أفكار مِتس في سياق لاهوت عربيّ معاصر:
الاب جون جبرائيل
في بحث عالم اللاهوت الألمانيّ مِتس بشأن العلاقة بين الشعب اليهوديّ والإيمان المسيحيّ نستطيع أن نرى أنّ لاهوته على وجه التحديد لاهوت غربيّ وبشكلٍ أخصّ لاهوت ألمانيّ. كيف يمكن استخدام أفكاره اللاهوتيّة في الوضع الذي يعيش فيه المسيحيّون في فلسطين اليوم؟ هل يمكن استخدام أفكار مِتس بشأن أوشڤيتس داخل مكان يتعذّب فيه المسيحيّون والمسلمون ويغتالهم بعض الناجين من أوشڤيتس بأنفسهم أو عن طريق نسلهم؟
 
نفترض هنا الاستفادة من الأفكار الأساسيّة لدى مِتس. في هذا الوضع. يجب أن يُقرأ الكتاب المقدّس من وجهة نظر المظلومين وليس فقط من وجهة نظر شعب بني إسرائيل، وهو غير شعب إسرائيل الحاليّ. لم يطبِّق مِتس وجهة نظره على شعوب أخرى، على الرغم من أنّه بيّن صراحةً أنّ أوشڤيتس تلخِّص في ذاتها كلّ المذابح التي ارتُكِبَتْ عبر التاريخ. يمكن للاَّهوت السياسيّ أن يُلهمنا بأفكار جديدة فيما يتعلّق بوضع العالم العربيّ اليوم، وبشكلٍ خاصّ في فلسطين. ينقصنا بشدّة تفكيرٌ لاهوتيّ يتناول الصراع العربيّ الإسرائيليّ. إن كان مِتس يعتبر أنّ اللاهوت بعد حدوث كارثة أوشڤيتس لا يمكن أن يظلّ كما هو، فهكذا نستطيع القول بأنّ اللاهوت، على الأقلّ في العالم العربيّ، لا يستطيع أن يبقى كما هو بعد تأسيس دولة إسرائيل الحديثة. إذا كانت مسألة الشرّ طُرحتْ في أوشڤيتس بسبب الشرّ الذي ارتكبه النازيّون، يعود السؤال بطريقة أقسى عندما يكون المتسبِّب في هذا الشرّ بعض الناجين من جحيم أوشڤيتس.. يصبح التساؤل حول صلاح اﷲ أكثر صعوبة عندما يرتكب الشرّ "شعب اﷲ" كما يدّعي بعض الإسرائليّين المعاصرين.
 
إنَّ الغرب في محاولاته إلى ردّ الاعتبار إلى اليهود بسبب ما ارتكبه ضدَّهم من ظلم في بعض الدول الأوروبّيَّة، قد قام بذلك على حساب شعب فلسطين، وعلى أرضهم. وهو بالتالي أراد إصلاح ظلم بظلم آخر. والأبعد من ذلك راح بعض اللاهوتيّين مثل فرانتس موسنر  ومارسيل دوبوا إلى إعطاء شرعيّة لاهوتيّة وكتابيّة إلى ذلك الظلم المرتكب ضدّ شعب فلسطين، بدلًا من أن يكون تفكيرهم حول كلمة اﷲ مساعدًا لهم في تصحيح تفسيراتهم، وأن يروا في تلك الكلمة نبع حياة لجميع البشر. نتيجة لذلك وبالطبع لأسباب أخرى أكثر من ذلك، يعاني الفلسطينيّون من احتلال أرضهم وأرض أجدادهم، والأبعد من ذلك يتألّم المسيحيّون من التفسيرات الخاطئة التي يقوم بها بعض اللاهوتيّين.
 
إنَّ كلَّ لاهوت يدَّعي تفسير الاحتلال اعتمادًا على الكتب المقدَّسة والإيمان هو بعيدٌ عن الإيمان المسيحيّ الحقيقيّ، فهو ينادي بالعنف والحرب المقدّسة باسم اﷲ من أجل مصالح البشر في لحظة تاريخيّة بعينها، ويشوِّه بذلك صورة اﷲ داخل البشر الذين يعانون الظلم السياسيّ واللاهوتيّ.