ترحب المبادرة المصرية للحقوق الشخصية بمشروع قانون يتيح للمرة الأولى استئناف الأحكام الصادرة في الجنايات، وهي الخطوة التي تأخرت كثيرًا نحو تنفيذ استحقاق دستوري وعلاج عوار تشريعي واستجابة لمطلب ناضلت من أجله الحركة الحقوقية المصرية على مدى عدة عقود. وقالت المبادرة المصرية إن مشروع تعديل قانون الإجراءات الجنائية الذي نظره مجلس النواب في جلسته العامة اليوم الإثنين، ١٥ يناير، يتماشى مع المعايير العالمية للمحاكمة العادلة والمنصفة والمبادئ الدستورية التي تقر حق التقاضي على درجتين.
لكن المبادرة المصرية انتقدت إعلان وتقديم الحكومة لهذا التعديل الهام قبل أقل من 48 ساعة من ساعات معدودة من انتهاء المهلة المنصوص عليها في دستور 2014، والذي ألزم البرلمان باستحداث ذلك النظام القانوني والإجرائي خلال عشر سنوات من تاريخ العمل به، وهي المهلة التي تنقضي في 17 يناير الجاري. وشددت المبادرة على ضرورة التحرك العاجل لتنفيذ باقي الاستحقاقات الدستورية المعطلة دون سبب، ومن بينها إنشاء مفوضية مكافحة التمييز، وضمان تخصيص الحد الأدنى المنصوص عليه دستوريًا لمعدلات الإنفاق الحكومي على التعليم والتعليم العالي والصحة والبحث العلمي، ومد التعليم الإلزامي للمرحلة الثانوية، وإصدار قانون بتنظيم ندب القضاة، وقانون العدالة الانتقالية، وقانون تنظيم المحليات وإجراء انتخاباتها.
ورغم مهلة السنوات العشر التي أتاحها الدستور، فقد قدمت الحكومة مشروع القانون فجأة أول أمس السبت إلى اللجنة التشريعية بمجلس النواب، والتي أقرته في جلسة واحدة وأحالته للجلسة العامة اليوم مما حال دون إجراء مناقشة حقيقية لمشروع القانون أو تعديله.
وأضافت المبادرة أن التراخي في تنفيذ هذه الاستحقاقات لا يعكس فقط تجاهلًا لأحكام دستورية ملزمة، بل يعصف بحقوق ملايين المواطنين. فقد نظرت محاكم الجنايات المئات من القضايا في هذه السنوات العشرة, صدرت فيها أحكام - من بينها الإعدام- ضد المواطنين المتهمين في قضايا جنائية الذين حرموا من حقهم الدستوري الكامل في التقاضي على درجتين نتيجة تعامل السلطتين التنفيذية والتشريعية مع الدستور الحالي باعتباره وثيقة توصيات استرشادية وليس عقدًا ملزمًا للدولة تجاه مواطنيها.
وأثنت المبادرة المصرية على إصرار مجلس النواب اليوم على تطبيق النظام الجديد لإتاحة استئناف أحكام الجنايات فور إصدار القانون وعدم الانتظار إلى أكتوبر المقبل كما طرحت الحكومة في مشروعها، وذلك للتأكيد على ضرورة تمتع المتهمين بحقهم الدستوري في أقرب وقت ممكن، ووضع وزارة العدل والمحاكم أمام مسؤولياتها لإعادة هيكلة الدوائر وتوفير المتطلبات اللوجستية والمالية لذلك.
إلا أن المبادرة في الوقت ذاته تطالب مجلس النواب بإعادة النظر في عدد من النصوص الأخرى للمشروع قبل التصويت النهائي عليه الأسبوع الجاري، أبرزها النص على تخصيص دوائر بعينها داخل كل محكمة لنظر قضايا أمن الدولة مع الإلزام بالفصل فيها "على وجه السرعة"؛ إذ حفلت تجربة تخصيص دوائر لنظر تلك القضايا وقضايا الإرهاب في محاكم الجنايات في السنوات الماضية بالعديد من الإشكاليات الماسة بحقوق المتهمين وانتهاك حقهم في الدفاع بدعوى السرعة. فضلًا عن عدم الحاجة إلى وجود هذه الدوائر الدائمة بالنظر لأعداد القضايا المحالة إليها، ما يعني إهدار موارد قضائية نحن في أمس الحاجة إليها.
لذا فإن المبادرة المصرية تؤيد التعديل الذي تقدم به في جلسة اليوم النائب فريدي البياضي والذي ينص على "جواز تخصيص دائرة أو أكثر لنظر قضية بعينها، أو القضايا المتعلقة بنوع محدد من الجرائم" دون إلزام بالفصل السريع فيها، وحسب السلطة التقديرية للجمعية العمومية لمحكمة الاستئناف المختصة ورئيسها، حتى يكون هذا التخصيص على قدر الحاجة وحتى يتمتع بالمرونة التي تسمح بتخصيص الموارد القضائية حيثما نحتاجها.
كما يتضمن مشروع الحكومة مادة تجيز لمحكمة الجنايات بدرجتيها الأمر بحبس المتهم احتياطيًا والإفراج عنه بكفالة أو بدون، وذلك مع مراعاة المادتين 142 و143 من قانون الإجراءات الجنائية. وتطالب المبادرة المصرية بأن يشتمل هذا الحكم على نص صريح يطابق نص الفقرة قبل الأخيرة من المادة 143 للتأكيد على أن الحد الأقصى للحبس الاحتياطي في جميع الجنايات لا يجوز أن يجاوز 18 شهرًا، تزيد إلى سنتين فقط إذا كانت العقوبة المقررة لجريمة الاتهام السجن المؤبد أو الإعدام. والهدف من هذا المقترح منع المحاكم من التوسع في تفسير الفقرة الأخيرة من المادة 143 التي استُحدثت بالقانون رقم 83 لسنة 2013 في عهد الرئيس المؤقت عدلي منصور لتسمح لمحكمتي النقض والإحالة بتجاوز الحدود القصوى المذكورة سلفًا، مما يسمح باستمرار الحبس الاحتياطي لأجل غير مسمى، الأمر الذي يشوب النص بعيوب دستورية جسيمة، تستوجب إعادة النظر فيه.
ويأتي ذلك اتساقًّا مع احتلال قضية إصلاح منظومة الحبس الاحتياطي أولوية النقاش المجتمعي والسياسي في السنتين الماضيتين، في ضوء رزوح الآلاف من المواطنين الأبرياء تحت الحبس الاحتياطي المطول مفتوح المدة جراء التوسع في تفسيره وتطبيق هذه الفقرة المعيبة من قبل بعض الدوائر في المرحلة الأولى من المحاكمة، وليس في مرحلة النقض أو إعادة المحاكمة. وشددت المبادرة أن هذا التعديل الجزئي المرحلي لن يعالج أزمة الحبس الاحتياطي الهائلة المستمرة منذ عشر سنوات ولن يغني عن تعديل شامل لكافة المواد المنظمة للحبس الاحتياطي بما يمنع استخدامه كعقوبة خاصة ضد المعارضين.
وتؤكد المبادرة المصرية مرة أخرى أن عدم إتاحة الوقت الكافي لمناقشة هذا المشروع بالغ الأهمية، وغموض توافر الاستعداد لتنفيذه على أرض الواقع، يثير القلق من تكرار المشهد في المشروع الأكثر أهمية على الإطلاق لمنظومة العدالة وهو صياغة قانون جديد للإجراءات الجنائية للمرة الأولى منذ صدور القانون الجاري عام 1950، والذي تعمل عليه حاليا لجنة حكومية برلمانية مشتركة في أجواء من السرية تتخللها بيانات قصيرة لا تحمل معلومات كافية. وتطالب المبادرة مجدداً بعقد جلسات استماع علنية مع الحقوقيين والقانونيين والقضاة والخبراء وممثلين عن السجناء السابقين وضحايا الجريمة وغيرهم من الأطراف ذات المصلحة، باعتبار قانون الإجراءات الجنائية يمثل البنية التحتية لمنظومة التقاضي الجنائي كاملة.