ماهر عزيز
مائير بن شابات رجل المخابرات الاسرائيلية القوي ، ومستشار الأمن القومي الاسرائيلي ، ورئيس مركز الأبحاث الاستراتيجية والسياسية بإسرائيل - الذي يعمل بمثابة العقل المفكر للموساد - قدم خطة جديدة لنقل الفلسطينيين من غزة إلي عديد من المدن المصرية التي تشتمل إجمالا علي أكثر من 9 ملايين شقة سكنية غير مسكونة ، تتسع لحوالي 6 ملايين فرد ، بينما أهل غزة يتراوح عددهم بين 1.5 و 2.2 مليون نسمة .
يستند هذا الاقتراح علي حقيقة ناصعة وهي الابتعاد تماما عن المساس بسيناء ، كما أنه لا يوطن الكتلة البشرية الفلسطينية كلها في مكان واحد ، يشكلون فيه خطر تكوين جيتو مستقل يعمل لحسابه الخاص.
وفي المقابل تحصل مصر علي حوالي 30 مليار دولار تساعدها في الخروج من عنق الزجاجة الاقتصادي الذي يطحنها .
عند هذا الحد تنتهي ورقة المقترح الشاباتي بتصور أن هذا العرض لابد وأن يقبل به الرئيس السيسي للخروج من الكارثة التي تهدد مصر وشعبها الآن علي نحو مروع.
للوهلة الأولي يبدو هذا المقترح وجيها وملائما .. إذا أمكننا الحفاظ علي حل الدولتين وعدم تصفية القضية الفلسطينية البتة ...
خاصة وأن مصر بها أكثر من 16.5 مليون مهاجر من خمس جنسيات عربية ، ينتشرون في مصر كلها ، ويعيشون بين المصريين كأنهم منهم ، إحداها الجنسية الفلسطينية بتعداد قد يصل إلي 2 مليون أو أكثر .. ولذلك يتسق هذا المقترح تماما مع هذه الوضعية ، ولا يتناقض في أي شيء مع أمن مصر والمصريين .
لكن التفكير المتأني يقف علي تضمينات كثيرة لا يمكن لهذا الحل أن يكتمل بدونها :
1 - فعدد 2.2 مليون نسمة إضافية يشكلون عبئا علي حصة مصر من المياه .. فكيف ندبر لهم المياه المطلوبة ؟
هل تستطيع إسرائيل وأمريكا أن تعيدا صياغة اتفاقيات المياه في وادي النيل ، خاصة مع أثيوبيا ، بحيث تحصل مصر علي حصة لاتقل عن 70 مليار متر مكعب دون نزاع ، وتحل مشكلة سد النهضة نهائيا بالاتفاقيات الجديدة ؟
2 - وعدد 2.2 مليون نسمة إضافية يحتاجون حصة مضافة من الغذاء ، فهل يشتمل مشروع التهجير علي أن تقوم إسرائيل وأمريكا باستصلاح مليون فدان جديدة في الصحراء الغربية ، واستزراعها لتوفير الغذاء لهذا العدد المضاف إلي سكان مصر ؟
3 - وعدد 2.2 مليون نسمة إضافية يحتاجون أشغال جديدة في الصناعة والزراعة والتجارة والأعمال المتوسطة والصغيرة ، فهل يشتمل مشروع التهجير علي أن تقوم إسرائيل وأمريكا بإنشاء هذه الأعمال كلها بما فيها المناطق الصناعية والصناعات والأعمال اللازمة لهذا العدد من المهاجرين الجدد ؟
4 - وعدد 2.2 مليون نسمة إضافية يحتاجون إلي إضافات مهمة في مشروعات البنية الأساسية للإمداد بالمياه والصرف الصحي والكهرباء والاتصالات والنقل المطلوبة لهؤلاء المهاجرين في أماكنهم الجديدة ، فهل يشتمل مشروع التهجيرعلي أن تقوم إسرائيل وأمريكا بالوفاء بمشروعات البنية الأساسية الجديدة لهذا العدد من المهاجرين الجدد ؟
5 - وعدد 2.2 مليون نسمة إضافية يحتاجون مدارس من مختلف المستويات وجامعات يتعلم فيها أبناء هذا العدد من السكان الجدد ، فهل يشتمل مشروع التهجير علي أن تقوم إسرائيل وأمريكا ببناء مدارس ومعاهد التعليم المطلوبة لهذا العدد المضاف من السكان ؟
6 - وعدد 2.2 مليون نسمة إضافية يحتاجون إلي هياكل البنية الأساسية الصحية من مستشفيات وعيادات وصيدليات تكفي احتياجات هؤلاء الوافدين الجدد ، فهل يشتمل مشرع التهجير علي أن تقوم إسرائيل وأمريكا بمتطلبات البنية الأساسية الصحية الجديدة ؟
من ناحية أخري لا يمكن لمبلغ 30 مليار دولار أن يحل كارثة الاقتصاد الوطني بدءا من تسديد ديون تصل إلي 160 مليار دولار وانتهاء بصاعقة انهيار العملة المصرية .
لقد نالت أوكرانيا من أمريكا في مجرد عملية عسكرية محدودة أكثر من 200 مليار دولار ، فلا أقل من أن تحصل مصر علي 500 مليار دولار لتقديم حل سلام نهائي لدولة إسرائيل ، وحل أهم مشكلاتها الأمنية .
هاجس كبير آخر يرتبط بهذه العملية وهو ضرورة ضمان ألا تتسلل إيران مرة أخري إلي هذه الكتلة البشرية لتكوين حماس جديدة علي الأرض المصرية تكون خنجرا في ظهر مصر والشعب المصري في مستقبل الأيام .
لكن الأمر لا ينتهي عند هذا الحد فأمر كهذا هو أمر جلل يتداخل مع مستقبل مصر والمصريين ، ولا يمكن اعتماده إلا بمناقشته باستفاضة في مجلس النواب ، وطرحه للمفكرين المصريين .. فإذا كانت الموافقة من نصيب هذا المشروع ، لابد من تشكيل مجلس أمناء سيادي مصري يشرف علي الإصلاح الاقتصادي بالدولة ، ويضمن صرف أى مبلغ دولاري من 500 مليار دولار تحصل عليها مصر في مصارفها الضرورية ، بحسب مخطط الإنقاذ المأمول ، ويضمن بالضرورة تنفيذ سياسات جديدة لنهضة جديدة في الاقتصاد والاجتماع بمصر تتأسس علي إنهاء قبضة الجيش تماما علي الاقتصاد المصري ، وعودة الجيش إلى مهامه الرئيسية في الحفاظ علي حدود مصر وأمن الوطن ، وتحرير القطاع الخاص دون التدخل مطلقا في أعماله ، اللهم إلا من خلال قواعد وقوانين تضبط نشاطه وتؤمن مراقبته ، وضمان سيادة القواعد المالية السديدة في إدارة الاقتصاد ، وسداد كل ديون مصر ، والنهوض العاتي بالصناعة والزراعة والسياحة والتجارة لنقل مصر سريعا إلي ماتستحقه من مكانة رفيعة بين الأمم.
هذا مجرد تصور افتراضي حيال مثل هذا المقترح في حال تصور قبوله .. لكن محاذير عديدة أخري قد تحف به ، تجعل من رفضه الخيار الوحيد المقبول ، أو تتخذ من الإجراءات الاحترازية ما يضمن تحقيق فائدة خالصة لصالح مصر والأشقاء الفلسطينيين .