ. وَلكِنْ يُوحَنَّا مَنَعَهُ قَائِلًا: «أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِى إِلَىّ!» فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «اِسْمَحِ الْآنَ، لِأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرّ». حِينَئِذٍ سَمَحَ لَهُ. فَلَمَّا اعْتَمَدَ يَسُوعُ صَعِدَ لِلْوَقْتِ مِنَ الْمَاءِ، وَإِذَا السَّمَاوَاتُ قَدِ انْفَتَحَتْ لَهُ، فَرَأَى رُوحَ اللهِ نَازِلًا مِثْلَ حَمَامَةٍ وَآتِيًا عَلَيْهِ، وَصَوْتٌ مِنَ السَّمَاوَاتِ قَائِلًا: «هذَا هُوَ ابْنى الْحَبِيبُ الَّذِى بِهِ سُرِرْتُ».»؛ وهكذا أذِن السيد المسيح لـ«يوحنا» فى أن يعمده، مع أن «السيد المسيح» هو «البار» الذى لا تُعوزه أىّ معمودية حتى إنه قال لليهود: «مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِى عَلَى خَطِيَّةٍ؟»؛ ولم يتمكن الكتبة والفريسيون ورؤساء الكهنة وشيوخ الشعب المريدون قتله من إجابته أو اتهامه بارتكاب أىّ ذنب.
وعن «السيد المسيح» شهِد «يوحنا المَعمَدان»: «لَسْتُ بِمُسْتَحِقّ أَنْ أَحُلَّ سُيُورَ حِذَائِهِ». وتنبأ عن «السيد المسيح» سابقو «يوحنا المَعمَدان» من الأنبياء كـ«إِشَعْياء النبىّ» القائل: «وَيَكُونُ الْبِرُّ مِنْطَقَةَ مَتْنَيْهِ، وَالْأَمَانَةُ مِنْطَقَةَ حَقْوَيْهِ». و«السيد المسيح» هو من كان الشعب بأسره يعرف أنه «البارّ»، حتى إن امرأة الوالى «بيلاطس البنطى» أرسلت إليه فى أثناء محاكمته «السيد المسيح»، تطلب منه ألا يمُد يده إليه: «فَفِيمَا هُمْ مُجْتَمِعُونَ قَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: «مَنْ تُرِيدُونَ أَنْ أُطْلِقَ لَكُمْ؟ بَارَابَاسَ أَمْ يَسُوعَ الَّذِى يُدْعَى الْمَسِيحَ؟» لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُمْ أَسْلَمُوهُ حَسَدًا. وَإِذْ كَانَ جَالِسًا عَلَى كُرْسِىّ الْوِلَايَةِ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِ امْرَأَتُهُ قَائِلَةً: «إِيَّاكَ وَذٰلِكَ الْبَارَّ، لِأَنِّى تَأَلَّمْتُ الْيَوْمَ كَثِيرًا فِى حُلْمٍ مِنْ أَجْلِهِ»». وقد شهِد أيضًا للسيد المسيح تلاميذه القديسون كـ«الرسول بطرس»: «فَإِنَّ الْمَسِيحَ أَيْضًا تَأَلَّمَ مَرَّةً وَاحِدَةً مِنْ أَجْلِ الْخَطَايَا، الْبَارُّ مِنْ أَجْلِ الْأَثَمَةِ، لِكَى يُقَرِّبَنَا إِلَى اللهِ، مُمَاتًا فِى الْجَسَدِ وَلٰكِنْ مُحْيىً فِى الرُّوحِ». ولا شك أن أعظم الشهادات كانت شهادة السماء: «هذَا هُوَ ابْنى الْحَبِيبُ الَّذِى بِهِ سُرِرْتُ».
أما عن سبب اعتماد السيد المسيح، وهو البار بذاته الذى حاشاه أن يخطئ، فنجده فى حديثه إلى «يوحنا المَعمَدان» بعد أن تمنَّع فى حياء شديد عن إجراء العماد له قائلًا: ««أَنَا مُحْتَاجٌ أَنْ أَعْتَمِدَ مِنْكَ، وَأَنْتَ تَأْتِى إِلَىّ!» فَأَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «اسْمَحِ الْآنَ، لِأَنَّهُ هكَذَا يَلِيقُ بِنَا أَنْ نُكَمِّلَ كُلَّ بِرّ»»؛ لقد كانت معمودية السيد المسيح لأجل أن يكمِّل ببره الكامل كل بِرّ عن الإنسان الذى أخطأ وفسد وكسر وصية الله بعصيانه وجاء الحكم الإلٰهىّ عليه بخروجه من جنة «عَدْن» وبالموت.
وقديما كانت لـ«عيد الغطاس» فى «مصر» مظاهر احتفالية كبيرة، يشارك فيها المصريون جميعًا على ضفاف «النيل»، فيذكر المؤرخ «المقريزى»: «ولما تولى الإخشيديون الحكم، كان «لليلة الغطاس» شأن عظيم، وكان الناس- مسلمين ومسيحيين- لا ينامون فى هذه الليلة.
وقد حضر «المسعودى»، سنة ٣٣٠ هـ، «ليلة الغطاس» بـ«مصر»، والإخشيد «مُحمد بن طُغْچ» أمير مِصر فى قصره، فى جزيرة «منيل الروضة»، وأمر بإقامة الزينة فى تلك الليلة أمام قصره من جهته الشرقية المطلة على «النيل» وأوقد ألف مَشعَل، غير ما أوقد أهل «مِصر» من المشاعل والشموع على جانبى فرع «النيل». وحضر فى تلك الليلة آلاف من البشر من المسلمين والمَسيحيين»، إلى أن توقفت تلك الاحتفالات وصارت مقصورة على الكنائس.
كل عام وجميعكم بخير، و... والحديث فى «مصر الحلوة» لا ينتهى!.
نقلا عن المصرى اليوم