محرر الأقباط متحدون
واصل البابا فرنسيس تعليمه الأسبوعي حول إعلان الإنجيل، وتحدث اليوم الأربعاء عن كون إعلان الإنجيل لكل زمان، أي لليوم أيضا.
أجرى قداسة البابا فرنسيس صباح اليوم الأربعاء ٢٩ تشرين الثاني نوفمبر في قاعة بولس السادس في الفاتيكان مقابلته العامة مع المؤمنين. وتابع اليوم الحديث عن الإعلان المسيحي متوقفا عند كونه لكل الأزمنة أي لليوم أيضا، وكان قد تحدث خلال مقابلتيه السابقتين عن الإعلان كفرح ثم عن كونه للجميع. وفي تعليمه، الذي قرأه مسؤول من أمانة سر دولة حاضرة الفاتيكان رافق الأب الأقدس، أشار البابا إلى أنه غالبا ما يدور الحديث عن اليوم بشكل سيء. وتابع أن هناك الحروب والتغيرات المناخية والظلم والهجرات وأزمة العائلة وأزمة رجاء، أي ان هناك مبررات للقلق، مضيفا أن اليوم يبدو وقد سكنته ثقافة تضع فوق كل شيء الفرد وفي مركز كل شيء التقنية وما لها من قدرة على حل مشاكل كثيرة. إلا أن ثقافة التطور التقني والفردانية هذه، قال الأب الأقدس، تؤدي إلى ترسيخ حرية لا ترغب في أن تضع لنفسها حدودا وتُبدي لا مبالاة إزاء مَن هم في الخلف مُسَلِّمة هكذا التطلعات البشرية الكبيرة إلى منطق الاقتصاد النهم من خلال رؤية للحياة غالبا ما تُقصي مَن لا يُنتج وتجد صعوبة في النظر بعيدا عما هو حيثي. وواصل البابا إنه يمكن القول إننا نجد أنفسنا اليوم في أول حضارة في التاريخ تحاول أن تنظم المجتمع البشري على الصعيد العالمي بدون حضور الله والتمركز في مدن كبيرة تظل أفقية رغم ما فيها من ناطحات سحاب عالية.
وعاد البابا فرنسيس في هذا السياق إلى قصة برج بابل في سفر التكوين والذي يحدثنا عن مشروع اجتماعي، وتابع قداسته إنه يمكن الحديث عن فكر أوحد، إلا أن الله خلط اللغات أي أعاد الاختلافات وخلق الظروف المؤدية إلى نمو التفرد، وحفز التعدد حيثما تريد الايديولوجية فرض التركيبة الواحدة. وتحدث البابا بالتالي عن طموحات خطيرة ومدمرة مضيفا أن التلاحم اليوم أيضا لا يمر عبر الأخوّة والسلام، بل يقوم على الطموحات والنزعات القومية والتجانس وبنى تقنية اقتصادية تنشر الإيحاء بأن الله لا معنى له ولا فائدة.
ثم ذكَّر الأب الأقدس بحديثه في الإرشاد الرسولي "فرح الإنجيل" عن أنه قد أصبح من الضروري تبشيرٌ بالإنجيل ينير الطرق الجديدة لإجراء علاقة مع الله والآخرين والبيئة يستحث القيم الأساسية، وكما أشار إلى ضرورة الوصول حيثما تتشكل أشكال السرد والنماذج الجديدة وأن نَبلغ بكلمة يسوع أعمق أعماق روح المدن. وواصل الأب الأقدس أنه يمكن إعلان يسوع فقط من خلال سكن ثقافة زمننا مع تذكُّر كلمات القديس بولس الرسول "فها هُوَذا الآنَ وَقتُ القَبولِ الحَسَن، وها هُوَذا الآنَ يَومُ الخَلاص" (2 قور 6، 2). وتابع البابا فرنسيس أنه لا يجوز أن نضع زمننا في تضاد مع رؤى بديلة تأتي من الماضي، كما ولا يكفي من جهة أخرى مجرد تأكيد أفكار دينية مكتسَبة تصبح مع مرور الوقت مجردة رغم حقيقتها، وأضاف أن الحقيقة لا تزداد مصداقية من خلال رفع الصوت للنطق بها بل بفضل الشهادة لها بالحياة.
ليست الغيرة الرسولية مجرد تكرار لأسلوب مكتسَب، قال البابا فرنسيس، بل هي شهادة لكون الإنجيل حيا اليوم من أجلنا. وانطلاقا من هذا الوعي علينا النظر إلى زمننا وثقافتنا كعطايا، فهذا زمننا وهذه ثقافتنا، والتبشير فيهما لا يعني إدانتهما من بعيد أو البقاء في شرفة لنَذكر بصوت مرتفع اسم يسوع، بل يجب النزول إلى الطرقات والتوجه إلى حيثما يعيش الأشخاص وزيارة الأماكن التي تشهد المعاناة والعمل والدراسة والتأمل. يحب حسبما تابع البابا فرنسيس سكن تقاطعات الطرق التي يتقاسم فيها الأشخاص ما له معنى لحياتهم. وواصل قداسته متحدثا بالتالي عن ضرورة أن نكون ككنيسة خميرة حوار ولقاء بين الثقافات والجماعات المختلفة. كما وشدد الأب الأقدس على ضرورة عدم الخوف من الحوار، فهو بالأحرى، وإلى جانب النقد، ما يساعدنا على حماية اللاهوت من التحول إلى ايديولوجيا.
وفي ختام تعليمه الأسبوعي أكد البابا فرنسيس ضرورة أن نكون في تقاطعات الطرق لأن الوجود فيها يساعدنا كمسيحيين على أن نفهم بشكل متجدد مبررات رجائنا وأن نتقاسم كنز الإيمان. وتحدث قداسته عن ارتداد في العمل الرعوي كي يجسد بشكل أفضل الإنجيل في زمننا، ودعا إلى أن نتبنى رغبة يسوع في مساعدة رفاق الطريق على ألا يفقدوا الرغبة في الله وأن يفتحوا القلوب عليه، فهو وحده الذي يهب الإنسان السلام والفرح، اليوم أبدا.
هذا وأراد البابا فرنسيس في نهاية المقابلة العامة مع المؤمنين تأكيد مواصلة الصلاة أمام الأوضاع الخطيرة في فلسطين وإسرائيل مكررا النداء من أجل السلام. كما وأعرب عن الرجاء في أن تستمر الهدنة الحالية في غزة، وتحدث عن ضرورة إطلاق سراح الرهائن جميعا والسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى غزة. وقال قداسته في هذا السياق إنه في اتصال مع رعية غزة مضيفا أنه يعلم بعدم توفر الماء والخبز وبالمعاناة الكبيرة التي يواجهها الأشخاص البسطاء. هذا وذكَّر البابا فرنسيس بالحرب في أوكرانيا أيضا ومعاناة شعبها، وكرر كون الحرب هزيمة دائما، لكنه أراد لفت الأنظار إلى أن الوحيدين الرابحين فيها هم منتجو الأسلحة الذين يكسبون من موت الآخرين.