حمدي رزق
لفتنى الفقيه القانونى المقدر الدكتور «على الغتيت» إلى شَرَك خداعى منصوب بلغة استخباراتية إسرائيلية خبيثة، ألا وهو مصطلح «غلاف غزة»، وتورطت وسائل الإعلام العربية والمصرية (تحت وطأة القصف البربرى) فى اعتماد المصطلح المراوغ وإشاعته عالميًّا، وصار من أبجديات حرب الإبادة على غزة.
مصطلح «غلاف غزة» مصطلح إسرائيلى خبيث، تم إطلاقه فى الفضاء الإعلامى والإلكترونى لإضفاء مشروعية ممنهجة على المستوطنات الإسرائيلية التى تطوق عنق قطاع غزة حتى تكاد تخنقه.
المصطلح الإسرائيلى، الذى ذاع فى الميديا العالمية والعربية (دون تبصر لـ «المآلات المستقبلية»)، يستهدف إخراج المستوطنات غير الشرعية من تحت طائلة القانون الدولى الذى يجرمها ويصمها بعدم المشروعية ويطالب بإزالتها فورا.
إزاء خرق فاضح للقانون الدولى، ما تنبهت إليه الأمم المتحدة وقررت باكرا وشددت مرارا وتكرارًا: «أن بناء إسرائيل للمستوطنات يشكل انتهاكا للمادة (٤٩) من اتفاقية جنيف الرابعة بشأن حماية الأشخاص المدنيين فى وقت الحرب المؤرخة فى أغسطس ١٩٤٩».
المادة المشار إليها تنص: «لا يجوز لدولة الاحتلال أن ترحّل أو تنقل جزءًا من سكانها المدنيين إلى الأراضى التى تحتلها».
مهم الإقلاع عن تعاطى حشيشة المصطلح الخبيث المراوغ، يدير العقول ويُذهبها عن إدراك المعنى الكامن فى حروف المصطلح، ولنُسمِ المستوطنات باسمها وبوصفها: «المستوطنة» جمعها مُسْتَوْطَنَات، ويشار لها عادة للتبسيط بالمستوطنات الإسرائيلية، أو (المُغْتَصَبات) كما يسميها الفلسطينيون، وهى التجمعات السكانية الاستعمارية اليهودية التى بنيت على الأراضى التى احتلتها وتوسعت عليها إسرائيل خلال حرب عام ١٩٦٧.
السواد الأعظم من «المجتمع الدولى» يجرّم المستوطنات الإسرائيلية فى «الأراضى الفلسطينية» ويصمها بأنها خرقٌ للقانون الدولى، وتبنى مجلس الأمن فى الأمم المتحدة القرار ٤٤٨ فى مارس عام ١٩٧٩!، الذى اعتبرها غير قانونية.
المجتمع الدولى يصنف الأحياء الإسرائيلية فى القدس الشرقية والمجتمعات المحلية فى مرتفعات الجولان، والمناطق التى تم ضمتها إسرائيل لاحقا أيضا مُسْتَوْطَنَات ولا يعترف بالضم الإسرائيلى (الاغتصاب) لهذه الأراضى.
محكمة العدل الدولية قضت هى الأخرى بأن هذه المُسْتَوْطَنَات غير شرعية فى رأى استشارى لعام ٢٠٠٤، وكذا فى أبريل ٢٠١٢، وأكد «بان كى مون» السكرتير العام للأمم المتحدة السابق، ردا على تحركات دبلوماسية من جانب إسرائيل لإضفاء شرعية على البؤر الاستيطانية الإسرائيلية، أن كل النشاط الاستيطانى غير شرعى، و(يتعارض مع التزامات إسرائيل تجاه «خارطة الطريق» إلى حل الدولتين، ودعوات «اللجنة الرباعية» المتكررة للأطراف بالامتناع عن بناء المُسْتَوْطَنَات التى توصف بالاستفزازات).
دولة الاحتلال تجادل فى موقف «المجتمع الدولي»، والحجج القانونية التى يستند إليها فى إعلان هذه المُسْتَوْطَنَات غير الشرعية.. وهروبًا من القانون الدولى، أطلقت فى الفضاء الدولى مصطلح «غلاف غزة» تمويهًا على كونها مُسْتَوْطَنَات.
للأسف، علقنا جميعا فى الشرك الخداعى، ووقعنا فى الفخ، وهضمنا المصطلح الإسرائيلى كمن ابتلع الطعم هانئا، وصار مصطلح «غلاف غزة» عنوانا مستساغا فى الأفواه وتلوكه الألسنة دون إدراك لخطورته.. مصطلح شديدة الخطورة، يغتال الأرض المحتلة، ويغمى على كونها مُسْتَوْطَنَات مجرمة دوليًا.
نقلا عن المصرى اليوم