فتحية الدخاخني
بينما تطالعنا أنباء الحرب على غزة وما تُخلفه من ضحايا أبرياء، نقف مصدومين أمام مجتمع دولى عَدَّنا نوعية أقل من البشر، غير مُجرَّم قتلها وإبادتها، مع سيل من الأوصاف التي تقلل من إنسانيتنا، باعتبارنا «جماعة بربرية وحشية»، وما إلى ذلك من صفات رددها مسؤولون ونقلها الإعلام. نقف مندهشين من موقف الغرب المتقدم، ونتساءل كيف تخلى عن مبادئ حقوق الإنسان والقانون الدولى، التي طالما تشدق بها، وعيّن نفسه حارسًا عليها، موجهًا انتقادات وتهديدات لكل مَن تخول له نفسه انتهاكها، كيف لم ينتفض العالم لوضع حد لقتل النساء والأطفال والمرضى في المستشفيات، وهو الذي طالما اعتبر نفسه نموذجًا للدفاع عن المستضعفين والمُهمَّشين؟!. نتابع باستغراب دعمه اللانهائى لإسرائيل، ومنحها الضوء الأخضر لإبادة شعب بأكمله، دون أن يهتز له جفن. يقف المجتمع الدولى صامتًا أمام سياسات تجويع وحصار على الأرض وقصف صاروخى من السماء، لا يسعه أن يقول للمعتدى كفى؛ بل على العكس يستخدم ذلك الحق المسمى «فيتو» ضد أي محاولة لوقف نزيف الدم. وفوق كل هذا يساند خططًا لتهجير الفلسطينيين قسريًّا من أرضهم، وهو الذي طالما أصدر تقارير «حقوقية» ترفض أي نوع من التهجير القسرى.
مواقف سياسية واضحة تُعيد إلى الأذهان صورة «الرجل الأبيض» المستعمر القادم من الشمال للسيطرة على ثروات الجنوب.
هذه المواقف انعكست على وسائل الإعلام الغربية، التي جعلت شغلها الشاغل «إدانة حماس»، والتعاطف مع قتلى إسرائيل، وعرض قصصهم ومعاناتهم فردًا فردًا، وحتى الانتباه لانزعاج حيواناتهم الأليفة من الحرب، بينما تجاهلت آلاف القتلى الفلسطينيين، مكتفية بذكرهم كرقم، يتزايد من دقيقة لأخرى، فعلى ما يبدو أنهم في مرتبة أقل، ولا تستحق قصصهم أن تُروى. انهارت مبادئ الحياد والموضوعية والمعايير المهنية، التي لطالما رفعها الإعلام الغربى، مقدمًا نفسه نموذجًا للإعلام الحر، لتظهر الحرب أن حريته تلك رهن أجندات سياسية واقتصادية.
لكن لماذا صدمنا موقف «الرجل الأبيض»، أليس هو مَن افتعل الصراع بزرعه إسرائيل في المنطقة ومنحها أرضًا لم يكن يملكها، أليس هو مَن اعتاد ممارسة سياسة المعايير المزدوجة في التفريق بين قتلانا وقتلاهم، حقوقنا وحقوقهم، أليس في تاريخه الاستعمارى تجاهل لحقوق أصحاب الأرض، وحتى إبادة سكانها الأصليين؟!.
أفقدتنا الحرب على غزة الثقة في كل ما كانت تروج له المنظومة الغربية من معايير إنسانية وحقوقية، في كل تقاريرها وانتقاداتها لسياسات الدول الأخرى بدعوى حماية حقوق الإنسان في كل مبادئ الديمقراطية، التي ملأ الكون حديثًا عنها وعن احترام إرادة الشعوب، فهو لم ينظر لمطالب آلاف المتظاهرين في عواصم العالم، بل على العكس مارس قمعًا لحريتهم في التعبير، متهمًا إياهم بـ«دعم الإرهاب». أسقطت الحرب القناع عن وجه الغرب، وقضت على سنوات من محاولاته تجميل صورته الاستعمارية لتؤكد أنه لا يزال يفكر بعقلية «الرجل الأبيض»، الساعى للهيمنة، والمتجاهل لإنسانية الآخرين.
نقلا عن المصري اليوم