( بقلم : أشرف ونيس )
كمن السر قابعا و متواريا خلف مزيج من الإبهام و عدم الإفصاح حين احتفظ بكينونته العصماء داخل غرفة الأسرار المطبقة و الموصودة بكل إحكام ، مر عليه زمان و أزمان ........ ، حقبة بل أحقاب و ظل متواريا و غير معلن لكائن من كان ، و حين شخصت إليه الأعين ناجية إياه أن يكشف للملأ عن سبب وجوده ؛ أخذه قيظ حميته و لفح حرارته بأن يختم بخاتمه الأبدى ، صادحا بصوته الصارخ إلى علياء الوجود فى أماكنه غير الظاهرة ؛ بأنه سيظل كما هو معانقا الغموض و الحيرة و الالتباس مفتخرًا بصيرورته لغزًا بل لغز الألغاز !!!!
لم تكن نسمة الحياة الكائنة في قلب الخلية الأولى و التى صار منها اللاموت و من ثم الكائنات المتنعمة بتلك الحياة هي الحل الكافي و الترياق الشافي لمن بحث عن أصل الحياة و استجدى الحقيقة فى ثوبها الناصع اللامع ، و لم يكن الانفجار الأعظم في محيط ذي الكون الفسيح هو الجواب الشافي لمن نبش عن الحق في صورته لا الرثة البالية بل اللامعة الواضحة القشيبة ، إذ استتبعهما سؤال الأسئلة الذي ظل شامخا طوال عهوده بلا رد أو إجابة له : من أين جاءت نواة الحياة القاطنة ب ذرة وحدة بناء الكائن القائم الحى ؟ و من أين برزت المادة إلى حيز الوجود قبل تناثرها و انتثارها إلى قطع و أجزاء كانت و مازالت و ستظل هائمة فى فراغ غير مدركة نهايته .
سيظل إدراك الإنسان متقلقلا بين الجهل و عدم المعرفة مادامت العلة الأولى للموجودات و كنهها مازالت ساكنة بين ثنايا الغموض و متخفية داخل طيات المجهول ، ف كثيرون ممن يمتلكون أطراف العلم و أغواره ؛ ترنحوا فى دياجير الظلام متخبطين حين طلوا اطلالا ، مائلين بأجسماهم المتثقلة بمراكز إحساسهم لمشاهدة مصدر و منبع الانبثاق حين أُمِرَ فبرز فتكون فتشكل فصارت المادة الخاضعة للتراءي و التلامس بما تشغله فى الفراغ من حيز و مساحة و مكان ، أخذت المعاناة منهم قسطا ثم أقساطًا لعلهم يصلون فيدركو مأربهم و ما يصبون إليه ، لكن هاهى فيزياؤهم و علومهم الباحثة فى الفلك بما يحويه و يحتويه مازالت جاثمة صوب أقدام النقص و القصور ، وقت أن بات العلم عاجزا عن معرفة السببية في ماهية الأشياء قبل أن تتراءى للأعين و تمسي صرحا للتأمل و التحدق و الأبصار .
أصبح العجز للمعرفة الصحيحة هو القوة الضاربة لكل صواب مرتكزًا على الحقيقة الكاشفة الظاهرة و الواضحة ، ف أمست القوانين المنظمة لكل ما تكون صائرا كونا و كأنها العقل الأسمى - من وجهة نظر أصحاب العلم - فى ذى الوجود ، فجعلوها المسيرة و المصيرة للكل تحت مالا مناص للايحاد عنه قيد أنملة ، كما أضحى النظام الخاضع له دنا الأجرام و محيط الأفلاك و كأنه المدبر الأعظم الذى به و منه تستمد تلك الأجرام و هذه الأفلاك إجلالها و هيبتها امام من تأمل فيها مبهورا مذهولا و متعجبا ، فبها الأزل و منها الزمان الحاضر و ما بينهما وحدات جمة لقياس الأزمان بما لا عدد له أو حتى إحصاء ، و هكذا أخذ منهم الاعتقاد - الخاطئ - قدرًا لا بأس به ؛ بأن العشوائية عبر ملايين السنين و السنوات خلقت النظام و شكلت السنن و أبدعت القوانين ! و هكذا الكل بها صار و منها الكل يسير و من خلالها الكل سيكون و كان هذا مما ظنوه و قدروه و توقعوه و نادوا به .
لم يُظهر الله عن نفسه لقلب اعتلاه داء التكبر و الكبرياء ، كما لم يتنازل لأناس زائلا حُجب عدم الفطنة لمعرفته و هم فى وهم الإحاطة بأطراف الموجودات علما و كشفا و اظهارا ، ف لطالما بقوا خادعين و مخدوعين من الكثيرين و الكثيرات من حسبوا أنفسهم الأول و الآخر ، و بأن ما يعلموه و يعلِّموه حاصلين عليه من علم هو البداية و النهاية ، جاعلين من غير المنطق منطقا للفكر ، و من غير المعقول مرجعا للتفاكر ، و هو مالا يقبله العاقل ذو الفطنة العاقلة و العقلانية الفطنة للتمييز و الإفراز و الفصل بين الأشياء و بعضها .
لكنه اصطفاهم حين أعلن عن نفسه منتخبا و منتقيا من تدثروا بثوب التواضع ملبسا و من اكتفوا بلباس الوداعة زينة ، فنراهم و قد قبلوا إعلان الله عن نفسه بانه الباري و الموجد و المسبب للأشياء و أن به الكل و له الجميع ، فهو الذى يؤول و يرجع إليه من حمل بداخله الحياة نسمة ، كما منه و به ما ليس له الحياة طبيعة و مثوى و مسكنًا .