أيمن زكى
في مثل هذا اليوم استشهد القديس ماريعقوب الفارسى الشهير بمار يعقوب المقطع، ويعتبر القديس مار يعقوب المقطع من أشهر الشهداء الفارسيين. دْعي بالمقطع، لأن الوثنيين كانوا يبترون أعضاء جسمه عضوًا عضوًا، أما هو فلم تحرمه تقطيع أعضائه عن حياة التسبيح الله والشكر الدائم. آلامه الجسمية لم تنزع عنه فرح قلبه الداخلي.
كان والده من العظماء، وكان محبًا للسيد المسيح، يسلك بلا لوم، وقد بنى كنيسة على نفقته الخاصة، واشتهر بمحبته للفقراء والأرامل والأيتام. تمتع يعقوب بالحياة المقدسة منذ نعومة أظفاره، نال قسطًا وافرًا من التعليم وتزوج امرأة تقية مؤمنة.
وكان القديس ماريعقوب من جنود سكراد بن صافور ملك الفرس. ولشجاعته واستقامته ارتقى إلى أسمى الدرجات في بلاط الملك، وكان له عند الملك حظوة ودالة حتى أنه كان يستشيره في كثير من الأمور.وكان الملك يعبد الشمس، ولم يكن يمنع العبادة المسيحية،
ولكن حدث أن أسقفًا قام بحرق معبد الشمس، فثار الملك وصار يضطهد المسيحيين بكل قسوةٍ. استطاع الملك أن يغوي ماريعقوب لينكر الإيمان. وكان له خادم يدعى فاكيوس وكان مؤمنًا تقيًا، صار فيما بعد أسقفًا وسجل لنا حياة هذا الشهيد.
فأبلغ فاكيوس خبر ارتداده لوالدته وزوجته، فبكتاه بمرارة. انطلقتا إلى الكنيسة التي بناها والده، ووقفتا للصلاة من أجل توبته. اهتدى تفكيرهما بإرشاد الروح القدس إلي بعث رسالة إلى يعقوب المرتد، جاء فيها:
"علمنا أنك حي ففرحنا جدًا.
ثم فوجئنا بارتدادك عن السيد المسيح بإرادتك، فحزّنا عليك كثيرًا أكثر من حزننا لو كنت قد انتقلت إلى السماء بإيمانك...
هل في لحظة من الزمان تفقد جهادك وإكليلك؟
لماذا لم ترجع إلى نفسك؟
هل فكرّت في الدينونة الرهيبة؟
أما تخاف الله وترتعد من قوة الله العظيمة التي سوف تأتي عليك؟
لقد كان في إمكانك أن تجلس حول السيد المسيح في العرش، لكنك سوف تكون على اليسار، مرفوضًا من الله وملائكته وقديسيه بسبب ارتدادك...
لماذا تركت عنك الإيمان بالسيد المسيح واتبعت العناصر المخلوقة كالنار والشمس؟
فإن لبثت على ما أنت عليه تبرأنا منك وحسبناك كغريبٍ عنا".
وإذ قرأ الرسالة انفتح قلبه والتهبت مشاعره بقوة عظيمة، فصار يبكي بمرارة، وسقط على الأرض، وقال: "إذا كنت بعملي هذا قد تغربت عن أهلي وجنسي، فكيف يكون أمري مع سيدي ومخلصي يسوع المسيح؟" ثم ترك خدمة الملك وانقطع لقراءة الكتب المقدسة والعبادة.
وإذ قدم توبة انطلق إلى الأب الأسقف وتحدث معه بصراحةٍ كاملة، ثم ذهب إلى والدته وأخته يطمئنهما. بعد ذلك ظهر له ملاك الرب في رؤيا، وقال له: "قم الآن يا يعقوب بقوة الروح القدس، وخذ بركة الكتاب المقدس حتى تتعلم كيف تسلك كما يحق لإنجيل المسيح. أنظر إلى الحياة الدائمة، أورشليم السماوية".
فانتبه يعقوب من نومه فجثا وصلى إلى الله بدموعٍ وانسحاق قلبٍ، وطلب منه نعمة وقوة وبركة والاستحقاق لحمل اسمه القدوس.
وإذ سمع الملك أمره استدعاه، وإذ تأكد من تحوله عن عبادة الأوثان ورجوعه إلى الإيمان المسيحي حاول أن يستمليه بكل طريقة فلم يفلح. وقدم له الملك عروضٍ مغرية كصديقٍ له، أجابه: "ثق أيها الملك أن صداقتك زائلة، أما صداقة المصلوب فباقية إلى الأبد. مهما تعطيني من كرامات ومجد وأكاليل فهي باطلة..."
عندئذ أمر بضربه ضربًا موجعًا وإذا لم ينثنِ عن رأيه تُقطع أعضاؤه بالسكاكين. فقطعوا أصابع يديه ورجليه وفخذيه وساعديه، وكان كلما قطعوا عضوًا من أعضائه يرتل ويسبح قائلًا: "اقبل مني يا رب تقليم أطراف الشجرة قربانًا ذكيًا مقبولًا أمامك، وساعدني على كمال سعيي".
ولم يبقَ من جسمه إلا رأسه وصدره ووسطه. ولما علم بدنو ساعته الأخيرة سأل الرب من أجل العالم والشعب لكي يرحمهم ويتحنن عليهم معتذرًا عن عدم وقوفه أمام عزّته بقوله: "ليس لي رجلان لكي أقف أمامك ولا يدان أبسطهما قدامك، وهوذا أعضائي مطروحة حولي، فاقبل نفسي إليك يا رب".
حْرم ماريعقوب من قدميه لكن نفسه كانت تسير بخطوات سريعة نحو الفردوس. وبُترت يداه لكن أعماقه كانت تتسلم غنى نعمة الله الفائقة. وشُوّه جسمه في هذا العالم، فكان بهيًا للغاية في عيني الله وأعين السمائيين. وأخذ الملك منه موقفًا مضادًا، فظهر له ملك الملوك، السيد المسيح، وعزاه وقواه، فابتهجت نفسه.
وأسرع أحد الجند وقطع رأسه فنال إكليل الشهادة، وكان ذلك في 27 هاتور سنة 420 م.
وإذ سمعت والدته وأخته أسرعتا إلى حيث موضع استشهاده وتقدم معهما بعض المؤمنين. امتزجت دموع الفرح بإكليله مع دموع الحزن، وكان الكل يقَّبلونه، ثم كفنوه في أكفان فاخرة وسكبوا أطيابًا فاخرة ودفنوه بإكرامٍ عظيمٍ.
وبُنيت له كنيسة ودير في زمن الملكين البارين أركاديوس وأنوريوس. ولما علم ملك الفرس بذلك وبظهور الآيات والعجائب من جسد هذا القديس وغيره من الشهداء الكرام أمر بحرق سائر أجساد الشهداء في كل أنحاء مملكته، فأتى بعض المؤمنين وأخذوا جسد القديس يعقوب وتوجهوا به إلى أورشليم، ووضعوه عند القديس بطرس الرهاوي أسقف غزة. بقى هناك حتى زمان ملك مرقيان الملك الذي اضطهد الأرثوذكسيين في كل مكان، فأخذ القديس بطرس الأسقف الجسد وحضر به إلى الديار المصرية، وذهب به إلى البهنسا، وأقام هناك في دير به رهبان قديسون.
وحدث فيما هم يسبحون وقت الساعة السادسة في المكان الذي فيه الجسد المقدس أن ظهر لهم القديس ماريعقوب مع جماعة من شهداء الفرس، واشتركوا معهم في التراتيل وباركوهم وغابوا عنهم بعد أن قال لهم القديس ماريعقوب إن جسدي يكون ههنا كما أمر الرب. ولما أراد الأنبا بطرس الأسقف العودة إلى بلاده حمل الجسد معه ولما وصل إلى البحر خُطِف من بين أيديهم إلى المكان الذي كان به.
وتحتفل الكنيسة بتذكار نقل أعضائه في الثلاثين من شهر برمهات، وتذكار تكريس كنيسته في السابع عشر من كيهك، وبعيد استشهاده في السابع والعشرين من شهر هاتور.
بركه صلاته تكون معنا كلنا امين...
و لالهنا المجد دائما ابديا امين...