أيمن زكى
في مثل هذا اليوم تنيح القديس البار أنبا أبيب العابد المجاهد رفيق القديس أنبا ابوللو المشتبه بالملائكة
حياتهما تمثل قصة الصداقة الروحية الحقة، حيثُ يلتقي الاثنان معًا في حبهما للرب، وميلهما للتأمل، وعشقهما للملكوت. يمارسان الصداقة في أعمق صورها لبنيان النفس.
و كان أنبا أبيب تقيًا من حداثته، يمارس الحياة النسكية، محبًا لافتراش الأرض، ميّالًا لحياة الوحدة يقضي وقته في دراسة الكتاب المقدس والتأمل مع الصلاة.
وكان والده يوبخه، سائلًا إياه إلا يكرس كل وقته للعبادة حتى يقدر أن ينال مركزًا مرموقًا في المجتمع كإخوته، فكان يتقبل التوبيخ في هدوء داخلي وصمت. كان والده وإخوته يتعجبون فيما بينهم على رقة أحاسيسه وهدوئه العجيب بالرغم من تظاهرهم بتوبيخه.
ولما اشتد المرض جدًا بالوالد وكان قد غضب من ابنه بسبب ميله للوحدة والعبادة، فأصر الأبناء أن يلتقي الوالد بأخيهم، وإن كانوا قد خشوا من ثورة أبيهم على أبيب وسط مرضه الشديد. وبالفعل جاء أبيب وكله حياء وهدوء، وإذ ناداه والده، قال للابن: "صلِ يا بني إلى الرب لكي لا يحاسبني على ما سببته لك من أحزان وضيقات، لقد كنت أنت تطلب الله وحده، أما أنا فكنت أسلك بأحاسيس بشرية"، وكان الأب ممسكًا بيدي ابنه مجهشًا بالبكاء.
وجمع الأب أولاده ليشير إلى أخيهم أبيب، وهو يقول: "من الآن هذا هو أبوكم ومعلمكم، اسلكوا بضمير حيّ حسبما يقول لكم، وها أنتم ترثون أملاكي كما أوصيت لكل واحد منكم".
تأثر الأبناء جدًا وتجلت الأبدية أمام أعينهم بينما كان والدهم يسلم الروح، عندئذ استلم أبيب الميراث ووزعه عليهم أما نصيبه فقدمه للفقراء.
اما أنبا ابوللو فقد ولد في مدينة أخميم واسم أبيه أماني وأمه إيسي. وكانا كلاهما بارين أمام الله، سائرين في طرقه، محبين للغرباء والقديسين، ولم يكن لهما ولد. وفي إحدى الليالي رأت أمه في حلم كأن إنسانا نورانيا، ومعه شجرة قد غرسها في منزلها، فكبرت وأثمرت. فقال لها "من يأكل من هذه الثمرة يحيا إلى الأبد. فأكلت منها فوجدتها حلوة المذاق". فقالت تري أيكون لي ثمرة؟ ولما استيقظت من النوم أعلمت زوجها بما رأت. فعرفها انه هو أيضًا قد رأي هذا الرؤيا عينها. فمجدا الله كثيرا، وزادا في برهما ونسكهما، وكان طعامهما خبزا وملحا، وكانا يصومان يومين يومين، وبعد أيام حبلت فكانت تصلي كثيرا إلى إن ولدت طفلا، فأسمياه أبللو وزادا في برهما أكثر.
ولما نشا الصبي وتعلم العلوم اللاهوتية اشتاق إلى الرهبنة. ولم يزل يزداد عنده هذا الشوق حتى اجتمع بصديقه أبيب. فذهبا معا إلى بعض الأديرة وترهبا هناك. وكانا يمارسان نسكيات كثيرة، وسارا سيرة حسنة مرضية لله
وعاش كل منهما في قلاية، يلتقيان من وقت إلى آخر ليسندا بعضهما بعضًا في الرب، وإذ مرض أبيب واشتد به المرض، أسرع إليه أبوللو ليساعده في مرضه، في بشاشة وسط الآلام القاسية اعتذر أبيب لأبوللو قائلًا له: "اتركني يا أخي بمفردي مع الرب، وعندما تحين ساعتي أناديك".
امتلأت عينا أبوللو بالدموع وهو ينسحب من قلاية أخيه مدركًا أنه يفقد سندًا له في جهاده وأخًا معزيًا له، لكن إدراكه للملكوت وثقته في صلوات أخيه عنه في الفردوس ملأته تعزية.
أرسل إليه أبيب يستدعيه، وإذ دخل قلايته سمعه يقول بصوت خافت: "آه، أسرع، تعال سريعًا، إلى اللقاء في الفردوس!" ولم يجد أبوللو فرصة إلا ليقبله فيجد نفس أخيه منطلقة.
وهنا يليق بنا أن نقف قليلًا أمام هذا الحدث الأخير، فكلنا يدرك مدى حاجة الإنسان إلى محبيه في وقت المرض، خاصة إذا اشتد وشعر أنه مرض الموت... لكن القديس أبيب وقد أُمتصت كل مشاعره في الرب، وارتفع قلبه الملتهب حبًا نحو عريسه السماوي لم يعد يشعر بحاجة إلى شيء وسط المرض الشديد. لقد أحب أخاه أبوللو جدًا، واشتاق أن يراه قبل أن يعبر هذه الحياة، لكنه لا يريد أن يشغل أخاه في لحظاته الأخيرة عن تأملاته في الرب وسط مرضه.
أما القديس أبللو فقد مضي إلى جبل ابلوج، واجتمعت حوله جماعة كثيرة، وكان يعلمهم خوف الله والعبادة الحسنة. وفي بعض الأيام كانوا يحتفلون بتذكار القديس أنبا أبيب، ليتم قول الكتاب المقدس "الصديق يكون لذكر ابدي، وذكر الصديق للبركة".
وقيل أنه في ذكرى نياحة القديس أبيب، قال أخوه أبوللو: "إن من يصلي للسيد المسيح اليوم طالبًا صلوات القديس أبيب يُستجاب له"، فتشكك البعض بسبب كثرة حديثه عنه... ولكن إذ رقد أحد الرهبان في ذات اليوم ذهب الكل إلى جثمانه لينالوا بركته، فجأة قام الراهب ووبخ المتشككين في كلمات القديس أبوللو بلطف ثم عاد فرقد، فامتلأ الكل من مخافة الله
وعاش أنبا أبللو بعد ذلك سنين كثيرة وصار له عدة أديرة واخوة كثيرين. وكان في زمان القديس مقاريوس الكبير الذي لما سمع به فرح، وكتب له رسالة يعزيه هو والاخوة، ويثبتهم علي العمل بطاعة الله وفيما هو يكتب الرسالة عرف أنبا أبللو بالروح، وكان حوله جماعة كثيرة يتحدثون بكلام الله. فقال لهم "اصمتوا يا اخوة. هوذا العظيم أبو مقار قد كتب لنا رسالة مملوءة عزاء وتعليما روحانيا". ولما وصل الأخ ومعه الرسالة، تلقوه فرحين ثم قراؤها فتعزت قلوبهم.
والقديس أبللو هو الذي مضي إلى القديس أنبا أمونيوس وشاهد القديسة التي دعاها الساذج التي وقفت وسط اللهيب ولم تحترق.
ولما أراد السيد المسيح إن يريحه من أتعاب هذا العالم تنيح بسلام.
بركه صلاتهم تكون معنا آمين...
و لآلهنا المجد دائما أبديا آمين...