د. أمير فهمي زخارى المنيا
نناقش في الجزء الثانى:
* هل نقل جبل المقطم حقيقة أم أسطورة؟
* هل جبل المقطم تم تحركه رأسيا أم نقله أفقيا؟
* هل جبل المقطم تم نقله كله أم جزء منه؟
ألحق الأنبا ابرآم بصوم الميلاد ثلاثة أيام، بعد أن كان يصام أربعين يوماً فقط، وهذه الثلاثة أيام هى التى صامها المسيحيون فى عهد هذا البطريرك، ليرفع عنهم الويل الذي كان مزمعاً أن يحل بهم بسبب مكيدة الوزير اليهودي يعقوب بن كلس.
تعالوا معي نناقش النقاط الثلاث:
* أولا: هل نقل جبل المقطم حقيقة أم أسطورة؟
نقل جبل المقطم هى حقيقة تاريخيه وليست أسطورة واليكم بعض الأدلّة الجيولوجيّة لإثبات معجزه نقل جبل المقطم:
- تم اكتشاف قوالب وطوابع لقواقع نيليّة موجودة فى صخور الأحجار الجيرية والطميية لجبل المقطم، وهذه القواقع منتشرة بكثرة في أطراف جبل المقطم وهي تنتشر في المناطق الّتي كانت تتعرض لفيضان النيل ولكنّ جبل المقطم حاليا أبعد ما يكون عن هذا الامر.
- كما عثرت بعض الحفريّات في الجبل على كائنات مائية متحجّرة يختلف الباحثون في طبيعتها إن كانت بحريّة أو نهريّة.
- بالإضافة إلى ذلك تثير نسبة الطّمي المرتفعة الموجودة في الهضبة المسمّاة "الجيوشي" من جبل المقطّم التّساؤل لأنّ المعروف أنّ نسبة الطّمي المرتفعة توجد بقرب نهر النّيل فكيف تكوّنت هذه الطّبقات في هذه الهضبة من جبل المقطّم وهو الآن بعيد عن النّيل؟
- تثبت هذه الملاحظات الجيولوجيّة إمّا أنّ نهر النيل كان يسير منذ ألف سنة بالقرب من حافّة جبل المقطّم وفجأة ابتعد، وإمّا أنّ جبل المقطّم كان بجوار نهر النيل منذ ألف سنة وفجأة ابتعد.
- بل آنه أيضاً ذُكر فى كتاب (المواعظ والاعتبار في ذكر الخطب والآثار) للمؤرخين: أحمد بن علي بن عبد القادر، الحسيني، العبيدي، المقريزي، تقي الدين، أبو العباس - الجزء الأول - الفصل 26 من 167 بالتحديد تحت عنوان ذكر الجبال" وجبل المقطم: يمرّ على جانبي النيل الى النوبة ويعبر من فوق الفيوم فيتصل بالغرب "،
ويقال: إن الناس كانوا قبل سكنى مدينة منف يسكنون بسفح الجبل المقطم في منازل كثيرة نقروها وهي المغاير التي في الجبل المقابل لمنف من قبليّ المقطم في الجبل المتصل بدير القصير "اي ان جبل المقطم كان بجوار النيل".
* ثانيا: هل جبل المقطم تم تحركه رأسيا أم نقله أفقيا؟
في مخطوط «سِيَر البِيَعة المُقَدَّسة»، المنسوب للأنبا ساويرُس بن المُقَفَّع أسقف الأشمونين، أهميَّة خاصَّة كَونه أقدَّم وأهمّ مصدَّر يؤرِّخ لوقائِع «أُعجوبة نَقل الجَبَل المُقَطَّم». وعن «سِيَر البِيَعة» نَقَل كلّ كُتَّاب التَّاريخ القُدامى والمُحدثين وقائِع تِلك الأُعجوبة ومُلابساتها.
في «سِيَر البِيَعة» يذكر: ( وقف الملك المُعِزّ وأصحابه في جانب، وجميع النَّصارى (المسيحيِّين) والبطرك في جانب آخر. ووقف الرَّجل (الدَّبَّاغ) خلف البطرك، ولم يَكُن في الجَمعِ مَن يعرفه إلَّا البطرك وحده. وصَرَخوا يا رَبّ ارحَم دَفَعات كثيرة، ثم أمَرَهم (البطريرك) بالسُّكوت، وسَجَد على الأرض وسَجَدوا جميعهم معه ثلاث دَفَعات، وكلّ دَفعة يَرفَع وجهه ويُصّلِب يَرتَفِع الجبل عن الأرضِ، فإذا سَجَدوا نَزَل الجَبَل إلى حَدّهِ).
فما حَدث - خلافًا للاعتقاد السَّائِد - هو ارتفاع الجَبَل ونزوله إلى حَدّهِ (مَوضِعه) ثلاث دَفَعات، أي انتقال رأسيّ وليس أُفقيّ. وهذا ما تَذكُره أيضًا رواية «تاريخ البطاركة المنسوب للأنبا يوساب أسقف فوّة»، وكذا رواية «السِّنكسار» في كلِّ مخطوطاته القديمة، وفي طبعتِه الأولى الصَّادرة عام 1912 تحت عنوان «الصَّادِق الأمين في أخبار القدِّيسين». ومثله كتاب «الدّفنار». وعن تلك المصادر نقل كلّ كُتّاب التَّاريخ المُعاصرين كالأسقف إيسوذورس والشَّمَّاس منسى يوحنا والأستاذة إيريس حبيب المصري.
* هل جبل المقطم تم نقله كله أم جزء منه؟
مكان الجَبَل مَحلّ المُعجِزة ومَوقِعه بالتَّحديد، فتَكشِف عنه وثيقة نادِرة، تَتَمَثَّل في كتاب «التَّواريخ» لأبي شاكِر بطرس بن الرَّاهِب، شَمَّاس الكنيسة المُعلَّقة (النِّصف الثَّاني من القرن 13):" الجَبَل المَعروف بالمُقَطَّب، وهو المكان المَعروف بالكَبش ثم بالشَّرف الأعلا ".
أي أنَّ الجَبَل مَحلّ المُعجِزة لم يَكُن يُقصَد به كلّ سِلسلة تِلال المُقَطَّم، التي تَمتَد بمُحازاة القاهِرة ومصر القديمة (مِن الجَبَل الأحمَر بالعبَّاسيَّة وحتى طُرة، حاليًا) بطول 14 كم، إنَّما فقط إحدى تلك الهِضاب المُطلَّة على بِركة الفيل (والتي يَشغَل مكانها اليوم حي السَّيِّدة زينب). وهذه الهَضَبة - بحسب وَصف المَقريزي - من جُملَةِ هِضاب المُقَطَّم.
الخلاصة:
- نقل جبل المقطم حقيقة تاريخيه وليست أسطورة.
- هضبه من جمله هضاب المقطم تحركت رأسيا ثم أفقيا من مكانها المطل على بركه الفيل الى مكانها اليوم.
... تحياتي.
د. أمير فهمي زخارى المنيا
-----------------------------------------------------------------------------
بعض مراجع معجزة نقل جبل المقطم:
1- من المراجع الإسلامية القديمة والهامة التى ذكرت حادثة نقل جبل المقطم (كتاب صبح الأعشى للمؤلف أحمد بن على القلقشندي) الذي ذكر ان جبل المقطم كان بجانب الفسطاط (مصر القديمة).
2- المؤرخ الإنجليزي الفريد بتلر فى كتابه فتح العرب لمصر صدر عام 1902م. ان المعز بعد حادثة نقل جبل المقطم أمر بهدم المسجد الذي كان يقع مقابل كنيسة اﻷنبا شنودة بمصر القديمة وأنه تعمد فى المعمودية التى بجوار هيكل يوحنا المعمدان وان الخليفة قد تنازل عن كرسيه ﻷبنه العزيز بالله وأكمل حياته فى أحد الأديرة.
3- ذكره اﻷنبا اسيذورس فى كتابه الخريدة النفيسة فى تاريخ الكنيسة سنة1923م. ان الخليفة المعز بعد حادثة الجبل المقطم تخلى عن كرسي الخلافة لإبنه العزيز وتنصر ولبس زى الرهبان وقبره الى الان فى كنيسة ابو سيفين.
4- فى جريدة اﻷهرام 8 أغسطس 1931م قال واصف سميكة باشا مؤسس المتحف القبطى ان المعز بعد حادث جبل المقطم تخلى عن كرسي الخلافة ﻷبنه العزيز وتنصر ولبس زى الرهبان وتعمد بكنيسة ابى سيفين وما زالت هذه المعمودية موجودة بالكنيسة حتى الآن والتى تختلف عن اى معمودية اخرى فى الكنائس القبطية ومعروفه بمعمودية السلطان.
5- سجلت معجزة نقل جبل المقطم على يد سمعان الدباغ الباحثة مدام بوتشر المؤرخة البريطانية فى كتابها (تاريخ الكنيسة القبطية) وقالت ايضا ان المعز لدين الله الفاطمي قد امن بالمسيح وتعمد وأصبح مسيحيا.
6 - ذكرت هذه المعجزة فى كتاب (تاريخ البطاركة لساويرس بن المقفع).
7 - منسى يوحنا (الشَّمَّاس)، تاريخ الكنيسة القبطيَّة، الطَّبعة الأولى، القاهرة، مطبعة اليقظة، 1924م، ص 494.
8- إيريس حبيب المصري، السنكسار الجديد ج 1، الطبعة الأولى، القاهرة، مكتبة مارجرجس (شيكولاني)، 1987، ص 263.
9- عبد المسيح ميخائيل (القمُّص)، وأرمانيوس حبشي شتا البرَماوي (القمُّص)، السِّنكسار الجامع لأخبار الأنبياء والرُّسُل والشُّهداء والقدِّيسين ج 1، الطبَّعة الأولي، القاهرة، المطبعة المصريَّة الأهليَّة الحديثة، 1935.
10- ابن الرَّاهب، كتاب التَّواريخ، مخطوط شرقي 434 بمكتبة برلين، القرن 19م، ص 407.
11- المقريزي، المواعظ والاعتبار بذِكر الخُطط والآثار المعروف بالخُطط المقريزيَّة ج 1، الطَّبعة الأولى، القاهرة، مكتبة مدبولي، 1998، ص 354.
12- شريف رمزي، أًعجوبة نقل الجَبَل المُقَطَّم - قِراءة جديدة في مخطوط سِيَر البيعة المُقدَّسة، القاهرة، يناير 2018.
13- الدفنار، تحت يوم 6 كيهك.
د. أمير فهمي زخارى المنيا