د. رامى عطا
بعد أيام تحل علينا ذكرى اليوبيل الذهبى لوفاة عميد الأدب العربى وقاهر الظلام الدكتور طه حسين، الذى عاش بين 15 نوفمبر 1889 و28 أكتوبر 1973، حيث رحل عن نحو 84 عاماً، قضاها فى القراءة والبحث والتأليف وإلقاء المحاضرات فى موضوعات كثيرة، تتعلق بالثقافة والتعليم والتاريخ واللغة والأدب، وقد أضاف الكثير للفكر المصرى والعربى، فاستحق أن يقف فى الصف الأول بين دعاة التنوير فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر.
جمع طه حسين بين المجال الأكاديمى والعمل الصحفى، فعلى المستوى الأكاديمى كان أستاذاً للتاريخ واللغة فى كلية الآداب بالجامعة الأهلية المصرية (جامعة القاهرة حالياً)، وصار عميداً لكلية الآداب بها، ثم مديراً لجامعة فاروق (الإسكندرية) من 1942إلى 1944، ووزيراً للمعارف (التربية والتعليم) فى حكومة مصطفى النحاس/ حزب الوفد من 1950 إلى 1952، فعمل على دعم مبدأ التعليم كالماء والهواء حق لكل مواطن، وعمل رئيساً لمجمع اللغة العربية، وعضواً فى المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب. وعلى المستوى الصحفى فقد ارتبط بصحف (كوكب الشرق) و(الوادى)، ورأس تحرير مجلة (الكاتب المصرى)، وكانت مجلة أدبية شهرية صدر عددها الأول فى أكتوبر 1945 واستمرت فى الصدور حتى 1948، ثم رأس تحرير جريدة (الجمهورية) 1959 ولفترة من الوقت.
أثرى طه حسين المكتبة المصرية والعربية بالعديد من المؤلفات منها: فى الشعر الجاهلى، صوت أبى العلاء، على هامش السيرة، الشيخان، حافظ وشوقى، فلسفة ابن خلدون الاجتماعية، مرآة الإسلام، حديث الأربعاء، حديث الشعر والنثر، المعذبون فى الأرض، أحلام شهرزاد، الأيام، دعاء الكروان، شجرة البؤس. ولعل من بين أبرز مؤلفاته كتابه المعنون مستقبل الثقافة فى مصر الذى صدر بالقاهرة فى صيف 1938م، وهو يتكون من ستين فصلاً، ناقش فيه الكثير من أحوال الثقافة والمثقفين ومشكلات التعليم. وفيه عرض أفكاراً مهمة تستحق المناقشة والتأمل والتفكير العميق، فهو يرى أن الثقافة والعلم أساس الحضارة والاستقلال، وأن الاستقلال والحرية وسيلة إلى الكمال وسبب من أسباب الرُقى، وأنه ينبغى الملاءمة بين حياتنا الحديثة ومجدنا القديم، وأن المساواة فى الحقوق والواجبات ينبغى أن تكون نظام حياتنا الداخلية والخارجية. وعنده أن مستقبل الثقافة فى مصر مرتبط بماضيها البعيد، مؤكداً شدة اتصال مصر باليونان فى القديم وتأثرها بالعقلية اليونانية والفلسفة اليونانية، فالعقل المصرى متصل منذ العصور الأولى بشعوب بحر الروم، وأنه لا خطر من الاتصال القوى الصريح بأوروبا على شخصيتنا القومية.
وفى شئون التعليم رأى أهمية الإشراف على التعليم، وضرورة مراقبة التعليم فى المعاهد الأجنبية، وفرض تعليم لغة البلاد وتاريخها، موضحاً مسئولية الدولة عن جسم الصبى مثلما هى مسئولة عن تكوين عقله وقلبه، ووجوب العناية بإعداد المعلم وإصلاح مدارس المعلمين الأولية، والاهتمام بالثقافة فى جميع مراحل التعليم، وحق الفقراء فى التعليم العام، وحقوق المعلم ووجوه إصلاح التعليم ومشكلات التعليم الخاص، ومشكلات التعليم العالى وسبل نهضته وتطويره، ووجوب العناية بجغرافية البلاد وتاريخها، وتعلم اللغات، وفائدة التربية البدنية للطلاب. وتناول موضوع التعليم الدينى فى الأزهر، موضحاً أثر الأزهر فى تكوين الثقافة فى مصر ووجوب ملاءمة هذه الثقافة لحياة الشعب وحاجاته، فالأزهر مصدر الحياة الروحية للمسلمين. كما تناول التعليم الدينى عند الأقباط وضرورة العناية بإعداد رجال الدين المسيحيين، موضحاً أن الكنيسة القبطية مصدر ثقافة دينية لغير المسلمين.
يذهب الدكتور طه حسين إلى أن الثقافة ليست محصورة فى المدارس والمعاهد، داعيًا إلى تشجيع المثقفين والأدباء على الإنتاج العقلى فى العلم والأدب والترجمة والنقل من اللغات الأوربية، ومع تأكيده حرية الرأى فهو يرى وجوب إشراف هيئات منظمة على الصحافة والراديو والسينما. وهو يؤكد واجب مصر نحو الأقطار العربية، وكيف أن مصر مركز من أهم مراكز التعاون الفكرى، حيث يدعو إلى نشر الثقافة المصرية فى هذه الأقطار. رحل الدكتور طه حسين عن دُنيانا بعد أيام قليلة من انتصارات أكتوبر المجيدة، دون أن ترحل عنا الكثير من أفكاره وإبداعاته فى السياسة والتاريخ والأدب والتعليم، وتظل مسيرة حياته درسًا لنا جميعًا فى مواجهة المشكلات والصعوبات والتحديات وتجاوزها إلى آفاق واسعة من العمل والنجاح والقدرة على الإنجاز رغم أية معوقات.
نقلا عن الأهـرام