بقلم: محمد حسين يونس
عندما فاضت مياة الصرف الصحي وغطت شوارع القاهرة خلال سبعينيات القرن الماضي تم الاستعانة بمجموعة من الخبراء الامريكان و البريطانين عرفوا بعد ذلك بإسم (أمبريك ) لفحص المشكلة وتحديد إسلوب التغلب عليها .
كانت خطة الخبراء تنقسم الي ثلاث مراحل الاولي إعادة تأهيل الشبكات القائمة وعمل الاجراءات التي تمنع تسربها للشوارع و الثانية عمل خطة شاملة master plan،ثم خطة إدارة الاعمال وصيانتها وتطويرها .
الخطة العاجلة ، الحلول الجذرية ، التطوير والصيانة هي الاسس الثلاثة لإدارة المشاريع الكبرى كما تعرفها بلاد العلم المتقدمة يضاف اليها مراقبة الجودة والامان كعوامل لا تقبل اى جدل اومناقشات.
في بلادنا الحبيبة إعتدنا منذ أن دمر العسكر إقتصادنا في حروب لا معني لها أن نتبع إسلوب أخر في الادارة يعرف بإسم (ترابل شوتينج ) اى الحلول المؤقتة للازمات بالتكاتف والجدعنة،ثم النوم بجوارها حتي تحدث أزمة أخرى فنسرع نتكاتف لوقف تتابع أضرارها ..في حين أن في جميع بلاد العالم تعتبر مواجهه الازمات علم يحتاج لتدريب ودراسات كما شاهدنا مع الاعصار الامريكي وكيف كان التنبؤءوالاستعداد وإدارة الازمة صحيحا وفي موعده مما أدى ألي الحد من أضرارها ،الاستفادة من أخطاء الماضي والعمل علي عدم تكرارها أو قوعها لا يقوم به الا بشر من الذين وهبوا نعمة العقل و القدرة علي التخطيط و التدريب ثم التنفيذ فيما كان يسمي مع بداية الحرب العالمية الثانية الدفاع المدني .
أما علي أرض المحروسة فعندما يختنق أحدهم من غازات غرفة تفتيش يذهب الاخر بشهامة لانقاذه فيختنق و يكرر ثالث أخطاء من سبقاة حتي يكتشف أحد المسعفين أن عليه إتباع تعليمات العمل في الاماكن المغلقة و إستخدام الادوات المخصصة لذلك.. يحدث هذا في جميع المجالات خصوصا في وزارة النقل العامرة
.. التي لا يتعلم مسئوليها او مديريها معني تأمين المستخدم لخدماتهم فتتكرر حوادث النقل النهرى والبحرى والسكك الحديدية والمترو وتتحول الشوارع الي ميادين قتال يخوض فيها الراكب والسائر معارك يومية مع سوء رصف الطرق وعدم وجود أرصفة او أماكن عبور سواء للبشر أو المركبات التي تجتاز خطوط السكة الحديد والترام والمترو .. الشوارع التي توضع فيها مقبّات مانعة للسرعة بشكل عشوائي غير مخطط هي السبب في تدمير السيارات المارة كذلك المطبات الناتجة عن سوء الرصف وغش المقاولين وإستهبال المستلمين او تكسير الاسفلت لعمل مرافق أخرى وتركه علي حالة لدرجة أصبحت كل شوارع المحروسة غير مؤمنة وغير مناسبة للحركة.
العمل العشوائي دون تقدير لعلاقته بالانشطة الاخرى جعلنا نعيش في سيرك فإذا ما أضيف له تراكم المخلفات والقمامة فإن السيرك تحول الي زريبة تأنف أن تعيش فيها الحيوانات من كثرة الحشرات والقوارض والكلاب الضالة .. موظفي المحليات المرتشين لا يهمهم إزالة الانقاض والقمامة بقدر أن يقوم من تسبب فيها يمنحهم كارت موبايل بمياية.
الاهمال أصبح ظاهرة فرغم أن مصر تمتلك ثروة عقارية يصعب تكرارها محطات توليد الكهرباء ، معالجات الصرف الصحي ، تنقية مياة الشرب ،سكك حديد مصر منذ أن كانت خديوية ، مترو أنفاق مبارك ، محطات طلمبات الرى العملاقة ، الاهوسة ، الكبارى، أتوبيسات النقل العام .. كلها تحتاج لإعادة تأهيل ثم رفع كفاءة ثم إدارة رشيدة وصيانة ، مع التخطيط لتطوير وتدريب كوادرها خصوصا المديرين الجهلة الذين أتت بهم الرقابة الادارية لتحركهم كيفما أراد الحكام .
الفنادق ،الشواطيء ،المستشفيات ،المدارس ،المتاحف ، دور العرض و المسارح كلها ثروة عقارية تعاني من الاهمال ونقص الحراسة والتأمين ضد الحريق ،وعجز الصيانة التي يجب أن تقوم بها شركات متخصصة تعرف كيف تخطط لمواجه الاعطال وكيف تحافظ علي الموجودات والبشر .
في دول الخليج تدير مثل هذه الاماكن شركات اجنبية تكلف أغنياء الجاز الملايين ،في بلاد الفقر والعمالة الزائدة كل المطلوب هو إعادة تأهيل البشرالمديرين لها قبل أن نفكر في تحسين وتطوير الانتاج أو أن تنفجر في وجوهنا لغما بعد الاخر ،الاتوبيسات، الطائرات ،القطارات ،المترو كلها ادوات نقل تحتاج لعلم الادارة الامنة والصيانة الوقائية ومعالجة الحوادث و الاعطال بواسطة أجهزة متخصصة وإلا أصبحت أقرب للخردة و تحتاج لاعادة تأهيل و إلانضباط من جميع الاطراف قبل ان نواجه بحوادث دامية تجعلنا نتذكرها لسنين
يوم 25 يناير هل كنا كمصريين في حاجة الي إسقاط نظام فاشل و تمكين ما هو أفشل منه أم علاج عيوب النظام وإعادة تأهيله ثم التخطيط لاستراتيجية تنمية معاصرة ..هل كنا مضطرين لالغاء الدستور القائم أم إعادة تأهيله بإلغاء ما أضافه السادات (كي يخلد في الحكم و إستخدمه سلفة لثلاثة عقود ) ..لقد كان من الاحوط قبل تعديل النظام والسير في درب الديموقراطية إعادة تأهيل الانسان المصرى Rehabilitate حتي يبل من زمن حكم العسكر و يعي الكوارث المنتظرحدوثها خلال زمن حكم رجال (حماس)الغزاوية للمحروسة .