ياسر أيوب
منذ أربعين سنة.. كان ليام ستيرنبيرج فوق سطح باخرة اصطدمت فى القنال الإنجليزى بأمواج عالية.. ولكى يحافظ الركاب على توازنهم، فردوا أذرعتهم، وتمايلوا مع الباخرة.. ولأن «ليام» كان معجبًا بحركات المصريين المرسومة فوق جدران معابدهم.. فقد تخيل ركاب الباخرة يمشون مثل المصريين، وكتب بالفعل أغنية بهذا المعنى.
ولم يتحمس كثيرون لأغنية تحمل اسم «امْشِ مثل المصريين»، ولم ييأس «ليام»، وانتظر ثلاث سنوات، حتى قرر فريق بانجلز الغنائى الأمريكى تقديم هذه الأغنية فى 1986.. والمفاجأة كانت نجاحًا هائلًا للأغنية، التى تصدرت سباقات الأغانى فى العالم كله.. ويحتاج المصريون الآن لهذا المشى سواء قلدهم العالم أم لا، ففى زمن صعب وأجواء مشحونة بالقلق والتوتر بسبب ما يجرى فى غزة.. يحتاج المصريون إلى أن يبتعدوا قليلًا عن تليفوناتهم وشاشاتهم لممارسة، ولو القليل، من المشى.
وليس هذا تسطيحًا أو استخفافًا بما يجرى حولنا، إنما مجرد محاولة لمواجهة هذا التوتر.. فالمشى يساعد الجسم على إفراز هرمونات إندوكانابينويدز، التى تقاوم التوتر والقلق وأعراض الاكتئاب.. وكان الألمان فى جامعة هامبورج هم أول مَن اكتشفوا ذلك فى 2021، ثم توالت بحوث وتجارب أوروبية وأمريكية أكدت صحة ذلك وأن المشى يساعد على تقليل التوتر وتحمل ضغوط الحياة ومخاوفها.
وهناك بعيدًا عن البحوث والتجارب، كتاب ممتع للدكتور الأيرلندى شانى أومارا، أستاذ المخ والأعصاب، عن المشى، وكيف يحافظ على المخ والأعصاب والذاكرة والقلب.. وكتاب آخر للأستاذ الفرنسى فريدريك جرو، عن فلسفة المشى، وصفاء النفس والروح.. حتى التاريخ قدم لنا مزايا للمشى والحركة والمجهود البدنى، الذى نطلق عليه الآن اللعب.. فبعد وقت طويل من البحث والتحليل.
اكتشف أستاذ التاريخ الهولندى يوهان هاوزينخاه أن هذا اللعب هو الذى قاد الإنسان القديم إلى استكشاف معانٍ وقيم كثيرة، مثل العدل والوقت والعلاج والترفيه والمنافسة والانتصار وابتكار حياة جديدة حافلة بالفنون والنشاطات.. وأن اللعب كان أول نشاط يمارسه الإنسان بعد الصيد والهرب من الحيوانات والأعداء.. ولم يعرف الإنسان القديم فى حياته البدائية أى نظام إلا حين بدأ يلعب.
ومع اللعب عاش الإنسان لأول مرة مختلف المشاعر، لكنه لم يضحك إلا حين بدأ يلعب.. وهذا ما فسره العلم فى سنواتنا الأخيرة.. ومنذ سنتين فقط.. أكد الأطباء أن المشى هو أفضل علاج لضباب المخ.. وهو مصطلح طبى كان أول مَن استخدمه هو الطبيب البريطانى جيمس تونستال فى 1850 باعتباره حالة نفسية يفقد فيها الإنسان هدوءه واستقراره.. وأصبح الآن طبيًّا هو مجموعة الأعراض الصحية والنفسية والاجتماعية نتيجة ضغوط متزايدة لحياة حافلة بالتوتر والقلق والأخبار المزعجة.
نقلا عن المصري اليوم