أيمن زكى

في مثل هذا اليوم تذكار نياحة القديس انبا هرمينا السائح أخبرنا القديس أباهور الابرحتى بسيرة القديس الأنبا هرمينا السائح بجبل قاو فقال: كنت مقيما مع أنبا يوحنا وأنبا يوساب بجبل اسفحت، وذات يوم ونحن نضفر الخوص، إذ بإنسان نوراني وجهة يضئ كالشمس أقبل إلينا، وسجدنا له فقال لا تخافوا أنا هو يوحنا الإنجيلي تلميذ الرب يسوع المسيح ابن الله الحي الأزلي.

انطلق الآن يا أباهور إلى البرية الداخلية وستجد قديسا بارا يسمى أنبا هرمينا (صاحب القلنسوة) إذ هذا اسمه، وهو من تخوم البهنسا وقد أقام ستين سنة متعبدا لله في البرية ولم يعط جسده راحة يوماً واحداً. وللوقت سألته عن سيرته فأجاب القديس يوحنا حبيب ربنا يسوع المسيح قائلا: منذ أن كان عمره عشرة سنوات وهو يرعى غنم أبيه تدرب علي الصلوات والصوم حتى المساء ما عدا يومي السبت والأحد، محبا للغرباء وديعا فإذا اجتاز به أحد الغرباء كان يستقبله بفرح عظيم قائلا له اصنع محبة واسترح قليلا من تعب الطريق… فكان يخدم الغرباء بفرح ويسقيهم ماء من البئر ويحمل متاعهم ويمشى معهم ميلا واحدا ثم يعود إلى غنمه مسرورا.

ولما تكاملت فضائله مضينا إليه ومعي القديس بطرس في شكل راهبين عابري الطريق وكان يرعى الغنم فاستقبلنا بفرح. وانه طلب منهما أن يستريحا في القرية إلى الصباح فرفضا ذلك وقالا إننا سنمضى إلى الجبل ونستريح في الدير عند الأباء الرهبان فقال: لأذهب معكما لأن سيدي يقول فى إنجيله المقدس: "ليس أحد ترك بيتا أو أخوة أو أخوات أو أباء أو أما أو امرأة أو أولادا أو حقولا لأجلى ولأجل الإنجيل إلا ويأخذ مائه ضعف الآن في هذا الزمان.

وسألناه إن كان يريد أن يصير راهبا فقال إنى مستعد بمشيئة الله وصلواتكما.. وكان رئيس الدير أنبا يعقوب فأخبرناه بذلك وأخذت بيدي مقصا وقسست شعر رأسه ثم ألبسناه الإسكيم الملائكي الذى للرهبنة، ثم تناول الأسرار المقدسة، وطلبنا لأجله أن يباركه الرب ويخلصه من جميع فخاخ الشيطان ويتمجد اسم الرب به في كل موضع يمضى إليه.

وقلنا له أقم عند الأنبا يعقوب حتى تتعلم الرهبنة ثم يرشدك الرب إلى المكان الذى يختاره لك.. وأنا يوحنا سلمته لأنبا يعقوب ليتعلم الرهبنة وقتالات العدو إلى أن نعود إليه. وأعطيناهم السلام ومضينا. فدخل أنبا هرمينا قلايته وبدأ صلواته ونسكياته، وكان الأنبا يعقوب فرحا به.

ولما أكمل الزمان المحدد من قبل الرب أتيت وقرعت باب قلايته فخرج إلى وسجد كعادة الرهبان (صنع مطانيه) وصلينا.. ثم قلت له لنمضى معا إلى الجبل القبلي الذى بجبل قاو الذي يدعى جبل الفرح والعزاء.

وأن القديس هرمينا أتى إلى الشيخ المبارك الأنبا يعقوب رئيس الدير وصنع له مطانوه وقال له: "إغفر لى يا أبي وصلي لأجلى لأمضى إلى جبل قاو بالصعيد وأتبارك بالقديسين وبركتك تكون معي". فبارك عليه، وانطلق معي.. وفى الطريق التقينا بشيخ يسمى أنبا بيشاى الذى قال لنا: "استريحا حتى باكر ثم تمضيا بسلام" فقلت له إطلقنا بسلام..

ثم سرنا إلى قبلي ولما غربت الشمس وجدت سحابة نيرة والتفت إلى أنبا هرمينا وقال يا سيدي أنى لم اعرف اسمك بعد.. فأجبته أنا يوحنا بن زبدى ووقت أن ألبسناك إسكيم الرهبنة كان معي القديس بطرس وبولس الرسول وداود الملك..

ثم أتينا إلى جبل النقلون المعروف بجبل الصخرة، وسمعنا أصوات ترتيل وتسبيح إذ كانت الساعة التاسعة من يوم السبت ومكثنا مع هذا التسبيح حتى صباح الأحد، وكان في ذلك الموضع قبر القديس أنبا ايليا… ثم سرنا جنوبا حتى أتينا إلى حاجر جبل أسيوط، ثم توغلنا في البرية مسيرة يومين حتى أتينا إلى واد عميق جدا فرأينا مغارة مرتفعة، يوجد تحتها من ناحية الشرق عين ماء، ونخله حاملة ثمارا فقلت له يا أنبا هرمينا لتسكن هنا وتأكل من ثمر هذه النخلة وتشرب من عين الماء هذه… وأعطيته السلام ومضيت عنه.

وإن الأنبا هرمينا بدأ يصنع صلوات كثيرة وتداريب روحية عالية، ومطانيات كثيرة بلغت ألف ومائتي مطانية بالنهار ومثلها ليلا.. وكانت تأتى إليه كثير من الملائكة لتعزيه وتقويه خاصة رئيس الملائكة ميخائيل الذى يعين القديسين الذين في البراري والقفار لأجل الرب.

استمر القديس هرمينا السائح في نسكيات كثيرة حتى غارت عينيه في وجهه وضعف جسده، وكثيرا ما رأى أماكن النياح المعدة للقديسين والأبرار.. وكثيرا ما انطلق بالروح إلى أورشليم السمائية..

تضايق الشيطان لأجل الأكاليل التي أعدت في أورشليم السمائية للقديس أنبا هرمينا السائح..

فأتاه في صورة ملاك وقال له: "يا هرمينا قم وأمضى واسكن بجوار بلدتك عند القديس أنبا يعقوب". فأجابه: "من أنت؟" وكان قد علم بالروح أنها خدعه من الشيطان… فقال له: "أنا هو ميخائيل الواقف قدام عظمة الله". فأجابه القديس: "إن كنت هكذا فهيا نصلي قبل المسير". أجابه: "لا أستطيع أن أصلى منفردا عن طغمتى". فقال له: "حي هو سيدي الرب يسوع المسيح إنك لا تبرح هذا المكان حتى اعرف من أنت؟" وبدأ صلاته… فإذ بسحابه من نار نزلت من السماء وأحاطت بالشيطان وصار يلتهب ويصرخ ليخرجه من تلك النار فأطلقه، لكنه قال للقديس إني لا أكف عن قتالك وكل من يشبهك أيضا إلى انقضاء العالم ثم اختفى من أمامه.

لم يحتمل الشيطان جهاد القديس فقال لجنده: "هلم بنا لنحارب المدعو هرمينا لأنه يخالف أقوالي ولا يصنع إرادتنا في البرية، ولنبذل كل قوتنا حتى نسلبه مجده". فحضر ملاك الرب للقديس وقال له: "تقو ولا يخف قلبك واخرج لمحاربة العدو لأن الرب معك ثم غاب عنه".

أخذ الشيطان شكل ملك جليل وأرسل سبعون من جنده وقرعوا باب القديس فخرج إليهم وهو يتلو مزامير داود النبى ورشم عليهم علامة الصليب المقدس وقال لهم: "الرب يرسل لي عونا من السماء ويجازيكم". فحضرا رئيس الملائكة الجليل ميخائيل وغبريال وصارا يجلدونهم حتى صاروا يصرخون قائلين: "نحن مأمورون من رئيسنا فاطلقنا ولا نعود إليك ثانية". فلما رأى الشيطان ذلك صار مثل ريح، ومضى ومعه جنده هاربين إلى البرية، فترنم القديس بالمزمور: "دفعت لأسقط والرب عضدني قوتي وتسبحتي هو الرب وقد صار لي خلاصا لذا أنا أفرح بك وارتل لاسمك الممجد أيها الحي إلى الأبد".

ثم عاد مرة ثانية وأثار ريحا عاصفة من الرمال حتى ردم مغارة القديس فرفع عينيه نحو السماء وسأل الرب قائلا: "أيها الرحوم المتحنن الذى سمع صلاة الثلاثة فتية في وسط النار وخلصتهم، الذى سمع صلاة دانيال النبي وهو في جب السباع وخلصه، الذى سمع صلاة يوسف في ضيق السجن وخلصته…اسمعني أنا أيضا وارسل لى ملاكك". فأتى رئيس الملائكة ميخائيل وأوثق الشيطان وجنده.. وقال للقديس: "هوذا الرب قد أسلم عدوك في يدك فافعل به ما تريد". ثم صعد للسماء.

فقال القديس: "أيها العدو الذى يحارب القديسين، والعالم كله، حي هو الرب أنكم سوف لا تبرحون من هنا إلى أن تنقلوا هذه الرمال جميعها التي تحيط بالمغارة". وللوقت صار الشيطان مثل أسد وأخذ يحفر الرمال ويخرجها بعيدا إلى أن أتم تنظيف المغارة من الرمال وبعدها قال له: "لا أطلقك حتى أعذبك عوضا عن الأتعاب التي تجلبها على القديسين".

صرخت الشياطين لرئيسها قائلة: "ألم نقل لك لا تجرب رجل الله أنبا هرمينا لئلا يصنع بك كما صنع بك رجل الله أنبا ببنوده الذى جعل الصخرة تسحقك بجبل طوخ".

وانهم صرخوا للقديس بحق الصلح والسلام الذي استحقه ليطلق سبيلهم ولا يعودوا إلى ذلك المكان بعد الآن.

فسبح الله قائلا: "لك السموات ولك الأرض وجميع الخلائق تسبحك، ثبت الجبال بأمرك ولم تدع أعداءنا يشمتون بنا لك المجد إلى الأبد".

بعد ذلك مضى القديس إلى قبلي قاو إذ عبر النهر ولما وصل إلى جبل قاو إذ بصوت يخرج من أجساد القديسين قائلا: "نعما قدومك إلينا اليوم يا أخانا أنبا هرمينا، نمجد الله صانع العجائب وحده". وأنه أقام في ذلك الموضع في صلوات بغير فتور ليلا ونهارا، وكان عند غروب الشمس يتناول قليلا من ثمار شجرة هناك وكانت حلوة في حلقة مثل العسل ويشرب قليلا من الماء ويرشم الصليب المقدس ويشكر الله كثيراً، ويداوم صوم الأربعين المقدسة وكان الرب يعضده.

ثم قال القديس يوحنا الإنجيلي ها قد أخبرتك يا أباهور بسيرة رجل الله أنبا هرمينا فقم الآن وأمضى إليه فانه قد طعن في السن وخارت قواه من شدة النسك وهو في موضع قفر بجبل قاو.. وقد أخبرتك بسيرته لتكتبها فتصير عزاء لسامعيها وأعطيته السلام ومضيت.

وأنا أباهور مضيت للوقت إلى رجل الله أنبا هرمينا… فسرت متوغلا في البرية مقدار ثمانية عشر ميلا وهناك في واد عميق نظرت الطوباوي أنبا هرمينا نائما عند البئر ويداه مبسوطتا ويخرج منهما مثل مصابيح نور نحو السماء، ورائحة بخور طيب جدا.

تقدمت وسجدت له فباركني وأشار بيده قائلاً: "نعما قدومك أيها الأخ الحبيب أباهور القصار الرب أرسلك لي". ولما سألته عن سيرته لم يخبرني بشيئ سوى ما أخبرني به القديس يوحنا الإنجيلي. وأقمت عنده يومين وعدت إلى موضعي، وبعد زمان مضيت إلى القديس فلما وصلت إلى الصخرة وقع علي سبات عميق فرأيت جمعا من الملائكة والقديسين بحلل بهية نورانية يكرمون القديس أنبا هرمينا ويباركونه، ثم استيقظت وواصلت السير إلى مغارته وقرعت باب المغارة فخرج وهو متهلل بالروح القدس ووجهه يضئ كثيرا وصنعت له مطانوه وسلمت عليه، وتحدثنا بعظائم الله، ثم قال لي: "يا أخي أباهور لنجاهد قليلا لأن فخاخ الشيطان كثيرة، ولنضع في قلوبنا أننا غرباء ولنبكى علي خطايانا، وبعدها عدت فرحا إلى مغارتى بجبل أخميم ، وبعد ستة أشهر أتى إلىَّ في مغارتى حبيب السيد المسيح يوحنا البتول بلباس نوراني فأسرعت وسجدت له فبارك علي وقال: "امضى الآن إلى صديقك أنبا هرمينا لأنه قد قرب يوم نياحته لكي يستريح من أتعاب هذا العالم وأعطاني السلام ثم مضى".

فوقفت للصلاة وبعدها مضيت إلى مدينة قاو ثم مشيت أثنى عشر ميلا حتى أتيت إلى البرية، وتطلعت فأبصرت ثورا أسوداً كبيراً قائم في الجبل له قرنان كبيران، فتقدمت ورشمت ذاتي بعلامة الصليب فصار مثل زوبعة واختفى فمجدت الله الذى خلصني من عدو الخير.

بعد ذلك سرت إلى داخل البرية فوجدت القديس أنبا هرمينا ساجدا وكان له أربعون يوما في عبادة فصرت أبكى لأني ضعيف وتعبي ليس شيئا يذكر.

ونظرت وإذ بالسيد المسيح نزل علي مركبة شاروبيمية وسط تسبيح الملائكة وخاطب القديس هرمينا قائلا: "طوباك يا مختارى الذى تاجر بالوزنات فربح أضعافاً، ها أنا اجعل اسمك شائعا في المسكونة كلها وقد أعددت لك ثلاثة أكاليل واحد من أجل بتوليتك والثاني من أجل غربتك والثالث من أجل أتعابك الكثيرة التي احتملتها لأجل أسمى. والآن اذهب إلي بحري لتتبارك من أجساد القديسين ثم ترجع إلي قبلى فتقيم بجبل قاو إلى الانقضاء، وبعد عودتك تقيم سته شهور ثم تكمل سعيك في اليوم الثاني من شهر كيهك وهو أيضا يوم نياحة صديقك أباهور بعدك في مثل هذا اليوم وستكون نفسه مع نفسك في مواضع النياح، وهو الذى يهتم بجسدك مع آخر يدعى يوساب ثم باركه وأعطاه السلام وصعد بمجد عظيم".

ثم مضينا معا وقد التحف بثوبه الذى ترهب به فوق ثوبه الذى من الخوص وعبرنا النهر إلى الغرب، وسلمنا علي أنبا ارميا فقال: "مرحبا بقدومك يا أخانا الحبيب الذى وهبه الله مدينة قاو وتخومها".

ثم ذهبنا إلى بحري حيث حملتنا سحابة وأتت بنا إلى بيعة أنبا ايليا حيث كان جسده، ثم سرنا إلى بيعة أنبا ابوللو وأخذنا بركة جسده الطاهر وصلينا في بيعته، ثم التقينا بالقديس أنبا يعقوب الذى كان يقرأ للأخوة في ذلك الزمان وتناولنا مع الأخوة في تلك البيعة التي عند الصخرة، ثم مضينا إلى الجبل الذى شمال جبل الخطاف وقبلنا جسد أنبا مينا ثم عدنا إلى قبلي حتى أتينا إلى جبل أبانوب المعترف وإذ بصوت يخرج من جسده قائلا: "نعما قدومك إلينا اليوم يا أنبا هرمينا، فإن ذكر اسمك مثل العطر في أفواه مدينة قاو وفي الأرض كلها".

وبعد هذا ظهر له ملاك الرب ميخائيل وقال له: "أنا هو ميخائيل المهتم بجميع القديسين هيئ ذاتك فإنه بعد أثنى عشر يوما سوف تنطلق من هذا العالم".

فلما كان اليوم الأول من شهر كيهك أتيت أنا أباهور من قلايتي مع باقي الأخوة إلى أبى القديس أنبا هرمينا وسلمت عليه وقبلته فقال لي: "يا آخي اذكرني لأن جسدي سينحل من هذا العالم، وكفن جسدي واجعله في ذلك المكان الذى أعده لي الرب يسوع المسيح حتى يوم القيامة، يا أخي أباهور ما أصعب الوقوف بين يدي الله الحي، وما أشد تلك الساعة". فقلت: "أتخاف أنت أيضا يا أبى من تلك الساعة المرهوبة" فأجاب: "أي إنسان على الأرض لا يخاف تلك الساعة، لكن طوبى للرجل الخائف الرب والمتمسك بوصاياه. وإن ملاك الرب قال ها صديقك أباهور والأنبا يوساب الناسك سوف يهتما بجسدك ويكفناه، فلما سمع القديس ذلك فرح جداً.

ثم رأيت وجه أبى يضئ جدا وبكيت فقال لي: "لماذا تبكى فأجبت لأنك ستمضى وتتركني". فقال لي: "يا أخي أباهور كما أن اسم ايليا شائع في الأرض كلها هكذا اسمك أيضا سوف يكون فيه الشفاء". وبعد ذلك خرج وودع الآباء ثم عاد إلى قلايته.

وفى اليوم الثاني من شهر كيهك تنيح القديس هرمينا ورأيت الأجناد الملائكية أخذت روح القديس ولفتها في حلل نورانية وحملتها مركبة بيضاء كالثلج وكان رؤساء الملائكة ميخائيل وغبريال والأجناد الملائكية يرتلون أمامها بأبواق الفرح إلى أورشليم السمائية.

أخبرت الأباء بكل ما رأيته وقمنا بالصلاة على جسد القديس وتكفينه وأخذنا بركة جسده، وصار شفيعا لمدينة قاو وتخومها التي كان ظهور جسده بها في اليوم الثاني من شهر أبيب الذي صار منه عجائب كثيرة.

ومازال يوجد دير القديس انبا هرمينا بحري قاو بناحية عزبة الأقباط مركز البداري بمحافظة أسيوط وبه جسد القديس

بركه صلاته تكون معنا كلنا امين...

و لالهنا المجد دائما ابديا امين...