محرر الأقباط متحدون
كانت دولة القانون وأهميتها لبلوغ السلام والتنمية المستدامة محور رسالة وجهها البابا فرنسيس الثلاثاء ٢٨ تشرين الثاني نوفمبر إلى المشاركين في لقاء للمنظمة الدولية لقانون التنمية.
وجه البابا فرنسيس رسالة إلى المنظمة الدولية لقانون التنمية شكر في بدايتها المديرة العامة للمنظمة على دعوته لتوجيه هذه الرسالة لمناسبة اجتماع الأطراف في الذكرى الأربعين لتأسيس المنظمة. وعقب توجيه التحية إلى جميع المشاركين في هذا اللقاء توقف الأب الأقدس عند تكريس المنظمة عملها خلال السنوات الأربعين لتعزيز دولة القانون من أجل بلوغ السلام والتنمية المستدامة من خلال مبادرات عديدة كي تكون العدالة في متناول الجميع. ثم سلط قداسته الضوء على عدد من القيم والمعايير التي لا غنى عنها والمنبثقة عن مبدأ دولة القانون، وتحدث في هذا السياق عن مساواة الجميع أمام القانون وضرورة المساءلة وضمان الشفافية، تفادي الأحكام المتعسفة وتعزيز المشاركة في اتخاذ القرارات، احترام القضاء وغيرها. وشدد البابا على أهمية هذه القيم من أجل تحقيق العدالة والتي هي شرط لبلوغ التناغم في المجتمع والأخوة على الصعيد العالمي، هذا إلى جانب كونها الفضيلة الضرورية لبناء عالم تُحل فيه النزاعات بالطرق السلمية فقط بدون أن يغلب قانون الأقوى.
وتابع البابا فرنسيس مشيرا بأسف إلى كوننا بعيدين عن تحقيق هذا الهدف، وتوقف عند الأوضاع المعقدة والصعبة التي نعيشها حاليا حيث هناك أزمات متداخلة وتزايد للعنف والتبعات الأكثر ضررا للتغيرات المناخية كما وتحدث عن الفساد واللامساواة. وشدد الأب الأقدس بالتالي على ضرورة الدفاع عن عدالة مركزها الإنسان والتطلع إلى تعزيز مجتمعات سلمية وعادلة وشاملة. وواصل مشددا على أن دولة القانون ليست موضوعا قابلا للاستثناءات ولا حتى خلال الأزمات، وذلك لأن دولة القانون هي في خدمة الشخص البشري وهدفها حماية كرامته وهو أمر لا يقبل استثناءات بل هو مبدأ. وتابع البابا فرنسيس مشيرا أن لا الأزمات فقط ما يهدد دولة القانون، ويؤدي هذا إلى انتشار لمفهوم خاطئ للشخص البشري يقود بدوره إلى إضعاف حماية الإنسان.
هذا ومن بين ما أراد قداسة البابا التشديد عليه كون القانون وحده القادر على توفير الشرط اللازم لممارسة أية سلطة، ويعني هذا أن على الأجهزة الحاكمة مسؤولية ضمان احترام دولة القانون بعيدا عن المصالح السياسية المهيمنة. وتابع الأب الأقدس أن في حال قيام القانون على قيم عامة، مثل احترام الشخص البشري وحماية الخير العام، تصبح دولة القانون قوية ويمكن للأشخاص أن ينعموا بالعدالة وللمجتمعات أن تصبح أكثر استقرارا وأن تنعم بالرخاء. وعلى العكس، فبدون السلام والعدالة لا يمكن مواجهة التحديات العديدة، قال الأب الأقدس مذكرا بارتباط كل شيء.
هذا وتحدث البابا فرنسيس في رسالته عن التغيرات المناخية واصفا هذه بقضية عدالة بين الأجيال، وقال إن تردي كوكب الأرض لا يَحول فقط دون تعايش يتسم بالسكينة والتناغم اليوم، بل ويُقلِّص بشكل كبير الترقي المتكامل لأجيال المستقبل. وتحدث قداسته هنا عن ارتباط العدالة وحقوق الإنسان والمساواة بأسباب التغيرات المناخية وبتبعاتها، مشيرا إلى أنه في حال التركيز على العدالة والأفعال المناخية يمكننا تقديم إجابات شاملة وعادلة.
سلط قداسة البابا الضوء أيضا على خطورة الفساد وبالتالي على ضرورة تحفيز حملات توعية من أجل شفافية ومسؤولية ونزاهة أكبر، وذلك لوضع أسس قوية لبناء مجتمع عادل وفاضل. ثم توقف البابا فرنسيس في ختام رسالته عند ضرورة الخروج للقاء الأشخاص الأكثر فقرا وتهميشا وضعفا أي الذين ليس لديهم مَن يتكلم باسمهم والذين يتم إقصاؤهم واستبعادهم، وشدد على العمل كي لا يُترك أحد في الخلف خاصا بالذكر النساء والسكان الأصليين والشباب. ثم أعرب الأب الأقدس عن ثقته في أن مثل هذه القيم تساهم في منظومات قانونية تحافظ على أولية الشخص البشري وكرامته فوق أية مصالح أو حجج. وأكد البابا أن الكرسي الرسولي سيواصل كونه إلى جانب مَن يكافحون من أجل تعزيز دولة القانون وحقوق الإنسان والعدالة الاجتماعية، وذلك انطلاقا من الأمانة إلى المسيح الذي قال: " طوبى لِلْجياعِ والعِطاشِ إِلى البِرّ... طوبى لِلسَّاعينَ إِلى السَّلام" (راجع متى ٥، ٦ـ٩).