د. أمير فهمى زخارى المنيا
زمااان كان عبد الله النديم أشهر ادباتي ظهر في تاريخ مصر الحديث.. لكنه لم يكن من ادباتي القهاوي ولا من ادباتي القاهرة.. لأنه اشتهر في طنطا في مجلس المنشاوي باشا كبير أعيان المدينة...
كان فن الادباتية من أقرب الفنون القولية إلى نفوس الشعب لأنه كان بيستخدم في التعبير عن آلامه وآماله.. واستعراض مشاكله..
كانت فرقة الادباتية بتتكون من عدد من الأفراد يتزعمهم الادباتي اللي بيكون دوره انه يتولى إلقاء مقطوعاته على أنغام طبله صغيرة مبتدئا بالعبارة الشهيرة
انا الاديب الادباتي
ويردد أفراد الفرقة بعض عباراته طبعا بنظام تمثلي متفق عليه وبطريقة كلامية جماعية لافته ومن أشهر عباراتهم
شرم برم حالي غلبان
وكانت فرق الادباتية تطوف القاهرة وتقف على أبواب القهاوي البلدية أو تدخل القهاوي إذا كان مكانها يسمح بذلك.. وكانت بتعالج من خلال المقطوعات المشكلات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية اللي بيتعرض ليها المجتمع... بمعنى أكثر دقة كان فن الادباتية بيقوم بدور اللي بتقوم بيه الصحافة في معالجة المشاكل اليومية...
ولأن الادباتي كان دائم الشكوى من زوجته اللي كان الحديث عنها تعبير رمزي عن السلطة فيقول مثلا:
انا الاديب الادباتي
غلبت يا خلق مع مراتي
شرم برم حالي غلبان
ويعرض الادباتي قضيته اللي هي في الأساس قضية الشعب.. ويكون العرض غالبا في إطار الجو الفني الذي يرفع صوته بالشكوى من الظلم والقهر... وتتخذ الزوجة رمز للقوة القاهرة... وكان رواد القهاوي بيفهموا الموضوع ويقولوا في نشوة "تمام والحدق يفهم"...
وبطبع في تشابه بين الفن ده وفن النكتة وفن الكارتيير اللي اختفى خلف الرمزية أيضا للتعبير عن رأي الشعب... واختفت كمان الصحافة الفكاهية اللي كانت بتنشر تحت عنوان الادباتي وكان بيكتبها أعلام كتاب الفكاهة في مصر من أمثال حسين شفيق المصري ومحمود بيرم التونسي
وبالمناسبة عباره "شرم برم حالي غلبان" فيه مثل بيقول:
"إذا لم تكن لي والزمان شرم برم، فلا خير فيك والزمان ترللي"
وشُرُم بُرُم: أصلها كلمتان، هما: (شَرٌ مُبْرَم)، أي: شر مؤكد وواقع.
وتَرَلَلَي: أصلها أيضا كلمتان هما: (تراءى لي)، أي: ظهر وبان بمعنى انا في خير.
ومعنى المثل:
يا صديقي، إن لم تقف بجانبي في الشدائد، وفي أيام الضيق والشدة، فلا داعي لصداقتك والدنيا قد تراءت لي، وطاوعتني، وابتسمت لي...
على حد قول نجيب الريحاني لشرفنطح في فيلم سلامة في خير.
فزماننا اليوم شرم برم.. تحياتى.
د. أمير فهمى زخارى المنيا
-----------------------------------------------------------------------------
المصدر:
- قهاوي الأدب والفن في القاهرة / عبد المنعم شميس.
- المثل المذكور هو من الشعر، ,هو باللغة العربية الفصحى، وليس اللغة العامية, وأصله هكذا :
إذا لم تكن لي والزمان شر مبرم ...
فلا خير فيكم والزمان تراءى لي
وقد جاء هذا البيت في كتاب (( المستطرف في كل فن مستظرف )) من تأليف : (( شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح الأبشيهي )) ، المتوفى تقريبا ،سنة [[ 850 ]] هجرية ،
وقد قيل أن العرب قديما كانت تركب وتضم بعض الكلمات للتيسير ، ومنها هنا كلمة (( شرم برم )) والأصل أنها (( شر مبرم )) بمعنى شر مؤكد وواقع ، وكلمة (( ترللي )) والأصل أنها (( تراءى لي )) بمعنى ظهر ، وتيسر ، وطاوع.