ياسر أيوب
كان نير بيتون لاعب كرة القدم الإسرائيلى في نادى مكابى تل أبيب ومنتخب إسرائيل هو صاحب أغرب اتهام موجه لجماهير نادى سلتيك الاسكتلندى.. الجماهير التي أصرت على أن ترفع أعلام فلسطين في كل مباراة لناديها سواء في الدورى الاسكتلندى أو دورى أبطال أوروبا.. ولم تكتفِ جماهير سلتيك بأعلام فلسطين، إنما بدأت أيضًا تهتف وتطالب بالحرية لها، وخصصت صندوقًا لجمع التبرعات لمصلحة أهلها.
ومثلما أسعدنا سلوك جماهير سلتيك كان هناك مَن أزعجه وأغضبه ذلك.. ولم يكتفِ «بيتون» بالاستياء واستنكار ما يجرى، إنما اتهم جماهير سلتيك بأنهم كانوا ولا يزالون ضحايا لغسل دماغ جعلهم لا يرون الحقائق ولا يعرفون مَن الظالم أو المظلوم.. ولم يكن فقط اتهامًا كاذبًا وساذجًا، لكنه كان دليلًا على مدى صدمة كثيرين لم يتوقعوا فشل الإعلام الغربى هذه المرة سواء في أوروبا أو الولايات المتحدة.
إعلام لم يستطع هذه المرة إثبات أن الإسرائيليين هم ضحايا يستحقون التعاطف والعرب هم الأشرار والمجرمون.. ولا يدرى نير بيتون وكل مَن هم مثله أن اتهامهم لجماهير سلتيك بأنهم ضحايا غسل الدماغ، رغم عدم صحته، فإنه دليل جديد على فشل هذا الإعلام الغربى. وقبل التوقف أمام مصطلح غسل الدماغ، لابد من التأكيد أولًا على أن ما تقوم به جماهير سلتيك ليس جديدًا لأسباب كثيرة، منها دوافع تاريخية وأخرى إنسانية، وبالتأكيد يعرف «بيتون» ذلك.
وقد قضى تسع سنوات في سلتيك قبل انتقاله إلى مكابى.. والتأكيد ثانيًا على أن الفلسطينيين والعرب كلهم لا يملكون حاليًا القدرة على غسل دماغ أي شعب أوروبى.. فذلك يحتاج مالًا كثيرًا ووقتًا طويلًا وإعلامًا قويًّا باستطاعته التلاعب بالحقائق.. وقال الكاتب الأمريكى إدوارد هانتر إن الصينيين هم أول مَن ابتكر في 1950 تعبير غسل الدماغ، ثم أصبح الأمريكيون أكثر مَن قاموا بنجاح بهذا الغسل.
ويبقى كتاب الدكتورة كاثلين تايلور، أستاذة أكسفورد لعلم النفس وعلم الأعصاب، هو أشهر وأهم الكتب عن غسل الدماغ.. وقيمة كتاب «كاثلين» هي أنه ناقش غسل الدماغ بشكل عام في مختلف المجتمعات ومجالات الحياة وليس في أمور وقضايا سياسية فقط.. وأهم ما قالته «كاثلين» إن غسل الدماغ علم حقيقى، وليس خرافة روج لها أصحاب نظريات المؤامرة أو ظروفًا وصراعات سياسية حادة ومعقدة.
وإن العقل البشرى ليس صلبًا كالألماس كما كنا نظن، بينما هو في الحقيقة كالطين اللين، الذي يسهل تشكيله أو إعادة تشكيله أكثر من مرة.. وغسل الدماغ هو باختصار القدرة على تغيير قناعات وأحكام فرد أو مجتمع، ويبقى الجميع واثقين أنهم قاموا بذلك من تلقاء أنفسهم، دون أن يكتشفوا أنه تم التلاعب بهم لمصلحة آخرين.
نقلا عن المصري اليوم