ياسر أيوب
في الوقت الذي اجتمعت فيه الحكومة الإسرائيلية وقررت القيام بحملة إعلامية دولية ضخمة بعد صدمة تحولات الرأى العام العالمى الذي كان طول الوقت في الماضى مؤيدا ومدافعا ومصدقا ومقتنعا بكل ما تقوله إسرائيل.. كانت أنس جابر في مدينة كانكون المكسيكية تتحدث بمنتهى البساطة والصدق عن أطفال يموتون كل يوم في فلسطين.
وسالت دموع أنس وهى تعتذر لكل من يشاهدها ويسمعها لأنه كان المفترض أن تتحدث عن التنس وعن انتصارها، لكنها لا تستطيع ذلك أمام كل ما يجرى الآن في غزة.. ولم تكن التي تتحدث وتبكى في الملعب هي أنس جابر بطلة التنس التونسية والعربية، إنما اللاعبة المصنفة السابعة على العالم التي أصبح كثيرون جدا يتابعون أخبارها وحكاياتها ومبارياتها.
وكان اللافت للنظر أن أنس تحدثت دون صراخ وتشنج.. وقالت بوضوح إنها لا تخاطب الجمهور سواء في الملعب أو عبر إعلام العالم وصحافته وشاشاته عن قضية سياسية إنما قضية أو مأساة إنسانية.. وأدرك الجميع أنهم أمام نجمة تنس تحولت في لحظة إلى إنسانة تبوح بمشاعرها وتعجز عن التحكم في دموعها.. إنسانة لم تقرر أن تلعب دور بطولة أو أنها أكثر وطنية من غيرها أو تتوالى تهديداتها، وظلت واقفة تخاطب في الجميع إنسانيتهم وضمائرهم ومشاعرهم.
ولهذا صفق لها الجميع بمنتهى الاحترام حين أعلنت تبرعها ببعض مكافآتها لأطفال غزة.. ولم تكن أنس لاعبة عربية وحيدة قامت بذلك، إنما كانت مثل لاعبات ولاعبين كثيرين خاطبوا العالم طيلة الأيام الماضية باللغة التي يعرفها ويفهمها.. وكانت هذه اللغة التي تحدث بها رياضيون وإعلاميون وفنانون هي التي أزعجت إسرائيل وأهلها وحكومتها وإعلامها أكثر من أي رصاص وقنابل وصواريخ.
فلم يعد الشارع في أي مدينة في الغرب والشرق والشمال والجنوب على استعداد لأن يشترى ما اعتادت أن تبيعه إسرائيل طوال الوقت، وأن العرب هم إرهابيون وقتلة ومجرمون.. ولهذا، ولأول مرة منذ سنين طويلة جدا، قررت إسرائيل اللجوء للحملات الإعلامية مدفوعة الأجر لتجميل صورتها وتبرير ما تقوم به ضد الفلسطينيين في غزة.
ففى الماضى كان بعض العرب يتطوعون من تلقاء أنفسهم للقيام بمثل هذه الحملات ضدهم لمصلحة إسرائيل التي لم تكن تحتاج لأى جهد إضافى لإقناع العالم بأن العرب هم البرابرة الذين لا يحترمون الإنسانية ويعشقون العنف والدم.. وجاءت أنس وزميلاتها وزملاؤها من الذين يملكون التأثير والصوت المسموع ليهزموا إسرائيل في ساحة الصراع الوحيدة التي لم تخسر فيها إسرائيل من قبل.
واحترم الجميع أنس حين عادت وتحدثت مرة أخرى في المؤتمر الصحفى لتؤكد أنها مضطرة لمواصلة اللعب، لكنها تستأذن الجميع في أنها لم تعد تستطيع أن تفرح.
نقلا عن المصرى اليوم