دينا عبد الفتاح
أيام ويبدأ عام 2024.. فترة الرئاسة الثالثة للرئيس عبدالفتاح السيسى.. عام يحلم فيه المصريون بتخفيف الشدة وعلاج الأزمة.. تنتظر كل الشرائح تغييرًا جوهريًّا، وتُعلّقُ الآمال على دولة مستقرة قوية قادرة على إيجاد الحلول لمشاكلها الاقتصادية..
دولة يحكمها المنطق والكفاءة والإبداع وتُدار وفقًا لمعايير الحوكمة والشفافية..
سأحاول فى هذا المقال أن أطرح توقعات ممزوجة بالأحلام، أتمنى أن تتحقق فى عام 2024..
أولاً، أن يكون هذا العام هو عام القطاع الخاص بجدارة يتم خلاله فتح جميع الأبواب وإزالة مختلف العراقيل، وتسخير كل الإمكانات، حتى يستطيع القطاع الخاص قيادة الاقتصاد بشكل كامل، وأتوقع أن يكون هذا هو منطق الدولة المصرية خلال العام المقبل.
وأرى أن هناك العديد من القوانين واللوائح والتشريعات التى ستقلب الواقع رأسًا على عقب، ليصبح هذا القطاع متمكنًا بشكل كامل، وأتنبأُ أن يكون التصدير هو العنوان الرئيسى للحكومة بأكملها، وأن تصبح مطالب القطاع الخاص فى مقدمة أولويات كل الحقائب الحكومية، وفقًا لبرنامج عام تُطلقه القيادة السياسية يُمكن القطاع الخاص من زيادة الناتج القومى المحلى، بنسبة لا تقل عن 50%، وربما تزيد..
ومن هذا المنطلق أطالب القطاع الخاص بأن يكون على أُهبة الاستعداد لعام جديد ملىء بالتفاؤل والأمل، وأن نتوقف عن توقع الأسوأ، لأن الأفضل قادم لا محالة، وأن يبدأ الخطط والموازنات التى تمكنه من أداء أدوار عدة خلال عام 2024..
ثانيًا، فيما يتعلق بالتغيير الوزارى المرتقب، أتوقع أن يكون رئيس الحكومة القادمة لديه خلفية اقتصادية، وبإمكانه وضع خطة محكمة لاستكمال جميع الخطوات المطلوية لتفعيل دائرة التصدير من الألف للياء..
رئيس حكومة متمكن لديه القدرة على القفز بمعدلات نمو الاستثمارات الأجنبية بنسبة لا تقل عن 50% على الأقل.. قيادة تكنوقراطية لديها اتصالات دولية قادرة على التفاوض وإبرام الصفقات لصالح الدولة المصرية وشخصيات تنفيذية تملك القدرة على تحقيق مواصفات المجموعة الاقتصادية بدقة، لأن مستقبل مصر متوقف على مدى كفاءة هذه المجموعة ودرجة التناغم بينها.. إن حل جميع المشاكل الاقتصادية الآن مرتبط بمستهدفات خطة الإنقاذ التى تضعها الحكومة الجديدة، لعلاج كل تشوهات الموازنة العامة دون أى ضغوط جديدة على المواطن.
أتصور أن نجاح الدولة فى اختيار هذه الشخصيات ووضع خطة تنفيذية زمنية معلنة سيكون لهما عظيم الأثر على استعادة الاقتصاد حيويته مرة أخرى..
لذا أرى أن اختيار الحكومة القادم أمر جوهرى لبدء انطلاق الدولة خلال فترة الرئاسة الثالثة للرئيس عبدالفتاح السيسى.
ثالثًا، فيما يتعلق بالسياسة النقدية أستطيع التنبؤ بأن عام 2024 لن يشهد تحركات دراماتيكية فى أسعار الفائدة، وأن التشدد النقدى فى هذا المحور لن يكون هو المسار الرئيسى للسيطرة على التضخم. أثبتت الممارسات أن التحرك فى أسعار الفائدة مهما بلغ منتهاه لن يكون قادرًا على تحقيق أى نتائج فى ظل نقص سيولة الموارد الأجنبية، والدليل على ذلك أن دولة مثل تركيا لم تستطع مواجهة التضخم بسعر فائدة مصرفية كسر حاجز 40%.
وأتصور أن سياسات البنك المركزى الاحترافية الآن تضع نصب أعينها ألا يؤثر هذا المتغير على كفاءة الاستثمار، وعدم إضافة أعباء جديدة تحد من مستوى تنافسية المنتج المصرى السعرية. وأتوقع إجراءات تنسيقية رفيعة المستوى بين المجموعة الاقتصادية الوزارية الجديدة و»المركزى» المصرى لمعالجة نقص السيولة من العملات الأجنبية التى يدرك البنك تمامًا خطورتها، ويتعامل باحترافية واضحة مع تداعياتها بما لا يؤثر على الأسواق..
أما بالنسبة لملف مرونة سعر الصرف، فأتنبأ ألا يسمح المركزى بانفلات أسعار الصرف تحت أى ظرف من الظروف، لإدراكه الكامل خطورة هذا الوضع على المواطن والاقتصاد المصرى، وأن المدرسة الرأسمالية ليست هى المرجعية الأساسية التى يتعامل بها صانعو القرار فى الدولة المصرية، بل يحكمها فى المقام الأول فكر المسؤولية المجتمعية والحفاظ على استقرار حياة المواطن أولاً.. أستطردُ فى تنبؤاتى، وأتوقع أن ينجح البنك المركزى والمصارف المصرية فى التوصل إلى أدوات لجذب تحويلات المصريين إلى السوق المحلية مرة أخرى.
سواء من حيث التسهيلات للعاملين فى الخارج عبر مجموعة من الحوافز والمنتجات التى تستعيد الثقة من جانب المصريين فى الخارج بعد حملات التخويف المستمرة التى أخرجت هذه الأموال عن مساراتها الطبيعية.. وعظّم تجار الأزمات والكوارث، من جانبهم، حجم أزمة الثقة لصالحهم وخلق سوق سوداء لم تشهد البلاد مثلها من قبل.. وفى هذا الصدد أتوقع أن تشهد السوق الموازية خلال عام 2024 إجراءات قانونية وعقوبات غير مسبوقة من شأنها توجيه ضربة قاصمة لركائزه التى أضرت بالاقتصاد المصرى..
ومن وجهة نظرى أعتبره المسؤول الأول عن جميع الأزمات التى تشهدها سوق الصرف الآن.. أتنبأ أن يستمر دعم الدول العربية بشكل مُكثّف من خلال اتفاقات مبادلة عملة جديدة، وتجديد لآجال الودائع، وضخ مزيد من السيولة فى الاستثمارات المباشرة الخاصة أو الاستثمار فى حصص المال العام المعروضة للبيع..
رابعًا، فيما يتعلق بالسياسة المالية والتجارية للدولة، أتنبأ أن يتم تخفيف ضغوط الجباية على طرفى المجتمع (المُنتج- المستهلك)، وألا تكون الجباية المدخل الرئيسى فى سد عجز الموازنة ومقابلة التزامات الدين المحلى..
وأتنبأ أن تقدم الحوافز والتسهيلات غير المحدودة للاقتصاد والاستثمار لجذب مزيد من العملاء، للدخول فى المنظومة الرسمية للاقتصاد. أرى أن الحكومة القادمة سيكون فى مقدمة أولوياتها تصحيح كل عوائق الاستثمار والتنمية الموجودة فى منظومة الضرائب والجمارك..
وستشهد الدولة تغييرا نوعيًّا فى باب الإيرادات يشهد نموًا للقطاعات الإنتاجية، بعد أن تصدرت الجباية غالبية الإيرادات طوال السنوات الخمس الماضية..
وفيما يتعلق بملف الديون الخارجية، الذى يعد إحدى المسؤوليات الرئيسية لوزارة المالية، أتنبأ بمهارات تفاوضية رفيعة المستوى مع الجهات الدائنة الرئيسية، صندوق النقد الدولى، والمؤسسات الدولية متعددة الأطراف..
مفاوضات ترتكز على الأهمية الجيوسياسية للدولة المصرية ومستقبل تعداد سكانى يلامس 120 مليون نسمة، وملف لاجئين يقارب 10 ملايين لاجئ.. وأن أى انفلات اقتصادى بهذه الدولة يمكن أن يتسبب فى أزمات خطيرة بمنطقة الشرق الأوسط التى تثبت اليوم تلو الآخر مدى أهميتها للعالم ككل.. ومن هذا المنطلق أتنبأ أن يتم دعم موقف مصر بمزيد من القروض طويلة الآجال التى تخفف من عبء الدين الحالى، وتوفر سيولة من النقد الأجنبى على المدى القصير.. وأتصور أن عام 2024 سيشهد تسريعًا فى وتيرة الحصول على الشرائح المنتظرة من صندوق النقد الدولى، بل سيتم تعديل الأرقام بما يتناسب وطبيعة الضغوط التى يتعرض لها الاقتصاد جراء انعكاسات الظروف الإقليمية والدولية عليها، وكما ألمحت سابقًا إلى أن دعم الدول العربية سيشهد تزايدًا خلال العام المقبل..
واختتم مقالى بأن نجاح أى سياسات تتبناها الدولة المصرية خلال المرحلة المقبلة، يرتكز على بناء نظام منضبط بطرق رقابية لجودة الإنفاق والتنفيذ، كما يتطلب برامج وسياسات لحماية الأسواق والتصدى لممارسات الفساد والجشع واستغلال الأزمة، كما أرى أهمية وجود آليات تمكن المواطن من الحصول على حقه والتصدى لأى ممارسات خاطئة تقوض سياسات الإصلاح والتعامل مع هذا الملف بمنتهى الجدية، وأرى أن هذا هو المدخل الحقيقى لإشراكه كمواطن فى عملية التنمية من خلال إحساسه بأهمية مشاركته فى الرقابة ومكافحة الفساد..
وأيضًا من خلال إيمانه بأن الدولة تضع جميع الضمانات لعدم تعرضه للاستغلال أو الاحتكار، أو أن يكون هو الضحية الأولى لأغنياء الكوارث، وما أكثرهم فى مصر خلال المرحلة الراهنة!
كما أتمنى إتاحة مختلف المجالات لصغار المستثمرين، وفتح جميع الأبواب أمام المبتكرين، وتمويل مشاريعهم ومساندتهم فى الدخول إلى منظومة الاقتصاد، وأن تتحول فئة الـ65% من التعداد المصرى «الشباب» إلى قوة إنتاجية ضاربة، تتمكن من قيادة دفة بلادها إلى مراحلَ أكثر رفاهيةً.. بإذن الله.
نقلا عن المصري اليوم