د. أمير فهمي زخارى
هذا المقال اقدّمه خصيصا للأخوة المسلمين وكذلك لبعض المسيحيين الذين لا يعرفون الفرق بين النصرانية والمسيحية، وللمتشددين خاصة الذين يصرون على تسمية الاقباط بالنصارى جهلا او تعمداً,
فكان يلزم تصحيح المفاهيم وتوضيح الحقائق.. حتى تتصالح النفوس وترفع البغضة بين الشعب الواحد، فالإنسان عدو ما يجهل...
حبوا بعضكم بعضا "الكتاب المقدس "، لكم دينكم ولي دين "القرآن الكريم"
بعدما تعرّفنا في المقال الأول على الفارق الكبير بين النصرانية والمسيحية..
وقولت إن النصرانية هي بدعة مسيحية يهودية قديمة، نشأت في فلسطين، وكان اتباعها من اليهود المتعصبين الذين مزجوا بين اليهودية والمسيحية، وكانوا يقيمون شعائرهم اليهودية خفية، فهم مسيحيون بالظاهر، ويهود بالباطن.
ويتميز النصارى عن اليهود بإيمانهم بالمسيح باعتباره أحد الانبياء العاديين فقط، مثل موسى ودانيال وبقية انبياء العهد القديم، وانه ولد من مريم العذراء بمعجزة، ولكنه ليس ابن الله حقيقة بل مجازا، لأن الله لم يلد ولم يولد، وليس المسيح سوى مخلوق كبقية البشر، وليس ربا معبودا، وانه غير ازلي، وليس إلها من روح الله، ولا يعترفون بالثالوث الأقدس.
ويتميزون عن المسيحية بإقامة الشريعة التوراتية والتلمودية، والحفاظ على تقديس السبت، والختان الاجباري للذكور، واقامة الطقوس اليهودية بكل دقائقها، والالتزام بكل انواع الطعام.
وكانوا متزمتين ومتعصبين جدا من حيث الالتزام بالناموس اليهودي التلمودي، والتقشف الغذائي، والوضوء قبل الصلاة.
بالنسبة للفظة "النصرانية" التي وُجدَت في شبه جزيرة العرب، حيث أنها كانت تشمل عدّة من الطوائف والمذاهب التي كانت تختلف فيما بينها في بعض النقاط الايمانية وتشترك في أخرى، وبالطبع فإنها تختلف كلياً عن العقيدة المسيحية،
ومن الطوائف النصرانية التي انتشرت بين القبائل العربية في شبه جزيرة العرب نذكر على سبيل المثال لا الحصر: الأحناف، الآريوسيين، الابيونيين، النساطرة، الكسائيين، والمريميين...الخ. ولا يتّسع المجال للحديث عن كل تلك الطوائف "النصرانية" بالتفصيل، ولكن نكتفي بذكر أهمّها وأشهرها بين قبائل العرب في الجزيرة العربية قبل الإسلام.
1- طائفة الأبيونيين Ebionites:
يُشتقّ اسم طائفة الابيونيين النصارى من الكلمة العبرانية אביון (أبيون) والتي تعني فقير، بائس، أو وضيع.
ويقول عنهم المؤرّخ الكنسي يوسابيوس القيصري في كتابه (تاريخ الكنيسة، الفصل السابع والعشرون، صفحة 155): "لقد دُعيوا "أبيونيين"، لأنّهم اعتقدوا في المسيح اعتقادات فقيرة ووضيعة، فهم أعتبروه انساناً بسيطاً عادياً قد تبرَّر فقط بسبب فضيلته السامية.
أنكرت طائفة "الابيونيين" النصرانية، عذريّة العذراء مريم، وأعتقدت أنَّ المسيح هو بشرٌ لا يختلف عن غيره من البشر، وهو ثمرة علاقة جسديّة ربطت مريم بيوسف، وأنكرت ألوهية المسيح وأعتبرته مجرّد انسان هبط عليه الروح القدس عند معموديته بشكل حمامة، ولكن هذا الروح قد تركه على الصليب،
وهذا ما ورد في القرآن الكريم:
قال الله تعالى: (ما المسيح ابن مريم إلا رسول قد خلت من قبله الرسل وأمه صديقة كانا يأكلان الطعام) [المائدة: 75].
وقال تعالى: (إن مثل عيسى عند الله كمثل آدم خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون) [آل عمران: 59].
أما المعتدلين من "الابيونيين" النصرانية فكانوا يعتبرون أن المسيح هو المسيّا المنتظر، وتتساهل فتقبل، الى حدٍّ ما، بمعجزة ميلاد المسيح من مريم العذراء، ولكنها تُنكر لاهوته أيضاً، وتؤكّد الأبيونية المعتدلة على ضرورة اتّباع ناموس موسى اتّباعاً حرفياً، وترفض رسائل القديس بولس رفضاً قاطعاً، وعلى رغم اعتدالها الّا انها فرضت على أتباعها الختان وتقديس السبت وسائر التعاليم اليهودية، تاركة الحرية بذلك لغير التابعين لها.
والشيء الأخير الذي كان يجمعها بالمسيحيين هو تقديسها يوم الأحد.
ورفضت الأعتراف بالأناجيل الأربعة المقدسة (متى، مرقس، لوقا، يوحنا) وباقي أسفار العهد الجديد بما فيها رسائل القديس بولس الرسول، باستثناء نسخة عبريّة وممسوخة من أنجيل القديس متّى (الأنجيل بحسب العبرانيين) الذي تقدّم الكلام عنه في الجزء الأول.
ويذكر الشيخ خليل بن خليل الهندي، عن النصارى، فى كتابه ( إظهار الحق ) نقلًا عن كتاب (عقائد النصارى الموحّدين بين الاسلام والمسيحية ) للكاتب حسن يوسف الأطير، أنهم كانوا يقولون: " انّ بولس مرتدّ، وان إنجيل متى هو الوحيد الحقيقي بعد حذف فصول ميلاد المسيح وعذراوية أمّه مريم ".
كذلك رفضت فكرة آلام المسيح وموته على الصليب، حيث يؤمنون أن الله رفع المسيح اليه عندما حاول اليهود القبض عليه، وأنه لم يُصلب بل شُبّه لليهود أنهم صلبوه، ولكن الله ألقى شبه المسيح على شخصٍ آخر فصُلب بدلاً منه، فاعتقدوا أنهم قتلوا المسيح. (المفصّل في تاريخ الجزيرة العربية قبل الاسلام، الدكتور جواد علي، الفصل6 صفحة 635).
الخلاصة:
اختلاف الأبيونيين عن اليهود:
بالرغم من ان الأبيونيين هم في الأصل من اليهود، الا أنهم اختلفوا عن بقية بني قومهم في عدة امور، واهمها انهم كانوا يعتقدون ان يسوع الناصري هو المسيح المخلص لليهود والفادي لخطاياهم، في حين اعتبره بقية اليهود مسيحا كاذبا!
وكذلك اختلف الأبيونيون عن اليهود الآخرين، في موضوع التضحية بالقرابين، حيث توقف الابيونيون عن تقديم الاضاحي (ذبح الحيوانات)، لأنهم اعتقدوا ان الاضحية الكبرى قد تم تقديمها من خلال صلب المسيح، وتم بذلك الفداء، ولا داعي لتقديم أضاحي للمعبد.
اختلاف الأبيونيين عن بقية المسيحيين:
اختلف المسيحيون الأبيونيون عن بقية الفرق المسيحية، في إصرارهم على الحفاظ على هويتهم اليهودية والالتزام بتعاليم الشريعة، والإغتسال الدائم بالماء للوضوء والتطهير، وكذلك اختلفوا عنهم لأنهم لم يؤمنوا بموضوع ولادة المسيح العذرية، ولا بصلبه وقيامته، ولا بأزليته او لاهوته. فقد كانوا مسيحيون موحدون، ولم يؤمنوا بعقيدة التثليث.
وللحديث بقية عن باقي الفرق النصرانية في الجزيرة العربية قبل ظهور الإسلام...
المصادر:
- أورجينوس – الرد على كلسس – كتاب 5 فصل 61.
- موسوعة آباء الكنيسة - المجلد الأول – الهرطقات النابعة من اليهودية أولا الأبيونيون والناصريون.
- كتاب قس ونبى – موسى الحريرى ص 21 عقيدة الأبيونيين فى المسيح.
- إيريناوس – الرد على الهرطقات كتاب 1 فصل 26 فقرة 2.
- Cameron, Ron (1982). The Other Gospels: Non-Canonical Gospel Texts. Westminster/John Knox Press. pp. 103–6.
-Luomanen, Petri (2012). Recovering Jewish Christian Sects and Gospels. Brill. pp. 206–12,223–5.
-Tuckett, Christopher M. (2012). 2 Clement: Introduction, Text, and Commentary. Oxford University Press. pp. 201–2; p. 202
- كتاب -المسيحيون ليسوا نصاري- لطيف شاكر... وقدم للكتاب كل من
العالم الازهري الدكتور مصطفي راشد
وصديقى العزيز المستشار الدكتور جمال محمد ابو زيد