د. أمير فهمي زخارى المنيا
في الخليج تسمع الخلايجة يسخروا من جملة مصر أم الدنيا، وأيضا الجزائريين والمغاربة يسخرون من مقولة مصر أم الدنيا ويقولوا لو مصر ام الدنيا بقي احنا ابوها...
والمثير للسخرية هؤلاء وهؤلاء وهؤلاء هم السبب أصلا في ان تظهر المقولة المشهورة مصر أم الدنيا، كيف ذلك؟
أسباب تسمية مصر بأم الدنيا
1- (أسباب حضارية) تُعتبر الحضارة المصرية من أوائل الحضارات العريقة في تاريخ البشرية كلها, وقد كانت هذه الحضارة متفوّقةً في عمرانها وابتكاراتها وفنونها، وتركتْ بصمةً واضحةً في العالم في مجالات مختلفة، كما أنّ مصر هي أوّل حضارة عرف أهلها الكتابة والتدوين؛ لذلك فإنّها أول دولة في العالم تمتلك تاريخاً مكتوباً في سجلّات تروي الأحداث التي مرّت بها ولهذا السبب سُمّيت بأم الدنيا...
2- "أسباب دينية" لتسمية مصر بأم الدنيا تحظى مصر بمكانة دينيّة عريقة فقد تمّ ذكر اسمها صراحةً في الكتاب المقدس والقرآن الكريم، ولجأ الآباء والآنبياء إليها إبراهيم وإسحق ويعقوب وموسى ويوسف الى مصر في الأوقات التي عانوا فيها من المجاعة، كما حضر إليها والسيد المسيح له المجد ، وبالإضافة إلى كلّ ما سبق، فمصر تضمّ الكرسي البابوي للقديس مرقس الرسول وجامعة الأزهر التي يعود تأسيسها إلى ألف عام والتي تُعدّ من أهمّ المؤسسات الإسلامية التعليميّة في العالم ...
بالإضافة إلى أم الدنيا هناك ألقاب أخرى اشتهرت بها مصر:
1- ومنها اسم كمت:
ويعني هذا الاسم الأرض الخصبة التي تُحيط بنهر النيل، فقد كان المصريّون يزرعون فيها منذ أن عرفوا الزراعة.
2- دشرت:
ويعني هذا الاسم يعني الأرض الصحراوية؛ لأنّ الصحراء تُشكّل الجزء الأكبر من مساحة مصر،
3- هبة النيل:
أُطلق هذا اللقب على مصر قبل 2500 سنة حين ازدهرت حضارتها على ضفاف النيل وادي الي خصوبة الأرض،
4- أرض الكنانة:
الكنانة تعني جعبة السِّهام بسبب تفوق أهل مصر في صناعة السهام، اول من اطلق هذه الاسم الصحابي عمر بن الخطاب (الفاروق).
أقرأ تاريخ مصر واكتشف العجب فقد كانت مصر تقريبا أكثر بلدان العالم استقبالا للمهاجرين من كل حدب وصوب، وبمعنى ادق الهاربين من الجحيم في بلادهم:
* فعلى سبيل المثال لا الحصر عندما اجتاحت المجاعات بلاد المغرب والجزائر هرب الآلاف من أهل تلك البلاد خوفا من الجوع ولم يجدوا ملاذا لهم سوى مصر فكانوا يدخلونها قبائل كاملة بالآلاف وكان ذلك من حوالي 400 سنة.
* وعندما طرد الإسبان المسلمين المخلطين المعروف باسم الموريسكيين لم يجدوا بلد تستقبلهم سوى مصر واستقر معظمهم في كفر الشيخ والمنصورة ومع مرور الزمن كان كل مغربي يستقبل قريب له ليعيش بمصر ويعملون في التجارة ويكسبون الكثير من المال،
من الطريف إن بعد ان أصبحت الأحوال أفضل في بلاد المغرب والجزائر لم يعودوا لبلادهم ولكن ظلت تستقبل المزيد منهم فقد كان المغاربة يذهبون للحج في مكة وعند عودتهم من الحج يستهويهم العيش في مصر.
* وأيضا من حوالي 150 سنة عندما قامت حرب أهلية كبيرة في لبنان بين الدروز والموارنة لدرجة إن الدروز كانوا يقتلون كل يوم أكثر من ألف لبناني مورني وهؤلاء لم يجدوا ملاذا لهم سوى مصر فهاجروا إليها بالآلاف ومعظمهم استقر في المنصورة وخرج منهم رئيس لبنان المعروف باسم أمين الجميل،
أما الدروز أنفسهم فقد هربوا أيضا أثناء حروبهم إلى مصر وكان ممن هربوا لمصر الفنان الكبير فريد الأطرش وأخته أسمهان وهكذا استقبلت مصر كل المتحاربين في لبنان.
* في بداية القرن العشرين حدثت مذابح الأرمن الشهيرة على يد الأتراك فهرب الأرمن من جحيم الأتراك ولم يجدوا ملاذا لهم سوى مصر... وخللي بالك فيه فرق بين الموارنة والأرمن ... واشتغل الأرمن في كل حاجه في مصر وخرج منهم الفنانة نيللي ولبلبة وفيروز وانوشكا ولايزال الأرمن يعيشون بيننا.
* أما المثقفون السوريون فكان الأتراك أثناء احتلال تركيا لسوريا يضيقون الخناق عليهم فلم يجدوا سوى مصر ليهربوا إليها وتدخل الصحافة على أيديهم إلى مصر ويكفي أن الأهرام أهم جريدة مصرية كانت جريدة سورية، وعرفت مصر فن المسرح على يد الفنانين السوريين.
* أما اليونانيون فكانت الحرب الأهلية تمزقهم فهربوا بالآلاف إلى مصر وكونوا جالية عظيمة عاشت عمرا طويلا.
* حتى الإيطاليين أثناء الحرب العالمية الأولى والثانية هربوا من جحيم الحرب إلى مصر ولم يجدوا أجمل من مصر ليعيشوا بها وأكبر تجمعاتهم كانت في إسكندرية والمنصورة، ولعل أشهرهم الفنانة الإيطالية داليدا بنت شبرا المولودة في مصر حتى آخر ملوك إيطاليا اختار مصر ليموت بها.
* وكذلك آخر ملوك إيران الشاه محمد رضا بهلوي لم يجد سوى مصر تستقبله ليقضي اخر سنة له بها.
* حتى الملك سعود الذي حاول قتل جمال عبد الناصر عندما خلعه إخوته من حكم السعودية لم يجد ملاذا له سوى مصر تستقبله على أرضها.
* أما أعظم ثائر كونغولي وهو بياتريس لومومبا عندما قامت بلجيكا بقتله بوحشية تم تهريب أبناءه إلى مصر ليعيشوا في كنف جمال عبد الناصر.
* حتى العبيد المماليك الذين قدموا من وسط بلاد روسيا لم يجدوا سوى مصر ليكونوا بها دولتهم ويأتون لتلك البلاد بالآلاف.
* ولا ننسى ان أرض مصر تباركت بقدوم العذراء مريم وابنها المسيح (عيسى) ويوسف النجار وهو ما سمى هروب العائلة المقدسة الى مصر هربا من وجه هيرودس الذي أراد قتل المسيح.
* أما أطهر وأرق من هرب من الجحيم إلى مصر فكانت السيدة زينب حفيدة رسول الله صل الله عليه وسلم وعائلتها الطاهرة من أهل البيت الشريف التي لم تجد أفضل من مصر لتستقبلها ولازلنا نحتفل بقدومها إلى مصر كل عام في مولدها الشهير.
* وقبلها بسنين طويلة عندما هربت عائلة سيدنا يوسف من جحيم المجاعة لم يجدوا سوى أخوهم ليستقبلهم في مصر ويعيشون جميعا على أرضها مئات السنين ويكونون بها القبائل الإسرائيلية الرئيسية التي تحولت لألد أعداء مصر بعد ذلك.
* أما الهجرة السودانية والنوبية إلى مصر فكانت مستمرة عبر التاريخ.
أمرك غريب يا مصر؟
كل العالم كان يعاني إما من الحروب أو المجاعات فلا يجد سوى مصر ليهرب إليها في حين ان مصر لاقت المصير من الأهوال عبر تاريخها ولم تشهد أية هجرة جماعية خرجت من مصر، فرغم أن في أحد الأزمنة كان الناس في مصر يموتون من الجوع ولكن لم يفكروا في تركها، فمصر كانت طوال تاريخها دولة جاذبة للسكان، وحتى اليوم رغم سوء الأحوال ورغم النقمة ورغم إن الكل بيقولك عاوز اهاجر ولكن اللى بيهاجر فعلا مبيقدرش يمنع نفسه عن مصر وبيفضل مرتبط بها لآخر لحظة في عمره.
*عارف يعني إيه بلد يهرب إليها الناس من الجزائر والمغرب وليبيا وتونس والسودان والنوبة والعراق وسوريا ولبنان وفلسطين والجزيرة العربية واليونان وقبرص وأرمينيا وخوارزم وأوزبكستان وإيطاليا.
*ماهي البلاد دي كانت زمان هي كل الدنيا.
انا فعلا مكنتش فاهم ايه السبب ان مصر فيها أكبر عدد سكان من الدول العربية، ومكنتش فاهم يعني ايه مصر ام الدنيا....
لكن بعد ما استوعبت ان مصر احتضنت القادمين من كل دول العالم واصبحت بمثابة أم لهم كلهم، حسيت إن كلمة أم الدنيا دي قليلة أوي أوي أوي على مصر فهي ام الدنيا وست الدنيا وكل إنسان له وطن ينتمي اليه..
ومصر هي أم الدنيا رغم أنف اي كائن...تحياتي...
د. أمير فهمي زخارى المنيا