أيمن زكى
في مثل هذا اليوم استشهد الأب العظيم الأنبا امونيوس أسقف المدينة المحبة للملك المسيح إسنا وتبقى سيرة هذا القديس أنشودة حب تتغنى بها الكنيسة على قيثارة الروح، أوتارها متنوعة ومتكاملة، وقد اتسم قديسنا بحبه الشديد للنسك مع التسبيح الدائم بفرح، وأمانة في الرعاية، قدم حياته وحياة كل شعبه ذبيحة حب فائق يشتمها الله الأب في المسيح يسوع رائحة ذكية
حقا يا ابانا ونعم الوكيل الامين الذى قاد كل شعبه الى الفردوس باكاليل الاستشهاد...
سيم انبا أمونيوس أسقفًا على مدينة إسنا في أيام القديس البابا بطرس الاول خاتم الشهداء، فعاش بروح الحب الإنجيلي يمتزج نسكه برعايته الروحية، يقضي أيام السبت حتى الاثنين مع شعبه يشاركهم العبادة ويعظهم ويرشدهم، ويهتم بكل احتياجاتهم، ثم يعود إلى مغارة خارج المدينة على حافة الجبل جنوب غربي المدينة، يقضي بقية الأسبوع يمارس حياة الوحدة بقلب متسع بالحب لله والناس، مؤمنًا برعاية الله لشعبه. هكذا كان الأنبا أمونيوس وسط شعبه ناسكًا محبًا، وفي مغارته يصلي لأولاده بأبوة روحية صادقة.
وكان القديس الأنبا أمونيوس يهيئ للفردوس طغمة من الشهداء قوامها شعب إسنا كله، إذ كان بعظاته كما بحياة الإماتة التي عاشها وبلهيب قلبه نحو السماء يهيئ كل قلب لقبول الاستشهاد بفرح.
وحدث انه لما ذهب إريانوس والى انصنا إلى الصعيد، كان في طريقه يضطهد المسحيين، ويكلفهم بالسجود للأوثان، ومن خالف عذبه ثم قتله. واستمر كذلك حتى وصل إلى مدينة إسنا،
وعند دخوله وجد أربعة من الصبية يسوقون دوابا تحمل بطيخا. فسألهم أحد جند الوالي عن معتقدهم فأجابوه " نحن مسحيين "، فقبضوا عليهم. ولما علمت أمهم (القديسه الام دولاجى واولادها الاربعه صوروس وهرمان وأبانوفا وشنطاس) أسرعت إليهم وكانت تشجعهم وتقول للجند " نحن نحب يسوع المسيح ولا نعبد أصنامكم المرذولة "،
فأمر الوالي باعتقالهم في السجن، وفي نصف الليل ظهرت السيدة العذراء لهذه الأم وقالت لها " اعلمي إن ابني المخلص والرب قد دعاك أنت وأولادك السعداء إلى الملكوت السمائية. وأعطتها السلام ثم صعدت إلى السماء.و لما كان الصباح، استحضرهم الأمير، وعرض عليهم عبادة الأصنام فرفضوا بأباء وشجاعة، فقطع رؤوسهم، وكان ذلك في السادس من شهر بشنس، واخذ المؤمنون أجسادهم ودفنوها في بيتهم. وظهرت من أجسادهم جملة عجائب وآيات.
وكان بالمدينة أربعة أراخنة يقومون بجباية الضرائب. وإذ كانوا يقدمون لاريانوس حساب عملهم، حدث إن ذكر أحدهم اسم المسيح، فغضب إريانوس عند ذلك وأمر بتعذيبهم. وإذ رأي قوة صبرهم أمر بقطع رؤوسهم فكملوا شهادتهم في اليوم السادس من شهر بؤونة، واستشهد معهم عدد وفير من النساء والرجال والرهبان.
ولما ذهب إريانوس إلى أرمنت هرعت إلى هناك امرأتان اسمهما تكلة ومرتا من أهل إسنا، واعترفتا أمامه بالمسيح، فالتفت إلى من حوله من أهل أرمنت قال لهم " كيف تقولون إذن انه ليس في مدينتكم مسيحى واحد "، أما هم فقد بحثوا حتى علموا إن المرأتين من إسنا، فقالوا له " انهما غريبتان عن مدينتنا المحبة للملوك والآلهة". فأمر بأخذ رأسيهما في اليوم السابع عشر من شهر أبيب.
أما القديس امونيوس فقد ظهر له ملاك الرب وهو في البرية وقال له " السلام لك يا امونيوس. الرب قبل صلواتك عن شعبك، وهيأ لكم الأكاليل، فقم وانزل وعظهم إن يثبتوا علي الاعتراف بالسيد المسيح "، وأعطاه السلام وانصرف عنه. فنهض القديس وأسرع بالنزول إلى المدينة، وجمع الشعب ووعظهم واخبرهم بما قاله له الملاك. فصاح الجميع " نحن يا أبانا علي استعداد إن نتحمل علي اسم المسيح كل عذاب حتى الموت". واتفق عيد القديس اسحق في ذلك اليوم، فصعد بشعبه كله إلى جبل كاتون، الذي تأويله جبل الخيرات، واحتفلوا هناك بالعيد. أما إريانوس فقد رحل من أرمنت إلى قرية تسمي حلوان غرب إسنا، فخرج أهلها إليه واعترفوا باسم المسيح، فأمر بقطع رؤسهم، ونالوا إكليل الشهادة.
ولما دخل إريانوس المدينة وسار في شوارعها فلم يجد بها شخصا واحدا، حتى وصل إلى الباب القبلي المسمى "باب الشكر"، لان الأسقف كان قد صلي هناك مع شعبه صلاة الشكر. فوجد امرأة عجوز لم تستطع الصعود معهم إلى الجبل. فسألها الوالي عن أهل المدينة فقالت له " لقد سمعوا إن الوالي الكافر قادم إلى المدينة ليقتل المسحيين، فصعدوا إلى الجبل للاحتفال بالعيد". فقال لها من هو معبودك من الآلهة؟ فأجابته: "انا مسيحية". فأمر بقطع رأسها، وتُركت في بيتها، ولا زال شعب المدينة يدعونها الرشيدة حتى يومنا هذا، إذ أرشدت عن اخوتها لينعموا الإكليل السماوي.
وخرج من المدينة يقصد الجبل، فوجد جماعة في مكان يقال له "المبقلة" فقتلهم، ثم جماعة في قرية تسمي "جرماجهت" فقتلهم ايضا. وغيرهم في مكان يقال له "سرايا" فقتلهم كذلك. وكان يقتل في طريقه كل مسيحي يصادفه حتى وصل إلى الجبل،
وهناك قابله الشعب بصوت واحد قائلين " نحن مسيحيون. فهددهم وإذ لم يصغوا لتهديده، أمر جنده إن يستلوا سيوفهم ولا يبقوا علي أحد منهم. فكان الواحد منهم يقدم ابنته إلى السياف ويقول لها تقدمي إلى العريس الحقيقي الذي لا يموت.
وكان الجميع يتقدمون إلى السياف قائلين: "نحن ماضون إلى الفرح الدائم في ملكوت السموات"، وكملوا شهادتهم في التاسع عشر من شهر أبيب.
منذ سنوات قليلة إذ كانوا يحفرون بدير "الشهداء" بإسنا، وُجدت الأجساد متراصة بلا عدد فوق بعضها البعض تحت الأرض.
أما الأسقف فأنهم قبضوا عليه وأحضروه أمام إريانوس فأمر بغضب إن يربط خلف الخيل ثم أخذه معه إلى أسوان. وفي عودته إلى إسنا قابله ثلاثة رجال، وكانوا يصيحون " نحن مسحيين". فقال الجند لقد حلفنا إلا نجرد سيوفنا هنا. فقال لهم الرجال: هذه فؤوسنا معنا. فاخذوا منهم الفؤوس ووضعوا رؤوسهم علي حجر بجوار باب المدينة البحري وقطعوها بالفؤوس ونالوا إكليل الشهادة. ولا زالت مقبرتهم إلى يومنا هذا، يشتم الكثيرون رائحة بخور تفوح منها ليلة الأحد، تُسمى بالثلاثة فلاحين (سورس - أنطوكيون - مشهوري).
أما الآب الأسقف امونيوس فقد وضعوه في مؤخرة المركب وكان إريانوس يخرجه من حين لأخر ويطلب منه التبخير للآلهة فيرفض. وأخيرا أمر بحرقه فنال إكليل الشهادة في اليوم الرابع عشر من شهر كيهك، واخذ جسده بعض المؤمنين وكان سالما لم تصبه النار بأذى، وكفنوه وأخفوه حتى انقضي زمن الاضطهاد، حيث أتى أهل كرسيه يريدون نقله إلى مدينتهم، فسمعوا صوتا من الجسد يقول " هذا هو المكان الذي اختاره لي الرب".
بركه صلوات هؤلاء القديسين تكون معنا كلنا امين...
ولربنا المجد دائما ابديا امين