ياسر أيوب
رغم أن اليمن كانت أول دولة عربية تعرف كرة القدم وتلعبها أيضًا.. فإن اليمنيين لم يقعوا فى غرام هذه اللعبة بشكل حقيقى ونهائى إلا بعد أن بدأت فرق الأحياء الشعبية فى عدن تفوز على فرق الجنود البريطانيين منذ 1882.. وبعد سنوات قليلة، تكرر نفس الأمر فى مصر حين التفت المصريون إلى كرة القدم، بعد أن فازت فرقة محمد أفندى ناشد، بالنيابة عنهم جميعًا، على العساكر الإنجليز، فى أول مباراة كروية حقيقية فى مصر فى 1895.
وأدرك المصريون يومها أن كرة القدم يمكنها أن تمنحهم انتصارًا على الإنجليز، حتى بدون سلاح لا يملكونه.. وكانت للكرة السودانية نفس البدايات ونفس الدوافع والمعانى حين بدأ السودانيون يفوزون على الجنود الإنجليز فى مدينة عطبرة.. ولم تكن مصادفة أن يتأسس نادى الترجى التونسى والنادى الإفريقى فى باب سويقة وباب جديد داخل العاصمة التونسية.. ففى هذه المناطق بالتحديد بدأت واستمرت المقاومة الشعبية التونسية للاحتلال الفرنسى.
واستدعى ذلك تأسيس فرق لمواجهة الفرنسيين والفوز عليهم أيضًا.. وأصبح أى فوز رياضى وقتها على الفرنسيين له معانٍ سياسية ضخمة وظاهرة وسعيدة أيضًا.. وحكى إتش جى ويكهام فى كتابه الصادر فى 1903 بعنوان «المشكلة الفارسية» عن تواجد السفن البريطانية بكثافة بالقرب من شطآن الكويت. وعرف الناس هناك كرة القدم حين لعبها الضباط الشباب ضمن طاقم البارجة فوكس.
وبعد قليل، كانت الفرحة حين استطاع اللاعبون المحليون أن يهزموا الإنجليز فى اللعبة التى تعلموها منهم.. وكانت بداية الكرة الجزائرية هى رغبة جمعية إقبال الوطنية فى مقاومة الفرنسيين دفاعًا عن هوية الجزائر.. وهو نفس الأمر الذى جرى بأشكال وتفاصيل مختلفة، لكن بنفس المعانى والأهداف فى العراق وليبيا ومختلف البلدان العربية.
واختصر الصحفى المغربى الكبير يونس الخراشى حين وصف الرياضة المغربية وصفًا دقيقًا وجميلًا بأنها الابنة البكر للمقاومة.. وهو على حق تمامًا.. فالثابت تاريخيًّا أن مقاومة المستعمر أو الأجانب فى البلدان العربية لم تبدأ بالسلاح أو مظاهرات احتجاج أو غناء حماسى غاضب.. إنما كانت كرة القدم هى البداية.. وكانت لذلك نتيجته الحتمية، وهى أن كرة القدم العربية لم تكن فى بداياتها مجرد لعبة للتسلية والمتعة، إنما كان ميلادها سياسيًّا وأيضًا الدافع لحبها وممارستها.
ورغم الاستقلال العربى ورحيل الإنجليز والفرنسيين والإيطاليين والإسبان، بقيت كرة القدم العربية تحتفظ بهذا المعنى، الذى لم يتغير بمرور سنوات كثيرة وطويلة، بل يخرج إلى النور كلما كانت هناك أزمة هوية أو صدام مع غرباء وأعداء.. ووقتها يلتفت العرب لنجوم كرة القدم أكثر من الفنانين والإعلاميين على سبيل المثال نتيجة هذا الإرث الكروى القديم.
نقلا عن المصرى اليوم