هاني لبيب
إن دعوة حل الجامعة العربية: (تلقى قبولًا واستحسانًا لدى قوى إقليمية لا ترتاح أبدًا لوجود جامعة الدول العربية، وتتمنى لو أغمضت عينيها ثم فتحتهما فلم تجدها.. وبالتالى يتعين أن تكون الدعوة إلى إصلاح جامعة الدول وتجديد ميثاقها لتستطيع تحقيق ما نريده.. لا إلى حلها.. فهذا ما يجد هوى لدى أعداء هذه الأمة). حسبما جاء فى مقال الصديق سليمان جودة تحت عنوان: «حل جامعة الدول»، فى 19 نوفمبر 2023 بجريدة «المصرى اليوم».
أعتقد أن مسألة حل الجامعة العربية من عدمه تفرض علينا الاشتباك مع بعض الأفكار التى تحتاج إلى التوقف والتحليل قبل المغامرة عنها بالإجابات سابقة التجهيز من جانب، وبعيدًا عن تفخيم دور الجامعة العربية وتضخيمه من جانب آخر، وبعيدًا أيضًا عن مجرد الكلمات الدفاعية التى لا يتجاوز تأثيرها الحبر الذى كُتبت به والورق الذى طُبعت عليه، والتى لا يخلو بيان للجامعة العربية منها على غرار: نثمن ونقدر ونؤكد وندين ونشجب ونقرر.
أولًا: تاريخيًّا، لم تتمكن الجامعة العربية من صياغة موقف عربى موحد وشامل فى أى قضية، وقبل ذلك كله فى الموقف من إسرائيل، بل تحتاج إلى إعادة قراءة لموقفها مع الدول العربية التى أقامت علاقات مباشرة مع إسرائيل.
وما الحال الآن والعديد من الدول العربية قد أعلنت اتفاقيات تعاون مع إسرائيل على غرار الإمارات والبحرين؟. ورغم كل ما سبق، لم تتم مراجعة بنود ميثاق نشأة الجامعة العربية من خلال مراجعة لكافة النواحى السياسية والفكرية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية للعلاقات بين دول المنطقة بعد كل هذه المتغيرات، التى لم تستطع فيها الجامعة العربية فرض المقاطعة على إسرائيل، كما لم تستطع حظر التطبيع معها.
ثانيًا: رغم كل المتغيرات السابقة، قامت غالبية الدول العربية بإقامة علاقات ثنائية تدريجية مع إسرائيل للوصول إلى التطبيع. وفى الوقت نفسه، لم تغير جامعة الدول العربية من خطابها السياسى فى تناول الشأن الفلسطينى.. فى محاولة تبدو دائمًا أنها الأخيرة فى البقاء على ساحة المشهد السياسى العربى بإصدار بيان أو عقد لقاء أو الدعوة إلى عقد قمة طارئة واستثنائية.
ولم تخرج الجامعة العربية تقريبًا على مر تاريخها من إطار المبادرة العربية وتمنيات الاتحاد العربى والعملة الموحدة والسوق العربية المشتركة. وفى المقابل، كان هناك طرح إسرائيلى لجامعة الشرق الأوسط بديلًا عن الجامعة العربية، فى إطار مشروع الشرق الأوسط الجديد والسوق الشرق أوسطية. والنتيجة عدم وجود أى طرح لمشروع عربى حقيقى قابل للتنفيذ من الدول العربية نفسها، التى لم تتفق على موقف موحد أو قرار جماعى.
ثالثًا: تاريخيًّا، تبنّت الجامعة العربية مبدأ أن الأرض مقابل السلام، وهو ما لم يعد له وجود حاليًا على أرض الواقع.. فى ظل التنفيذ الكامل لمخطط تهويد القدس، والرفض نهائيًّا لمبدأ حق العودة وما ترتب على ذلك من عدم وجود رؤية واضحة تتسق مع المتغيرات، وعدم القدرة على التنسيق الكامل بين الدول العربية لاتخاذ قرار جماعى أو موقف ملزم للدول العربية كلها.
ولا تزال جامعة الدول العربية تتمسك بميثاقها، الذى تمت كتابته تحت ضغط دعم استقلال الدول العربية من الاستعمار منذ أكثر من 75 سنة. ومن أهم بنود الميثاق: جعل اعتماد قراراتها على قاعدة وجوب الإجماع فى اتخاذ القرارات، ما يعنى أنه إذا اعترضت أى دولة على أى قرار، فإن هذا يمنع صدوره، وهو ما صارت على نهجه كافة القرارات والاتفاقيات والمعاهدات.
نقطة ومن أول السطر..
لقد تحول دور جامعة الدول العربية إلى الإطار النظرى دون العملى، والذى سمح لعناصر القوة والمال بالسيطرة على قرارات الجامعة العربية من جهة، وعدم وجود قوة لبياناتها عالميًّا ومواقفها عربيًّا وقراراتها تنفيذيًّا من جهة أخرى، فضلًا عن استحسان البعض بقاء الحال كما هو عليه لتحقيق مكاسب مادية وحصانة دبلوماسية.
كتابة ميثاق جديد للجامعة العربية ليست بدعة فى السياسة الدولية.. فالأمم المتحدة هى النسخة المعدلة من عصبة الأمم المتحدة.
نقلا عن المصري اليوم