الأب رفيق جريش
وزير خارجية إسرائيل، إيلى كوهين، خاطبَ الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش فى جلسة مجلس الأمن، يوم الثلاثاء الماضى، صارخًا، بل «رادحًا»: «سيدى الأمين العام.. فى أى عالم تعيش؟»، مطالبًا إياه بالاستقالة أو الإقالة.. فقد كان خطاب الأمين العام خطابًا قويًا، لا تملق فيه.. وهذه الواقعة ذكّرتنى بما تم مع المرحوم الدكتور بطرس بطرس غالى، الأمين العام الأسبق، الذى تصدى لسياسات الولايات المتحدة الأمريكية، ووزيرة خارجيتها مادلين أولبريت، فكان مصيره عدم تجديد ولايته إلا نصف مدة فقط.. وهكذا تكشر الصهيونية عن أنيابها لكل من يقول الحق.
وقد وصل التجاوز الإسرائيلى إلى مطالبة أنطونيو جوتيرتش، الأمين العام للأمم المتحدة، بالاستقالة قبل إقالته، اعتراضًا على خطابه الذى نصر فيه الحق، حينما قال إن هجوم حماس مبرر بسبب الجرائم الإسرائيلية المضادة.
ومزق الوزير الإسرائيلى تقريرًا أُمميًا عن الانتهاكات الإسرائيلية المرتكبة فى حق الفلسطينيين، على منصة الأمم المتحدة، بدعوى أنه لا حقوق إنسان ضد الإرهابيين.. وكرر سفير إسرائيل لدى الأمم المتحدة، جلعاد إردان، مطالبة الأمين العام للمنظمة الدولية بتقديم استقالته قبل أن يُقال. وأضاف: «أمين عام الأمم المتحدة الذى يبدى تفهمًا لحملة القتل الجماعى للأطفال والنساء وكبار السن ليس مؤهلًا لقيادة الأمم المتحدة».
وأثارت تصريحات جوتيريش حفيظة وزير الخارجية الإسرائيلى الذى خاطب الأمين العام بحدة مذكّرًا بمدنيين قُتلوا فى هجمات شنتها حماس على الأراضى الإسرائيلية، ومشددًا على أنه لن يقابله وألغى ميعادًا معه. وقال كوهين: «سيدى الأمين العام.. فى أى عالم تعيش؟». وعندما أشار إلى أن إسرائيل انسحبت من غزة فى العام 2005، قال وزير الخارجية الإسرائيلى: «أعطينا الفلسطينيين غزة حتى آخر شبر. لا نزاع فيما يتعلق بأراضى غزة». واعتبر جوتيريش فى كلمته أن الهجوم الذى شنته حركة حماس على مستوطنات غلاف غزة فى 7 أكتوبر «لم يحدث من فراغ»، مشيرًا إلى أن الشعب الفلسطينى يتعرض لاحتلال مستمر منذ أكثر من ٧٥ عامًا، لكنه أكد ضرورة إطلاق سراح جميع المحتجزين منذ هجوم حماس. وفى الوقت ذاته، قال جوتيريش إن هناك انتهاكات جسيمة للقانون الإنسانى الدولى ارتكبت فى غزة، مشددًا على ضرورة إيصال المساعدات إلى القطاع «بلا قيود». وبعد أن شهد معاناة المستضعفين من الناس حول العالم ممن سكنوا مخيمات اللاجئين ومناطق الحروب، ركز الأمين العام جهوده على ضمان الكرامة الإنسانية للجميع، فى هذه الفترة من التحديات العالمية غير المسبوقة، وقد لمس الأمين العام ذلك عند زيارته لمصر ومعبر رفح. لقد شغل جوتيريش قبل انتخابه أمينًا عامًا منصب مفوض الأمم المتحدة السامى لشؤون اللاجئين فى الفترة من يونيو ٢٠٠٥ إلى ديسمبر ٢٠١٥، فترأس إحدى أبرز المنظمات الإنسانية فى العالم أثناء أخطر أزمات التشرد التى شهدها العالم منذ عقود.. فقد أدت النزاعات فى سوريا والعراق وفى جنوب السودان وجمهورية إفريقيا الوسطى واليمن إلى ارتفاع كبير فى أنشطة المفوضية؛ إذ ازداد عدد المشردين بسبب النزاعات والاضطهاد من ٣٨ مليونًا فى عام ٢٠٠٥ إلى أكثر من ٦٠ مليونًا فى عام ٢٠١٥.
كما أمضى جوتيريش ما يزيد على ٢٠ عاما فى العمل الحكومى وقطاع الخدمة العامة، ثم شغل منصب رئيس وزراء البرتغال من عام 1995، وكان خلال تلك الفترة يشارك بكل عزم فى الجهود الدولية من أجل حل الأزمة فى تيمور الشرقية. واضطلع بصفته رئيسًا للمجلس الأوروبى فى أوائل عام ٢٠٠٠ بدور قيادى، وشارك فى رئاسة أول مؤتمر قمة بين الاتحاد الأوروبى وإفريقيا. كما كان عضوًا فى مجلس دولة البرتغال من عام ١٩٩١ إلى عام ٢٠٠٢. وانتخب جوتيريش عضوًا فى البرلمان البرتغالى فى عام ١٩٧٦، حيث شغل هذا المنصب لمدة ١٧ عاما.
واضطلع جوتيريش لسنوات عدة بدورٍ نشط فى الدولية الاشتراكية. وشغل منصب نائب رئيس المجموعة من عام ١٩٩٢ إلى عام ١٩٩٩، واشترك فى رئاسة اللجنة الإفريقية ولجنة التنمية فى وقت لاحق. وشغل منصب رئيس المجموعة فى الفترة من عام ١٩٩٩ إلى منتصف عام ٢٠٠٥. وبالإضافة إلى ذلك، أسس المجلس البرتغالى للاجئين والجمعية البرتغالية للمستهلكين.
وجوتيريش عضو فى نادى مدريد، الذى يضم تحالف القيادات الديمقراطية المكون من رؤساء ورؤساء وزراء سابقين من جميع أنحاء العالم.
وهذه السيرة الذاتية لهذا الرجل تشهد على خبرته الكبيرة فى شؤون العالم والمهجرين والفقراء، فنحن نثمن كلامه فكأنه هو لسان حال الكثيرين من ذوى النيات الحسنة. ونحن بدورنا نسأل إسرائيل: «فى أى عالم تعيشين فيه؟». هى التى تتباهى بأنها واحة الديمقراطية فى الشرق الأوسط، وأكثر الدول تقدمًا فى التكنولوجيا المتقدمة، وأن جيشها أقوى جيش فى المنطقة.. فى أى عالم تعيشين؟، فقد حولت العالم فى غزة إلى عالم موحش بالدمار والموت فى كل مكان، والانفجارات طالت الرضع والأطفال، والجوع والعطش زحفا إلى بطون السكان.. هذا هو العالم الذى تخلقه إسرائيل، عالم من الحقد والبغض والانتقام، عالم كاذب ومنافق وبمائة وش.. فهل هذا العالم الذى تريدينه؟!.
نقلا عن المصري اليوم