حمدى رزق
يقول وليم شكسبير: «يموت الجبناء مرات عديدة قبل أن يأتى أجلهم، أما الشجعان فيذوقون الموت مرة واحدة»
مشهد مدير عام الصحة بغزة، الدكتور «منير البرش»، ممددًا على نَقّالة بدائية، بعد قصفة إسرائيلية على مخيم «جباليا» أصابته وجميع أفراد عائلته، واستشهاد ابنته، نموذج متكرر لبربرية قوات الاحتلال.
سيداوى جراح قلبه وجسده، وسينهض ليداوى جراح أهله وناسه، الأطباء الشجعان يُستشهدون وهم ينقذون الجرحى من الموت، القصف الإسرائيلى البربرى لا يفرق بين مدرسة ومستشفى، وفى المستشفى يُستشهد الطبيب والمريض معًا.
الإحصائيات مخيفة، استُشهد ٢٠١ من الأطقم الطبية وهم يناضلون من أجل إنقاذ الأرواح البريئة، ورغم جحيم القصف، لم يغادر أحدهم غرفة العمليات، ولا تواروا من الاستهداف، ولا جبنوا تحت وطأة القصف.
لم يذوقوا النوم، ينامون واقفين على أقدامهم كالجِيَاد المتعَبة، دقائق ويعاودون العمل لساعات طوال، يصلون الليل بالنهار، نزيف غزة غزير، والدماء تغطى الوجوه، والإمكانيات بالكاد، أطباء غزة يسجلون ملحمة إنسانية نبيلة تستحق التسجيل فى سجلات الفخار الفلسطينى. الطبيب فى مستشفيات غزة تحت القصف يستحق الوقوف أمام تضحياته احترامًا، قمة التضحية والإيثار، يجاهد لإنقاذ الأرواح، ويجود بالروح عزيزة شهيدًا بافتخار.
وأنحنى احترامًا أمام تضحياتكم، ثَبَتُّم فى مواجهة الموت ثبات الأبطال، وفى غرف العمليات أنتم أبطال، وفى العلن أمام الكاميرات تتواضعون باقتدار، وصورتكم وأنتم تصلون صلاة الجنازة على أحبائكم ترفع من قدركم إلى عنان السماء.
يخشى الضعفاء القصف، ويلتجئون إلى المستشفيات خوفًا وطمعًا، وأنتم كُتبت عليكم مواجهة القصف وجهًا لوجه، من أين لكم كل هذه الشجاعة فى مواجهة قصف بربرى مكار يغافل ويضرب بقسوة، على حافة الخطر تقفون، وفى الخطوط الأمامية تواجهون، وتُصابون وتُستشهدون، وكلما استُشهد منكم شهيد حل محله شهيد.
خِفافًا سراعًا، نفرتكم مُقدَّرة إلى إنقاذ الأرواح، وشهداؤكم افتدوا شعبًا بأرواحهم، وشبابكم فى مواقعه لا يبارح مكانه فى مواجهة أشرس وأعنف قصف.
ملحمة الجيش الأبيض فى فلسطين لم تسجَّل بعد تفصيلًا، ويوميات الأطباء فى المستشفيات تحت القصف لم تُرْوَ، وشهادات الأطباء لم تُسطر بعد، وليت جهة تتوفر على تسجيل يوميات هذه المعركة الفريدة فى تاريخ الأطباء الفلسطينيين، معركة للتاريخ، وفاء لعهد، ومحبة لشعب وأرض وُلدوا عليها، ويُستشهدون على ترابها.
لا أستغربها منكم، وأنتم من بين صلب شعب مقاوم، على المفارز شهداء وفى المعازل شهداء، كُتبت على هذا الشعب الشهادة، عصر الشهادة، التجلى العظيم لشعب المقاومة، شعب يزف شهداءه بالزغاريد إلى السماء، لا ينعاهم قط، بل يغبطهم.
الشهداء أحباب الله، وبالمثل الأطباء أحباب الله، منهم مَن قضى نحبه وهو يواجه الموت، ومنهم مَن يجاهد لأجل إنقاذ حياة، لم يُضبط طبيب فلسطينى متقاعس أو متراجع أو متولٍّ عند الزحف.
تسمعون عنهم عجبًا، الأطباء فى المعازل والمشافى لا يدرون أأشرق الصباح أم غَمَّ الليل، ورديات متواصلة، وأيام صعيبة تُجمل أسابيع مخيفة وشهورًا طويلة يتحسّبون لها لا يغادرون الأطباء فى غزة أطباء شهداء أحياء، فمنهم مَن قضى نحبه، ومنهم مَن ينتظر.
نقلا عن المصرى اليوم