د. رامى عطا صديق

للقضية الفلسطينية مكانة خاصة فى عقل وفكر وقلب المصريين، الذين ارتبطوا بفلسطين وشعبها، عبر علاقات تاريخية قوية وممتدة على المستوى السياسى والاقتصادى والاجتماعى والثقافى.

ومنذ سنوات بعيدة وهناك موقف وطنى للكنيسة القبطية الأرثوذكسية فى مواجهة الصهيونية، يقوم على رفض الكنيسة لكل أشكال الاستعمار، ويؤكد الحق الفلسطينى فى استرداد الأراضى المحتلة، وإدانة الممارسات والاعتداءات الإسرائيلية الغاشمة، وهو الموقف الذى أعلنه آباء الكنيسة وقياداتها فى كثير من المواقف والأحداث.

فمن جانبه عبر قداسة البابا كيرلس السادس،البطريرك الـ116 من بطاركة الكنيسة القبطية (1959-1971م)، عن رفضه العدوان الإسرائيلى على سيناء وسوريا وفلسطين، وقد أصدر قداسته العديد من البيانات والتصريحات والرسائل البابوية التى تساند الحق العربى وتناصر قضية القدس، وبالأخص عقب عدوان يونيو 1967م، وطوال حرب الاستنزاف (1967-1970م)، ولقداسته بيان مشترك مع فضيلة شيخ الأزهر الإمام الأكبر حسن مأمون جاء فيه أن: الصهيونية العالمية قضية جنس لا تمت إلى الأديان بصلة وهى تعادى الإسلام والمسيحية، وليست هذه العداوة جديدة ولا مستحدثة وإنما هى وليدة تاريخ طويل، ونرفض تمامًا فكرة تغيير الوضع القائم بالقدس قبل العدوان الغاشم كما نرفض تدويل القدس.

ومن بعده جاء قداسة البابا شنودة الثالث، البطريرك الـ117 (1971-2012م)، الذى اهتم بهذه القضية ربما قبل أن يصبح بطريركًا، حيث يُذكر أن نقابة الصحفيين دعت الأنبا شنودة، حين كان أسقفًا للتعليم، لإلقاء محاضرة تناولت موضوع «المسيحية والصهيونية وإسرائيل فى رأى المسيحية»، 26 يونيو 1966م، فكانت محاضرة ثرية، أكد فيها أن اليهود لم يعودوا شعب الله المختار، باعتبار أنهم الشعب الوحيد الذى كان يعرف الله حق المعرفة، فقد اختير الإسرائيليون ليكونوا شعبًا لله بشرط تنفيذ وصاياه، ولكنهم لم ينفذوها ولم يعودوا شعبًا مختارًا، وبعد نزول الأديان السماوية، أصبح من يعرفون الله الحقيقى كثيرون، وقد أبرزت الصحف ندوة نقابة الصحفيين وأقوال الأنبا شنودة، وطبعت النقابة هذه المحاضرة على حسابها الخاص، ثم طبعت الكنيسة منها عدة طبعات متتالية.

وفى 5 ديسمبر1971م، وعقب الرسامة بطريركا، زار البابا شنودة نقابة الصحفيين، فى استهلال النقابة لموسمها الثقافى، حيث تحدث عن إسرائيل والأديان السماوية، حضرها عدد كبير من الجمهور، بالإضافة إلى عدد من كبار الشخصيات من رجال الدولة والكنيسة، وفيها أوضح البابا شنودة أن أرض مصر هى أرض مقدسة ورد اسمها كثيرًا فى الكتاب المقدس، وأن سيناء ليست أرض الموعد، بل كانت أرض عبودية ومتاهة وعبور وعقوبة بالنسبة لليهود، وأن فلسطين كانت مسكنًا مؤقتًا لليهود، مشيرًا إلى انتهاء فكرة شعب الله المختار، حيث أصبح الشعب المختار هو كل من يؤمن بالله، وأن الله ليس عنده محاباة، بل هو إله الكل وإله جميع الشعوب، والكل رعيته وصنع يديه، لكن الله عندما اختار هذه المجموعة من الناس فى وقت معين اختارها لأنها كانت فى ذلك الوقت فى وسط وثنى غالب، أما وقد انتشر الإيمان فكل المؤمنين رعية الله وهم شعبه وهم مختاروه، واختتم محاضرته بالحديث عن الواجب نحو القوات المسلحة فى الظروف الراهنة الدقيقة، خاصة أن القيادة الرشيدة استطاعت أن تصل إلى درجة عظيمة من القدرة والكفاءة القتالية.

ويُذكرأن البابا شنودة الثالث نظم مؤتمرًا شعبيًا وجماهيريًا، أبريل 2002م، داخل الكاتدرائية المرقسية بالعباسية، لتأييد الرئيس الراحل ياسر عرفات والقضية الفلسطينية، خلال فترة حصار الاحتلال، وجرى اتصال هاتفى بينهما فى أثناء اللقاء.

وقد استنكر قداسة البابا تواضروس الثانى، البطريرك الـ118 أمد الله فى عمره ومتعه بالصحة والعافية، ما يحدث حاليًا فى غزة من قصف ودمار وخراب وقتل، موضحًا أنه ليس هناك أى شىء من التكافؤ فى الحرب، وأعلن إدانة الكنيسة القبطية هذه الأعمال الوحشية، وذكر أن الكنيسة أطلقت مبادرة من أجل كل من يريد تقديم تبرعات عينية أو مادية وأدوية ومستلزمات وبطاطين الشتاء فى هذه المناطق لصالح أهلنا فى غزة، من خلال أسقفية الخدمات العامة والاجتماعية عضو التحالف الوطنى للجمعيات الخيرية التى تعمل فى مجال المساعدات الإنسانية.

نقلا عن الاهرام