ياسر أيوب
بداية ونهاية.. إحدى الروايات الجميلة التى كتبها الأديب المصرى العالمى نجيب محفوظ فى 1949.. وقبل هذا التاريخ بستة وعشرين عاما نجح الفارس أيرلندى الأصل، فرانك هايس، فى حذف حرف الواو لتصبح بدايته هى نهايته.. وإذا كان التاريخ الرياضى سيحتفظ بحكاية هايس باعتباره الرياضى الوحيد الذى فاز ببطولة وهو ميت، أو الفارس الوحيد الذى فاز بالسباق بعد أن مات فوق حصانه قبل أن يصل خط النهاية.. فإن التاريخ الإنسانى احتفظ بحكاية هايس لكن بشكل أكثر عمقا باعتبارها حكاية الإنسان الذى يحلم دون أن يعرف أن حياته نفسها ستكون ثمن تحقيق هذا الحلم.. أو الإنسان البسيط الذى لابد أن يموت حتى يلتفت إليه الناس ويمنحونه بعض اهتمامهم واحترامهم.. فلم يكن هايس فارسا لكن فقط مدرب يعتنى بالخيول، يقضى معظم وقته داخل الإسطبل لا يطمح أو يطمع فيما يلقاه الفرسان من إعجاب وجوائز واحترام.. وكانت القبلة الجميلة هى أحد الخيول التى يرعاها هايس وتملكها السيدة الأمريكية فراى لينج.. ولم تكن فراى لينج تثق فى أن القبلة الجميلة يمكن أن تفوز بأى سباق، بينما كان هايس مقتنعا بقوتها وقدرتها.. وفوجئ هايس بعرض من السيدة فراى لينج بأن يمتطى القبلة الجميلة ويشارك بها فى سباق بلمونت بارك شرق نيويورك.. وكانت مفاجأة لم يتوقع هايس أو ينتظرها ورآها البداية الحقيقية التى ستتغير بها حياته..
وأقيم السباق فى 4 يونيو 1923 وكان الجميع يتوقعون فوز الحصان جيمى بالسباق إلا أن هايس كان له رأى آخر.. وبالفعل اقتربت القبلة الجميلة من خط النهاية وعبرته وفوقها هايس الذى فاز أخيرا بالسباق، رغم أنها كانت المرة الأولى له.. وجرت السيدة فراى لينج لتهنئ فارسها الجديد إلا أنها فوجئت به ميتا رغم أنه لم يسقط من فوق الحصان.. وجرى جون فورهيس، الطبيب الخاص بالسباق، ليفحص هايس وتأكد من موته نتيجة أزمة قلبية.. وما إن نشرت الصحافة الأمريكية الخبر حتى اختلفت الآراء.. هل مات هايس نتيجة الحماسة والانفعال الزائد والفرحة التى لم يحتملها قلبه.. أم أنه لم يكن جاهزا بدنيا للقيام بدور الفارس بما يتطلبه من لياقة وقوة وتدريبات واستعداد.. وتم دفن هايس بعد ثلاثة أيام بثياب الفارس التى خاض بها السباق.. أما القبلة الجميلة فلم تشارك فى أى سباقات أخرى ومنحها الصحفيون والفرسان لقب قبلة الموت الجميلة.. واعتبرته كتب التاريخ الرياضى بطلا وحيدا فاز وهو ميت.. ولم يعش ليشهد احتفال الناس بنجاحه أو تصفيق الجميع له وهم يظنون أنه لايزال على قيد الحياة ولا يعرفون أن بدايته كانت نهايته.
نقلا عن المصرى اليوم