محرر الأقباط متحدون
ترأس البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي القداس الإلهي الاثنين ١يناير ٢٠٢٤ في كنيسة الصرح البطريركي في بكركي وألقى عظة بعنوان "ودُعي اسمه يسوع" (لو 2: 21) وأشار إلى احتفال الكنيسة بعيدين: الأول ليتورجي وهو ختانة يسوع وإطلاق إسمه كما سمّاه الملاك يوم البشارة لمريم، وكشف معناه في الحلم ليوسف خطّيب مريم: "إنّه الله الذي يُخلّص شعبه من خطاياهم" (متى 1: 21)، والثاني كنسي وهو الاحتفال باليوم العالمي للسلام الذي أسسه القديس البابا بولس السادس سنة 1966.
قال البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي في عظته " إنّا ننتهز هذه المناسبة لنقدّم تهانينا الحارة وتمنياتنا القلبية لكم جميعًا، ولجميع أبناء كنيستنا المارونية في لبنان والشرق الأوسط وبلدان الانتشار، أساقفة وكهنة ورهبانًا وراهبات ومؤمنين، سائلين الله أن يجعلها سنة سلام وخير وإيقاف الحرب على قطاع غزة، وانتخاب رئيس لجمهوريتنا اللبنانية، وانتظام الحياة الدستورية فيها".
وأشار غبطته إلى أن "السلام عطية من الله لكل مؤمن ومؤمنة، كما قال صريحًا الرب يسوع: "السلام أستودعكم، سلامي أعطيكم. لا كـما يعطيه العالم، أعطيكم أنا" (يو 14: 27). هذه العطية الإلهية هي في عهدة كل إنسان وكل مسؤول: في العائلة والكنيسة والمجتمع والدولة. بميلاد إبن الله على أرضنا سلّمنا عطية السلام، لنزرعها في قلوبنا، ونجعلها ثقافةً ننشرها وندافع عنها. يقوم السلام على أربع زوايا مثل أي مبنى: الحقيقة والعدالة والمحبة وحرية أبناء الله. فلا سلام حيث الكذب، ولا سلام حيث الظلم، ولا سلام حيث البغض، ولا سلام حيث العبودية. ليس السلام شيئًا بالنسبة إلينا، بل هو شخص يسوع المسيح، على ما يقول بولس الرسول: "المسيح سلامنا" (أفسس 2: 14). وأضاف البطريرك الراعي "بناء السلام أمر مشرّف للغاية، ويرفع صاحبه إلى مرتبة أبناء الله، كما أكد يسوع في عظة الجبل: "طوبى لصانعي السلام، فإنّهم أبناء الله يُدعون" (متى 5: 9). صنع السلام بطولة وانتصار، أمّا الحرب والنزاعات فضعف وانكسار. فيوصي بولس الرسول مسيحيي روما: "لا تجازوا أحدًا شرًّا بشرّ ... بل احرصوا أن تسالموا، إن أمكن، جميع الناس ... لا يغلبكم الشرّ، بل إغلبوا الشرّ بالخير" (روم 12: 17، 18، 21).
وقال البطريرك الراعي "هذا هو الدور الطبيعي المعطى للبنان بحكم ثقافته السلامية ونظامه السياسي المميز بثلاثة: أ - ميثاق العيش المشترك في الوحدة (سنة 1943): هذا الميثاق كرّسه اتفاق الطائف (1989) بجعل لبنان وطنًا مشتركًا مسيحيًّا-إسلاميًّا، يرتكز على فكرة قبول الآخر وحقّ الآخر بالاختلاف. كرّس الدستور (1990) مبدأ المناصفة بين المسيحيين والمسلمين، بغض النظر عن العدد. قال أحد رؤساء الوزارة السابقين المغفور له رشيد كرامي، عن هذا الميثاق الوطني: "لنعمل لما يُغنيه ولا يُلغيه". ب - رئيس الجمهورية هو "رئيس الدولة" (المادّة 49 من الدستور). "رئيس الدولة" يعني ضامن المصلحة العامّة (res publica). مهما كان مستوى الاندماج والتضامن بين 18 طائفة في لبنان لا يستقيم من دون رئاسة جمهورية. فرئيس الجمهورية ضامن الشأن العام، والمصلحة العامة العابرة لكل الانتماءات الطائفية، ليس رئيس عائلة أو فئة أو طائفة، بل رئيس كل الدولة". ج - حياد لبنان هو هويته الأساسية والجوهرية التي تمكّنه من عيش رسالته في بيئته العربية. إن حياده عن الصراعات الإقليمية والدولية هو في صلب ميثاق 1943، وميثاق جامعة الدول العربية، وسياسة لبنان الخارجية الرسمية منذ 1943، وكل قرارات الأمم المتحدة، وكل البيانات الوزارية منذ الاستقلال (راجع أنطوان مسرّة: الدولة والعيش معًا في لبنان، صفحة 28-31)".
وأضاف البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي يقول "عدم انتخاب رئيس للجمهورية، والتحجج بأسباب واهية غير مقبولة، وقد سمعنا مؤخرًا من يشترط لانتخاب الرئيس وقف النار النهائي في غزة، كل هذه تعني القضاء على الميزات الثلاث التي ذكرنا. وهذا أمر مُدان وغير مقبول على الإطلاق. ونكرّر أن من واجب المجلس النيابي، إذا كان سيّد نفسه، أن ينعقد وينتخب رئيسًا للجمهورية، فالمرشحون معروفون وممتازون. أمّا ماذا يُخبّئ المعطّلون، فبات واضحًا من نتيجة الممارسة في ظل هذا الفراغ"، وختم عظته قائلا "نسأل الله أن يغلب نوايا الحرب والشرّ والقتل والدمار والتعطيل، بسلامه الذي يبقى الأقوى، لأن السلام هو أنت يا رب. لك المجد والتسبيح، أيّها الآب والإبن والروح القدس، الآن وإلى الأبد، آمين".