القس رفعت فكري سعيد
في الأيام القليلة الماضية احتدم الصراع الدموى بين الإسرائيليين والفلسطينيين، وسقط مئات القتلى والجرحى على الجانبين بصورة لم يشهدها هذا الصراع من قبل، وأصبح من المؤكد أن هناك قوى دولية خارجية تؤجج هذا الصراع على الجانبين، ومحاولة توريط مصر في هذا الصراع واختراق حدودها واستغلال جزء من أراضيها بغية تحقيق مخططات دولية، والدولة المصرية بقيادتها السياسية والعسكرية واعية جدًّا لهذا المخطط، وتتصدى له بحكمة وحنكة وقوة، فقد أكد الرئيس عبدالفتاح السيسى، خلال كلمته في حفل تخريج دفعة جديدة من الأكاديمية والكليات العسكرية ٢٠٢٣: «إن وضع الفلسطينيين مختلف عن بقية مَن تستضيفهم مصر، فمصر تستضيف ٩ ملايين نزحوا من بلادهم بسبب الاضطرابات الدائرة فيها»، موضحًا أن الوضع مختلف مع الفلسطينيين، الذين يجب أن يبقوا في بلادهم ويواصلوا الصمود حفاظًا على قضيتهم وأرضهم، ويتحتم على مصر ألّا تتركهم.
وبعد مرور عشرات السنوات من الصراع الدموى العربى الإسرائيلى، بات من المحتم أن نسأل أنفسنا: هل توصل العرب إلى حل مبنى على العدل والحق والسلام؟!. في الحقيقة لا.
إذًا لماذا لا نجرب طريقة أخرى، وقد جربها آخرون، وكان لها عظيم الأثر في حل الكثير من الصراعات والنزاعات؟!.
لماذا لا نجرب النضال اللاعنفى بدلًا من المقاومة الدموية؟.
اللاعنف هو ممارسة شخصية لا يؤذى الفرد فيها ذاته والآخرين تحت أي ظرف، وينبع ذلك من الاعتقاد بأن إيذاء الناس أو الحيوانات أو البيئة لا لزوم له لتحقيق النتيجة المرغوبة، كما يُستنبط من فلسفة عامة تقوم على الامتناع عن العنف على أساس المبادئ الأخلاقية والدينية والروحية.
ويُنظر للاعنف على أنه بديل لموقفين آخرين هما الرضوخ والانصياع السلبى من جهة، أو النضال والصدام المسلح من جهة أخرى. لذلك فإن اللاعنف يدعو إلى وسائل أخرى للكفاح الشعبى، منها العصيان المدنى أو «المقاومة اللا عنفية» أو عدم الطاعة وعدم التعاون. واستُخدم هذا المصطلح كمصطلح معاكس للمسالمة، لكنه ومنذ منتصف القرن العشرين أخذ يعكس الكثير من التكتيكات التي تهدف إلى التغيير الاجتماعى بدون استخدام القوة. إن اللاعنف يختلف عن المسالمة لأنه يواجه القمع والطغاة بشكل مباشر.
وغاندى كان من أبرز الأشخاص الذين دعوا إلى النضال اللاعنفى، وأبرز مَن حققوا نجاحًا من خلاله،
فغاندى هو السياسى البارز والزعيم الروحى للهند، وخلال حركة استقلال الهند كان رائدًا لمقاومة الاستبداد من خلال العصيان المدنى الشامل، والتى أدت إلى استقلال الهند من السيطرة الأجنبية، وألهمت الكثير من حركات الحقوق المدنية والحرية في جميع أنحاء العالم.
فقد كان غاندى يعارض العنف لأنه حيث يبدو الشخص العنيف وكأنه يفعل خيرًا، فإن ما يفعله من خير هو مؤقت فقط، أما ما يفعله من شر فهو دائم، وإن الرد على الوحشية بوحشية هو إقرار بالإفلاس الأخلاقى والفكرى، وإن النصر الناتج عن العنف هو مساوٍ للهزيمة، إذ إنه سريع الانقضاء، و«إن العين بالعين» هو مبدأ يحوِّل البشر إلى مجموعة من العميان، وإنه ليس هناك طريق إلى السلام، ولكن السلام هو الطريق. واستمر غاندى على مدى أكثر من ٥٠ عامًا يبشر بالنضال اللاعنفى، ومن أبرز أقواله:
«إن اللاعنف هو أعظم قوة متوفرة للبشرية، إنها أقوى من أقوى سلاح مدمر صنعته براعة الإنسان، وهو أكبر وأسمى بما لا يُقاس من شريعة القوة الغاشمة، وفى نهاية المطاف فإن اللاعنف لا يناسب أولئك الذين لا يملكون إيمانًا حيًّا بألوهية المحبة».
من المؤسف أن «الحرب مجزرة تدور بين أناس لا يعرفون بعضهم البعض لحساب آخرين يعرفون بعضهم البعض ولا يقتلون بعضهم البعض»، كما قال بول فاليرى، وعندما تتصارع الأصوليات تتسارع القذائف ويغيب السلام.
إن هذه الصراعات الدموية التي حادت بالقضية الفلسطينية عن مسارها الساعى لإقرار السلام القائم على العدل كانت صراعات صفرية ليس فيها منتصر أو مهزوم، وإن «أى صراع لا يؤول إلى السلام عبث لا يعول عليه»، كما قال الرئيس السيسى.
إننا وصلنا إلى المرحلة التي تجعلنا نؤكد ما قاله الصحفى والفيلسوف الفرنسى ألبير كامو: «لسنا ننشد عالمًا لا يُقتل فيه أحد، بل عالمًا لا يمكن فيه تبرير القتل!».
كما أن أي حلول بديلة لمكسب/ مكسب، فهى خسارة للكل، وهذا لن يتأتى إلا من خلال العودة الهادئة إلى مائدة المفاوضات والالتزام بقرار الأمم المتحدة بتقسيم فلسطين سنة ١٩٤٧، والذى نص على وجود دولة لليهود ودولة للعرب على أرض فلسطين، نحتاج لتفعيل كل هذا عن طريق النضال اللاعنفى حتى يمكننا نَيْل احترام العالم المتحضر من حولنا، فكما قال غاندى إننا سوف نكسب معركتنا لا بمقدار ما نقتل من خصومنا، ولكن بمقدار ما نقتل في نفوسنا الرغبة في القتل.
فهل نحن فاعلون؟!!.
نقلا عن المصري اليوم