هاني لبيب
فى 18 أكتوبر الجارى، أعلنت وزارة الثقافة على صفحتها الرسمية على السوشيال ميديا تأجيل إقامة فعاليات الدورة 45 لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى، المقرر فى الفترة من 15 إلى 24 نوفمبر 2023. كما قررت الوزارة تأجيل إقامة فعاليات الدورة 32 لمهرجان ومؤتمر الموسيقى العربية المقرر إقامته من 24 أكتوبر الحالى إلى 2 نوفمبر القادم. وتم تبرير ذلك بسبب الأحداث المأساوية التى يمر بها الشعب الفلسطينى منذ 7 أكتوبر إلى الآن.
أستطيع أن أتفهم وأتقبل إلغاء مهرجان الموسيقى العربية لأنه فى نهاية الأمر مهرجان عربى- عربى بالدرجة الأولى، كما أنه إحياء للتراث الغنائى العربى، ويقتصر على الأغانى، فهو محدد بكل الأحوال. ولكنى فى الوقت نفسه، أعتب على وزارة الثقافة والفنان القدير حسين فهمى بصفته رئيسًا لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى على قرار الإلغاء.
علمت من بعض الأصدقاء المعنيين بأمر المهرجان أن المخرج أمير رمسيس، «مدير المهرجان»، لم يعلم بإلغاء إقامة المهرجان فى موعده، ولم يتم التنسيق معه من أجل التواصل مع المشاركين للتفاهم حول الأفلام وعدم تقديمها لمهرجانات سينمائية منافسة عربية أو دولية. وقبل ذلك كله، فإن تأجيل المهرجان لأجل غير مسمى هو أمر مستحيل عمليًّا لأنه بهذا الشكل لن تُحتسب دورة المهرجان فى الأجندة الدولية للمهرجانات.. إلا فى حالة لو أُقيمت فى موعدها أو بالقرب منه.. بشكل لا يُربك جدول المهرجانات المدرجة على الأجندة، ولا يتقاطع معها.
الواضح أن هناك نية للإلغاء تحت بند التأجيل كما أعلنت الوزارة لأن إدارة المهرجان قد أعادت إلى الصحفيين الرسوم المالية لإصدار كارنيهات المهرجان، كما أعادت إلى الرعاة المقدمات المالية المدفوعة. وهى بالمناسبة الصيغة نفسها «تأجيل» وليس «إلغاء» التى استخدمتها الوزارة مع مهرجان الموسيقى العربية.
ترى، ما حقيقة ما يدور الآن فى أروقة وزارة الثقافة بأن سبب إلغاء المهرجان الحقيقى هو الأزمة المالية..؟، فالمهرجان لم يسدد باقى المستحقات المالية لدورة 2022 إلا فى أول أغسطس 2023، وذلك على غير المعتاد فى الدورات الخمس السابقة، التى أُغلقت فيها حسابات المهرجان قبل مرور 45 يومًا على ختام فعالياته. ومما يدل على التعثر الإدارى فى جوانبه المالية أن أحد المصورين قد رحل وهو ينتظر مستحقاته ويحتاجها للعلاج. ومن المعلوم أيضًا وجود أزمة فى ملف الرعايات، وعدم وضع تغيرات سعر الدولار فى الاعتبار أثناء الإعداد للمهرجان، وهو العامل الرئيسى فى تراجع مستوى المهرجان.
والسؤال المنطقى هنا: هل جاءت الأحداث.. كفرصة من السماء للقفز على الأسباب السابقة؟!. ومع ملاحظة أنه إذا كان أمر التأجيل أو الإلغاء بسبب أحداث غزة.. فلماذا لم يتم إلغاء مهرجان المسرح الجامعى، الذى افتتح فعالياته فى 24 أكتوبر الجارى؟!، ولماذا لم يتم تأجيل أو إلغاء مهرجان شرم الشيخ للمسرح، المقرر انطلاقه شهر نوفمبر القادم؟!. أعتقد أن إلغاء مهرجان القاهرة السينمائى الدولى هو انتقاص من دور القوة المصرية الناعمة وتأثيرها، والذى كان من المفترض استغلاله وتوظيفه لدعم الموقف الوطنى للدولة المصرية فى الفترات الحرجة للمواجهات والأزمات. كان يمكن لمهرجان القاهرة السينمائى الدولى أن يكون بمثابة رسالة للعالم من مصر أرض السلام.. رسالة توضح ما يحدث للشعب الفلسطينى فى مواجهة تلك الصورة المغلوطة مما يحدث أمام مرئى ومسمع من العالم الذى يتجاهل واحدًا من أكبر الانتهاكات الإنسانية.
فى تقديرى أن قرار تأجيل أو إلغاء المهرجان.. أضاع فرصة لا مثيل لها فى توجيه رسالة مباشرة إلى أهم صناع السينما فى العالم من الفنانين والمخرجين وكُتاب الدراما وصُناعها لتوضيح الموقف الوطنى الإنسانى المصرى، وما كان يمكن أن يؤثر فيهم باعتبارهم من أهم صُناع الوعى عالميًّا ليكون لهم موقف مساند للقضية الفلسطينية عند عودتهم لبلادهم. ولست معنيًّا هنا بالحديث والمقارنة عن إلغاء «مهرجان قرطاج» بتونس و«مهرجان ليلة العمر» بالكويت.. فلكل مهرجان مقام ولكل دولة توجهات ورسالة.
كان من الممكن إعداد تخطيط جيد يساند ما سبق من خلال إطلاق المهرجان وافتتاح فعالياته بصورة تليق بالأحداث الجارية، أى دون إقامة حفل افتتاح وختام ضخمين، واختيار موسيقى تعبر عن مصر وفلسطين بدلًا من الاحتفال الموسيقِى المعتاد. واختيار شخصيات وكلمات محددة فى الافتتاح. وكان من الممكن أيضًا تخصيص برنامج لأفلام فلسطين أو اختيار شخصية فلسطينية رئيسًا للجنة التحكيم أو للتكريم مثل وليد سيف عن منجزه الإبداعى «التغريبة الفلسطينية».
النتيجة الآن أننا ببساطة.. كبلنا بكامل إرادتنا الثقافية واحدة من أهم قوانا الناعمة من خلال تأجيل أو إلغاء مهرجان القاهرة السينمائى الدولى.. الذى لم يُلغَ سوى مرة أو مرتين فقط حسبما أذكر منذ تأسيسه وانطلاقه سنة 1976 على يد الكاتب القدير كمال الملاخ.
نقطة ومن أول السطر..
مجرد استفسار ساذج: هل هناك علاقة بين تأجيل أو إلغاء مهرجان القاهرة السينمائى الدولى لصالح كيانات أخرى غير مصرية..؟، خاصة أن أحد تلك المهرجانات المقررة إقامته بعد انتهاء مهرجان القاهرة السينمائى (فى موعده السابق) بـ8 أيام فقط قد تم بالفعل توجيه الدعوات إلى المشاركين فيه منذ عدة أيام.
نقلا عن المصري اليوم