محمود العلايلي
يرى العديد من المراقبين والمحللين السياسيين، أن 7 أكتوبر يوم فاصل في تاريخ قضية الشرق الأوسط، أو بتوصيف أدق في تاريخ الصراع الفلسطينى-الإسرائيلى، وعلى الرغم من التحليلات المتداولة فيما يخص أداء تنظيم حماس عن طريق كتائب القسام في ذلك اليوم، وما لاقاه من نجاح مبهر في تحقيق الأهداف المخططة من هذا الهجوم المباغت، فإن الكثيرين ألقوا بعبء رد الفعل الإسرائيلى على القيادة السياسية لحماس كونها لم تحسن تقدير الرد الإسرائيلى كما ينبغى، مما عرض أهالى غزة للقتل بما يفوق الـ16 ألف قتيل، والتدمير الذي طال الجزء الشمالى كله من غزة، والتهجير حيث ترك مئات الألوف منازلهم نازحين جنوبا هربا من القصف والعمليات العسكرية.
ومع تصاعد العمليات العسكرية وخفوتها، لم تتوقف التساؤلات عن المواقف المتضاربة في ذهن المواطنين المصريين، فإذا كان موقف حماس من المقاومة شرعيا ومفهوما، فإن موقف المواطن المصرى المتوجس بل والمعادى لحماس شرعى ومفهوم أيضا، لأن الدور المعادى الذي قامت به حماس على مدار السنوات الاثنتى عشرة الماضية مازال حيا في العقول، ومازالت الدماء التي أسالتها حماس أو تسببت فيها لم تجف بعد، إلا أن ذلك كله لم يمنع عموم الناس من تبنى الموقف الفلسطينى بشكل عام، الداعى للتحرر واستعادة الحقوق.
أما عن السذاجة التي يتحدث بها البعض بعدم توريط مصر في الأحداث الجارية فهو تبسيط لا يمكن تجاوزه، لأن الحرب الدائرة على الحدود تؤثر تأثيرا مباشرا على الأوضاع المصرية، لأنه على الرغم من وجود معاهدات سلام جاوزت الـ44 عاما بيننا وبين إسرائيل فإن الإسرائيليين لن يمنعهم مانع من محاولة حلحلة أجزاء من صراعهم على الأراضى الفلسطينية على حساب دفع هذه الأعداد المهولة إلى مصر بإجبارهم على النزوح إليها، لينتقل الصراع إلى مرتبة أخرى حول حق عودة هؤلاء وهوما لن يحدث أبدا، وبخاصة أن المساندة العربية تنقصها الصلابة المطلوبة في المواقف المحددة على أسس الاستراتيجيات المشتركة.
إن السؤال المطروح الآن هو: ماذا بعد؟، لأن الحرب الدائرة لن تطول، وسوف تنتهى إما باتفاق لتبادل الأسرى بالإضافة لتفاهمات إضافية، أو تنتهى باتفاق وقف لإطلاق النار بمبادرات دولية حقنا لمزيد من النزيف البشرى والمنشآت والعتاد، وعليه تبدأ التفاهمات الأخرى في وقت لاحق، ولكن بين هذا وذاك يظل السؤال عالقا، فهل تمثل حماس فلسطينيى غزة وتمثل السلطة الفلسطينية فلسطينيى الضفة؟، وهو أمر لا يستقيم مع الرغبة في الحل، وبالتالى فإن المبادرة يجب أن تبدأ من الجانب الفلسطينى على أكثر من مستوى.
فأولا يجب الاتفاق على ممثل للفلسطينيين غير مهدد بالانقسام على مدار المفاوضات حسب الهوى، وثانيا الاتفاق على موقف فلسطينى واحد معبر عن الشعب الفلسطينى ككل وليس الغزاويين على جانب والضفاويين على جانب آخر، وثالثا الخروج بمبادرة فلسطينية قابلة للتنفيذ، لأن انتظار المبادرات من الخارج، سواء من الأمريكيين أو الأوروبيين، وتمريرها إلى الفلسطينيين والإسرائيليين، لن يؤدى إلا إلى صراع فلسطينى حولها، كما جرت الأمور سلفا على الدوام.
إن تغيير نمط التفكير الفلسطينى قد يكون هو المخرج من تلك الأزمة، ولا يجب أن يكون من الصعوبة بمكان، في الوقت الذي تسير فيه الدبلوماسية الإسرائيلية من نجاح إلى نجاح، وترتقى العسكرية الإسرائيلية من نصر إلى نصر، وتتسع مساحة إسرائيل من أرض إلى أرض، ويصر الجانب الفلسطينى أن يكون دائما رد فعل، مما يحول الصراع من فلسطينى- إسرائيلى إلى صراع فلسطينى- فلسطينى تأنس له إسرائيل وترتاح إليه.
وبدلا من أن تكون التحولات الكبرى بداية جديدة، تتحول للأسف إلى بداية للنهاية حيث لن يتمكن العالم ولا الإقليم أن يحلوا هذه القضية بالاستجداء والشفاعة، وإنما سيجد الجميع نفسه مشيعا قضية فلسطين لمثواها بأكبر قدر من الألم للفلسطينيين، وأقصى قدر من المكاسب لإسرائيل.
نقلا عن المصرى اليوم