مدحت بشاي
ونحن نتابع عبر كل وسائل ووسائط الإعلام مشاهد القتل على حساب الهوية القومية والدينية على الأرض الفلسطينية بتوحش وغل مجنون وافتراس يمارسه صهاينة موتورين عطاشى للدم، ولا رحمة لمريض أو إمرأة أو طفل، عندها تصيبنا الحيرة والاستغراب والدهشة عند وصف الحيوانات المفترسة بصفة " الوحشية " مما قد يغبن الوحوش بذلك الوصف، فيقول " إيريك فروم " في مقارنة بين الإنسان والحيوان الوحش " إن الإنسان يختلف عن الحيوان في حقيقة كونه قاتلًا، لأنه الحيوان الوحيد الذي يقتل أفرادًا من بني جنسه ويعذبهم، دونما سبب بيولوجي أو اقتصادي، بأريحية تامة من فعل ذلك "، وفي كتاب "التعذيب عبر العصور" ترد هذه الفقرة الهامة في التمييز بين الإنسان والحيوان: " فالوحوشُ لا تقتلُ المخلوقات الأخرى من أجل الابتهاج والقناعة فقط، والوحوش لا تبني معسكرات اعتقال أو غرف غاز، ولا تعذب الوحوش أبناء جنسها إلى أن تهلكهم ".....
تقول جدة فلسطينية:" احنا أرواحنا فداء فلسطين واحنا كمان زي ما بيقولوا مشاريع شهادة، بس على المقابل وعلى الطرف الآخر، احنا برضو ناس بنحب الحياة احنا ناس عاوزين نعيش، قالها محمود درويش" نحن نحب الحياة ما استطعنا إليها سبيلا"، احنا بنحارب وبنقاوم عشان نحصل على الحياة مش بنحارب ونقاوم علشان نموت".واستكملت حديثها: "بنت أخويا عصفورة من عصافير الجنة اسمها عايدة طفلة عمرها أربع سنوات، ليه لما تكلمني تيجي تحكي لي وتقولى قولى للشمس تفضل انا ما بحبش الليل عشان بيحصل فيه مجازر، احنا على جروب العيلة الصبح لو الشبكة جمعت أو أي حد بيلقط معه الخط بتلاقيه بعت نقطة، النقطة بتدل إنه الحمد لله عايش، ولا بسألهم عملتوه إيه ولا عاملين إيه، خوفا من إنه تكون المكالمة مسجلة ومراقبة أقفل من هنا ألاقي صاروخ نازل عليهم من هنا".
لا حق لفلسطيني في علاج ومداواة لجروح وكسور أصابته جراء عمليات القصف المجنونة، فالمستشفيات تقصف، ولا حق في بيت وسكن فهي الأخرى تقصف وتنهار فوق ساكنيها، ولاحق في لقمة عيش فالمخابز تقصف وأمامها الجوعى بلا رحمة..
يذكر " جوزيه دي كاسترو " خبير تغذية في الأمم المتحدة في كتابه الهام " جغرافية الجوع "، أن تسلط الجوع التام على الإنسان يطور سلوكه إلى العنف مثل سلوك الحيوان تمامًا... والجوع يهدم الشخصية ويقضي على التجاوب الطبيعي بين الإنسان وجميع مؤثرات البيئة التي لا تمت بصلة إلى إشباع غريزة الأكل. أما العوامل الأخرى التي تصوغ السلوك البشري فلا يبقى لها أثر، وكذلك دوافع المحافظة على الحياة وتحكم العقل تختفي بالتدريج إلى أن ينتهي بانعدام كل حذر وكل وازعٍ من ضمير، وعندئذ يستحيل الإنسان، كما يقرر " شبنجلر "، أكثر مما يستحيل في أي وقتٍ آخر، إلى حيوانٍ ضارٍ..".
لقد بات المشهد على الأرض الفلسطينية مروعًا، وبات الناس يسألون: من الذي يربي ويطلق هذا الوحش المجنون ( الكامن في الإنسان ) على بني جنسه.. إن الذي حول الوحوش الضارية إلى مخلوقات مُسلية في السيرك، وجعل الفيلة تقف على رؤوسها، والأسود تقفز كالبهلوانات، قد اكتشف أنه يستطيع أن يُجري التحويل ذاته على الإنسان وتحويله إلى مخلوق متوحش مسلوب الإرادة للأسف !!
لاشك أن فورة الغضب الفلسطيني في السابع من أكتوبر قد أحدثت صدمة كاشفةلحالة خواء المؤسسات الإسرائيلية المعنية بالرد واستيعاب تبعات الضربة الحمساوية..
وعليه، كان إعلان إسرائيل حالة الحرب رسميًا، وهو مالم يحدث منذ حرب أكتوبر 1973، حيث شكلت أبعادالضربة المباغتة وتبعاتها كارثة أمنية لم تواجهها إسرائيل منذ إعلان قيامها في عام 1948.
وباتت تلك الحالة الهشة التي بدت عليها المؤسسة العسكرية من الوهن الذي استدعى على الفور إعلان واشنطن، على لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن، في مؤتمر صحفي خاص بأحداث غزة، أن الولايات المتحدة تقف بكل حزم إلى جانب إسرائيل، وهو نفسه ما أكد عليه وزير خارجيته أنتوني بلينكن.
وبقراءة الكاتب " حسين معلوم " يرى أن الأمر قد وصل إلى حد إرسال حاملة الطائرات الأمريكية “جيرالد فورد” إلى المنطقة، وهي أقوى حاملة طائرات في العالم؛ بما يعني أن الأمور لن تقتصر على محاولات إسرائيل ل " رد الاعتبار" إلى جيشها، الذي ما يزال يُعاني من زلزال أكتوبر الأول قبل 50 عامًا.
ويبدو، أن إرسال حاملة الطائرات الأمريكية، يؤشر إلى تداعيات للحرب؛ لن تقف عند حدود مستقبل قطاع غزة، ومستقبل حركة حماس في غزة، وعلاقة غزة بإسرائيل؛ بل أيضا يحمل تحذيرًا واضحًا لأطراف أخرى في الإقليم، فيما لو تدخلت في هذه الحرب، وفي مقدمتها حزب الله اللبناني، وإيران.
وقد أدانت جمهورية مصر العربية بأشد العبارات، الاستهداف الإسرائيلي اللا إنساني الأخير، الذي طال مربعًا سكنيًا بمخيم جباليا، مما أسفر عن سقوط ما يزيد عن 400 مدني ما بين شهيد وجريح وفقًا للتقديرات الأولية، واعتبرت مصر ذلك انتهاكًا صارخًا جديدًا لقوات الاحتلال الإسرائيلية لأحكام القانون الدولي والقانون الدولي الإنساني، يُزيد من الأزمة الراهنة تعقيدًا ويُنذر بعواقب وخيمة يصعب تداركها على كافة المستويات.
وحذرت مصر من مغبة استمرار تلك الهجمات العشوائية التي تستهدف المدنيين العزل في أماكن إيوائهم وبمحيط المراكز والمستشفيات الطبية التي يلجئون إليها هربًا من القصف الإسرائيلي العنيف والمتواصل، ودون أي اكتراث بالأرواح التي تُزهق، وبشكل يفاقم من الأوضاع الإنسانية المتأزمة والمتدهورة في القطاع.
ونتابع عبر كل وسائل الميديا هذا الانحياز والتعاطف الغريب من قبل دول الغرب وبشكل خاص التابع أوتوماكيًا للأريكان في كل الأحوال، وقد يكون الهاجس الانتخابي من بين الأسباب الرئيسية التي تقف وراء مسارعة النخب الغربية للانحياز لإسرائيل ودعمها، حسب محللين. إذ في دولة مثل ألمانيا، التي كانت مسرح جرائم الإبادة التي شهدها اليهود على يد النظام النازي، يعتبر 57% من الألمان أن بلادهم مسؤولة بشكل خاص اتجاه سلامة إسرائيل، وفق آخر الاستطلاعات، مقارنة بـ 33% في عام 2012.
بينما الوضع في فرنسا لا يختلف كثيرًا عن نظرائهم الأوروبيين، حيث يدعم نسبة كبيرة من الفرنسيين رد الفعل الانتقامي الإسرائيلي ضد الفلسطينيين، وفق ما أوضحت استطلاعات رأي لقناة "BFMTV".
وتدخل هذه الأرقام في حسابات النخب السياسية الأوروبية، بحيث يتفادون أن تكلفهم الكثير انتخابيًا. كما يتفادون أن تستعمل مواقفهم كأداة ابتزاز سياسي من قبل خصومهم، مثل الحملة التي يشهدها حزب "فرنسا الأبية" لرفضه إدانة المقاومة الفلسطينية، وهو ما عرضه لانتقادات واسعة واستهداف إعلامي.
وتنفق إسرائيل ملايين الدولارات على لوبياتها ومنظماتها الرقابية في أوروبا، من أجل ملاحقة والتشهير بالسياسيين المتعاطفين مع القضية الفلسطينية. وحسب بروفيسور علم الاجتماع السياسي في المعهد العالي للدراسات الدولية في جنيف، ريكاردو بوكو، فإن "أدوات إسرائيل الرقابية تلعب دور كلاب حراسة، إذ تعمل في الكواليس على عمليات تضليل إعلامي واسعة، كما تقوم بعمليات تشهير ضد الأفراد والمؤسسات التي تناضل من أجل حقوق الإنسان في فلسطين".
ومن جانب آخر، يتطلع القادة الأوروبيون بأن يلعب إعلان دعمهم لإسرائيل، دورًا رادعًا للأطراف الإقليمية من أجل الدخول في الحرب وتوسيع رقعتها، وبالتالي موجة لاجئين جديدة. وهو ما يؤكده أيضًا مقال رأي على موقع "بلومبيرغ"، إذ يوضح بأن "قادة الاتحاد الأوروبي يخشون من أن تؤدي حرب إقليمية إلى موجة جديدة من اللاجئين الذين يطلبون اللجوء في أوروبا".