أحمد الخميسي
يقول الروائي الانجليزي المعروف د. هـ. لورانس :" الكتاب يجب أن يكون إما ثائرا أو قاطع طريق"، يقصد أن الكتاب لابد أن يشتبك بالقضايا الكبرى باندفاع ووضوح، ولدينا في تاريخنا الفكري والأدبي عدد غير قليل من تلك الكتب، منها ما قدمه ايهاب الحضري مؤخرا: " اغتصاب الذاكرة.. الاستراتيجيات الاسرائيلية لتهويد التاريخ" الذي يتصدى  لاغتصاب اسرائيل الذاكرة العربية عامة والفلسطينية خاصة لكي تختلق إسرائيل بما تسرقه تاريخا لنفسها.
 
وبذلك الصدد يشير الحضري إلى أن خطة الكيان بهذا الصدد لم تترك بلدا جاء ذكره في التوراة من دون السطو على تراثه، قامت بذلك في فلسطين وسوريا ولبنان والعراق واليمن ومصر.
 
ويقول إنه بعد أربعة أيام فقط من بدء الحرب في 1967، أعطى ضابط إسرائيلي إشارة للجرافات لإزالة حي أُثري كامل في القدس، والاستيلاء على المتحف الفلسطيني وتحويله إلى مقر لدائرة الآثار الإسرائيلية! كما سطت قوات الاحتلال على أرشيف دائرة الآثار الفلسطينية ونهبت مقتنيات المتحف لمحو أي أثر فلسطيني. وفي العام نفسه بدأت الحفائر جنوب المسجد الأقصى وبلغت حد التهديد بتصدع المسجد، وفي عام 1973 بدأت حفائر أخرى جنوب شرق المسجد، واستمرت متقطعة إلى يومنا هذا لعلهم يكتشفون شيئا أوعلى الأقل يدمرون شيئا. في عام 2002 جرت الاطاحة بالمدن الفلسطينية القديمة في نابلس والخليل إضافة لكنيسة المهد في بيت لحم، وحينذاك لم تعد الجرافات كافية فأعطيت الاوامر للدبابات وطائرات الأباتشي لتقوم بالدور الأكبر في محو التراث.
 
ومن أمثلة تدمير المواقع التراثية: الجامع الكبير الذي تأسس عام 1800 ، وجامع الزيتون الذي بني عام 1600، والكنيسة اليونانية في حي الياسمين وعمرها 400سنة.
 
وفي مطلع يونيو عام 2000 ، بعث وزير التعليم الإسرائيلي رسالة إلى مركز التراث العالمي تضمنت أسماء 29 lموقعا يطلب تسجيلها في قائمة التراث العالمي بوصفها مواقع تراثية إسرائيلية! وكان النموذج الأكثر وقاحة من بينها هو طريق الحج من مكة إلى القدس! وفي25 يوليو2004 نشرتْ صحيفة هاآرتس تقريرا عن إمكانية إطلاق طائرة مفخخة يقودها انتحاري يهودي لتفجير المسجد الأقصى! ذلك هو الحل الأخير في خيالهم لتدمير الذاكرة وسرقة التاريخ.
 
ومن اللافت في ذلك السياق أن دولة الكيان اختارت دائما مواقع مستعمراتها( المستوطنات) في المناطق الأثرية الفلسطينية، وقامت بعد ذلك بتغيير أسماء تلك المناطق على أساس أن الزمن سيتكفل باستقرار الكذبة، كما قامت بمحاولة استبدال التاريخ في مناطق عراقية وسورية ولبنانية ويمنية، ويكفي في ذلك السياق أن نتذكر المحاولات المتتابعة لربط ملوك مصر القديمة بأنبياء إسرائيل، ثم ادعاء مناحم بيجين ذات يوم وهو واقف أمام الأهرامات بأن أجداده هم بناة الأهرامات ! رغم أن أول ذكر لبني إسرائيل كان بعد ظهور الهرم بنحو ألف وخمسمائة عام! ويرصد الكتاب أيضا السطو على التراث خلال العدوان البربري على غزة هذه الأيام فيشير إلى قصف واستهداف كنيسة الروم الأرثوذكس التي بنيت منذ ثمانمئة عام، والمسجد العمري في جباليا الذي يعود بناؤه إلى نهايات العصر العثماني. يقدم الحضري إلينا كتابا من النوع الذي قال عنه بريخت:" أيها الانسان .. في المعركة تناول كتابا .. إنه سلاح أيض