سامح فوزي
حول هذا الموضوع نظمت الإفتاء المصرية'>دار الإفتاء المصرية، بقيادة المفتى المستنير الدكتور شوقى علام مؤتمرًا ضم مشاركين من أكثر من ستين دولة، من مختلف قارات العالم. ولم يكتف بدعوة العاملين فى حقل الإفتاء، والمنشغلين بالعمل الدعوى، بل امتد بالدعوة إلى مثقفين وإعلاميين، وشخصيات عامة، ورجال دين مسيحى، فى اجتماع متسع الأرجاء لمناقشة قضية حاضرة ومستقبلة، تتصل بالتكوين الوجدانى المستنير للإنسان. وهذه ليست المرة الأولى التى تعقد فيها دار الإفتاء مؤتمرا على هذا النحو من الاتساع، بل أكاد أجزم أن كل المؤتمرات التى تقوم بها تتسم بهذه الطبيعة الاستيعابية، التى تتخطى حواجز المكان والتخصص والمعتقد الدينى، حتى تنشئ رأسمال خبرات حقيقيا.
فى إحدى جلسات المؤتمر التى شاركت فيها، وتناولت التصدى لخطاب الكراهية، برزت مساهمات عديدة من حيث تحديد ماهية وصور هذا الخطاب على الفضاء الإلكترونى، وآليات التصدى له. وقد حرصت فى حديثى على استعراض مختلف صور خطاب الكراهية، سواء التى تتصل بالمساجلات العقيدية، والطعن فى عقائد الأخرين، والاستهانة بالرموز الدينية، وتوظيف خطابات الكراهية والحقد بين المواطنين لتقويض الأساس الذى تقوم به الدولة الوطنية. وقد شاهدنا ذلك بوضوح فى الدول التى تمدد فيها التطرف الدينى، خاصة فى العراق وسوريا، ورأينا كيف استخدم «داعش» الكراهية، والقتل على الهوية، ونشر البغضاء بين أهل الأديان من أجل بناء دولته المزعومة، وتحطيم المشتركات الوطنية بين الناس.
وقد يكون من المفيد بالطبع استعراض حلول لكيفية التصدى لخطابات الكراهية على وسائل التواصل الاجتماعى، مثل إنتاج محتوى متسامح، وتعقب خطابات الكراهية، ونبذ العنف، والتواصل مع إدارات المنصات الإلكترونية بهدف حصار الخطابات الطائفية، ولكن الأجدى فى رأيى هو الالتفات إلى قضية التكوين الإنسانى. فما يتداوله الشخص على الشاشة أو الفضاء الالكترونى هو انعكاس مباشر لتكوين الشخص فى الحياة الذى يستمده من خلال التعليم، والإعلام، والثقافة، والعمل الأهلى، والخدمة العامة، والمشاركة المجتمعية، فإذا اكتسب الشخص تكوينا متسامحا، سوف ينعكس ذلك تلقائيا على حديثه على الفضاء الاجتماعى، فى حين إذا كان تكوينه متعصبا، منغلقا، وجاهلا فإن ذلك سيكون له أبلغ الأثر فى قدرته على التعبير عن وجهة نظره فى القضايا المتعددة. من هنا تأتى أهمية التربية المدنية فى المدارس، والإعلام المستنير الحر، والعدالة الثقافية فى الوصول إلى مختلف قطاعات المجتمع.
فى هذا المؤتمر، كان من الطبيعى أن تكون غزة حاضرة بما تشهده من قصف، وعقاب جماعى لشعبها، وانتهاكات لحقوق الإنسان تصل إلى حد الإبادة وجرائم الحرب، عبر عن ذلك بقوة ووضوح مفتى الجمهورية الدكتور شوقى علام، وعدد من المشاركين من مختلف البلدان، وأيضا القيادات المسيحية التى شاركت، وقد كان حضورها لافتا فى إبراز تحول مهم فى المجتمع المصرى فى السنوات الأخيرة، أن الحضور المسيحى الإسلامى فى المنتديات المختلفة صار يكتسب تلقائية، ويبتعد عن الشكلية أو الرمزية التى كان عليها فى السابق، والسبب يعود إلى أن المجتمع بدأ يتخلص بالتدريج من الخطابات العامة الفضفاضة حول الوحدة الوطنية، وبات أكثر اشتباكا مع القضايا الحياتية التى تتصل بالفكر الدينى، والخطابات الدينية، ونقد التعصب، والسعى لبناء التسامح، وتجديد الفكر، وجميعها من القضايا التى تتعلق بتقدم الأمم، وتجاوز الجمود الذى يشد إلى الخلف.
نقلا عن الشروق