بقلم: شريف منصور
هذه الرسالة أوجِّها للدكتور محمد مرسي رئيس مصر.. وحتى يعرف كل من سيقرأ هذه الرسالة الهدف وسأحدده من البداية.
الهدف هو الحفاظ على السلام الاجتماعي وترابط مصر بكافة قواها السياسية وإعلان مصر دولة ديموقراطية قوية في الحق.
عزيزي الدكتور محمد مرسي، إنني أريدك أن تفكر جيدًّا في عدم خسارتك لأكبر فرصة أعطيت لمصر حتى اليوم من بعد ثورة 1919.. بعد ثورة 1919، تحولت مصر إلى بوتقة للعمل والنهضة بصورة لم ترَها دولة من دول لشرق الأوسط.
والسبب أن الدولة أصبحت بعد ثورة 1919 دولة كل المصريين من كافة الخلفيات والأجناس، دولة من تحضرها في قبول الآخر كانت قِبلة جميع أجناس العالم، بل كانت في ذلك الوقت أهم بقعة على الأرض في جذب رءوس الأموال.
بعد ثورة 1952، أصبحت مصر دولة طاردة لكل مَن هو مختلف، فقضت على كل رءوس المال العامل في مصر، وأخذت معها كل الأجناس. وتخلصت من يهود مصر بطريقة مهينة لا تليق بمواطنين، لمجرد أنهم مختلفون في العقيدة، وخرج القبطي أيضًا من وطنه يبحث عن الكرامة والأمان بعد أن فقدهم في وطنه.
وبعد ثورة 2011، تنفسنا الصُّعداء، وتمنينا أن تعود مصر مركزًا لجذب كل أبنائها، بغض النظر عن خلفياتهم السياسية أو العقائدية.
وانتخبت أنت في لحظة كانت القلوب مازالت مفعمة بالأمل، من أراد أن يراك رجلاً تقيًّا رأى فيك هذا، وتمني أن تكون تقواك تقوى من القلب؛ لكي يبارك الله عملك، ويعطيك خير الحكمة والقرار؛ لكي تستطيع أن توحد المصريين خلفك.
دكتور "محمد مرسي".. إنني مشفق عليك جدًّا، والسبب أنك جئت من خلفية لم تعرف للآخر وجودًا، وتنظر للآخر على أنه أقل! وهذه هي العقبة الأولى التي رأيت أنها ستكون أكبر مشكلة تواجهك عندما تصبح رئيسًا لمصر.. فمصر ليست جماعة الإخوان المسلمين، ومصر ليست السلفيين، ومصر ليست ليبراليين، وليست شواذًا، وليست بهائيين، وليست شيعة، وليست شيوعيين، أو ناصريين.. مصر لرئيس مصر هي المصريون جميعًا.
و الأهم والأخطر أنك نسيت أن مصر يا دكتور مرسي دولة كانت موجودة من ألوف السنين فيها من فيها ولم تخلق مصر من العدم. فكيف ستحل هذه المعضلة يا عزيزي. هل ستحلها بأن تعتبر كل من كان يعمل في الدولة المصرية، أو من هو على غير عقيدتك وعضو في جماعة الإخوان المسلمين أنه مضاد لك؟ أم ستنظر لهم على أنهم مصريون عملوا ويعملون في وطنهم؟ هل ستعتبر كل أعداء مبارك هم أنصارك؟ وكل من وقف مع مبارك وعمل في الدولة المصرية من قضاء وجيش وشرطة وغيرهم هم أعداؤك؟ هل ستفصل كل هؤلاء وتبدأ من الصفر؟ وهل ستختار أعضاء جماعة الإخوان المسلمين فقط؛ لأنهم في نظرك هم أقرب منك عن كل المصريين؟ سؤال من المؤكد خطر لك على بال. والدليل هو اعتبارك أن كل من كان في موقع من مواقع المسؤولية في مصر هو فجأة أصبح عدوًّا لكَ.
فجأة أصبح المدعي العام عدوًّا وإقالته بتهمة واهية أنه عدو لك؟ ونسيت أنه يعمل في القضاء والقضاة يحلفون اليمين لله وليس البشر. الرجل قدم لك وقدم لجماعتك العدل عندما كنتم في الشوارع تقومون بما هو يحسب أعمالاً ضد الدولة، والقانون قدم لكم العدل حسب القوانين التي وضعها مشرِّعون منتخبون سواء كانت انتخابات نزيهة أو غير نزيهة. فإن كانت انتخابات غير نزيهة، فهي من أتت في الماضي بأعضاء الإخوان المسلمين، وهي في ذلك الوقت كانت جماعة محظورة تخطط لقلب نظام الحكم.. فهل منعكم القضاة من توليكم مناصبكم كأعضاء في مجلس الشعب.. الإجابة لا..
إن كان لديك دليل واضح غير أحاديث تافهة يرددها أعضاء حزب الحرية والعدالة على شاشات الفضائيات، حتى وصل بهم السفه بأن يقول أحدهم إنك أتقى من حسني مبارك؟ ولا يجب مقارنتك بحسني مبارك؛ لأن هذا فيه تعدٍ عليك؟ اسمح لي يا سيادة الرئيس هل تستطيع أن تقول أمام الناس إنك أتقى من أي إنسان، وتأتي لنا بدليل من الله عز وجل على ما في قلبك، أو ما في قلب حسني مبارك؟ قد يكون حسني مبارك في وقت من الأوقات أقل تقوى، ولكن الله غفور رحيم، فمَن أدراك أن حسني مبارك تاب اليوم إلى وجه ربه الكريم وصار أتقى منك ومن المرشد العام.. ولكن مثل هذه الأحاديث الغبية التي ينساق وراء ترديدها المسؤولون في حزب الإخوان المسلمين هو ما يجعل صورتك تصبح صورة رجل مغرور يعتقد أنه أتقى وأفضل من خلق الله.
ويأتي إعلانك الأخير ليقول للناس في مصر إن قراراتك التي تصدرها والعياذ بالله قرارات لا يمكن أن تكون قرارات خطأ.. فهل يا عزيزي الدكتور مرسي أصبحت معصومًا من الأخطاء كالله عز وجل ورسله والأنبياء؟ هناك سؤال واحد أوجهه لفخامتك هل تستطيع أن تؤكد لنفسك قبل أن تؤكد لنا أن قراراتك لن تكون سببًا في ظلم إنسان واحد على وجه الأرض؟
فلنفرض جدلاً أن قراراتك فعلاً ستكون كلها معصومة من الأخطاء، وهذا افتراض كفر في حد ذاته. هل هناك احتمال أن تفسير قرار من قرارات سيفسر تفسيرًا خطأ، ويثير الجدل بين الناس، والوقيعة بين أبناء الوطن الواحد، ويؤدي إلى قتل نفس بدون وجهة حق، أو حتى ظلم بدون وجه حق؟!
الله عز وجل يفتري على كلامه الكافرون، ويفسرونه كما يحلوا لهم؛ لغرض من أغراض الدنيا. فلولا أن الله هو الذي يحاسب الضمائر، ويحاسب على الأعمال، فهو الذي لا يخطيء جل جلاله، فلن تقع على الله لوم استغلال الناقصين كلامه في غير موضعه. فهل تستطيع أن تقف أمام الله يوم الدين وتقول له قلت إن قراراتي لا يحق لإنسان أن يعترض عليها، ولم أكن أعرف أن هناك من سيفسر قراراتي خطأ، فاغفر لي ذنبي. فسيقول لك الله لقد عصمت قراراتك من أن يراجعها أحد، فلا مجال لغفران المعصية التي ارتكبتها عن عمد متخذا من نفسك إلهًا لا تخطيء.
فهل يا دكتور محمد مرسي تستطيع أن تتحمل أمام وجه الله الكريم مثل هذا الموقف الذي سيكون عقابه جهنم وبئس المصير، وأنت كما تقول تعرف الله عز وجل حق المعرفة.
و الله هذا الخطاب ما هو إلا خطاب سببه محبتي لوطني وأبناء وطني؛ حتى لا يضل أحدهم الطريق، وأولهم رئيس مصر.
تراجع في الخطأ، فإن الله يحب التوبة ويحب التوابون. وكن رئيسًا لمصر كلها، ولتقل لإخوانك في الجماعة أن لا يشوهوا صورتك بتعطشهم للانتقام.