الأقباط متحدون - خطط مُبيَّتة لنهب ثروات العراق
أخر تحديث ٠٤:٤٢ | الاربعاء ٢١ نوفمبر ٢٠١٢ | ١٢ هاتور ١٧٢٩ ش | العدد ٢٩٥١ السنة الثامنة
إغلاق تصغير

شريط الأخبار

خطط مُبيَّتة لنهب ثروات العراق

ثروات العراق
ثروات العراق

بقلم: د.عبدالخالق حسين
منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921 تعرض العراق ومازال لمؤامرات خارجية تم تنفيذها على أيدي العراقيين أنفسهم. وما انقلاب 8 شباط 1963 إلا المثال الواضح لذلك. ومنذ سقوط حكم البعث الفاشي إلى الآن يتعرض العراق إلى تآمر من نوع جديد، تموله وتخططه وتقوده دول الجوار ليتم تنفيذها على أيدي أبناء الوطن. والسؤال هو: لماذا العراق وحده يتعرض إلى كل هذه المؤامرات دون غيره؟

الجواب هو أن العراق عائم على بحر من النفط، وشعبه غير متصالح مع نفسه، وتنظيماتها السياسية هي وفق الاستقطاب الأثني والطائفي، متعادية فيما بينها، ويسهل توظيف القادة السياسيين لكل مكونة ضد بقية المكونات الأخرى، وشراء ولائها لهذه الدولة و تلك من دول الجوار وحسب التماثل القومي والمذهبي، لذلك فالثروات العراقية الهائلة جعلت من العراق هدفاً جذاباً للطامعين، ففي الماضي كان يتم ذلك عن طريق الغزوات والاحتلالات، واليوم يتم عن طريق المؤامرات.

ومن متابعتنا لما حصل في العراق منذ سقوط حكم البعث وإلى الآن نرى أن هناك خطة أو خطط مُحكمة وضعت في منتهى الدقة والدهاء لتدمير العراق، ونهب ثرواته، ودق الإسفين بين أبناء شعبه لكي لا تقوم لهم قائمة. وهذه الخطة تم تنفيذها على المراحل التالية:

المرحلة الأولى، مرحلة الفرهود: فبعد إسقاط حكم البعث الجائر وأصنام الدكتاتور، قام الجياع بعمليات الفرهود (النهب) لمؤسسات الدولة انتقاماً منها، لأن الحكومات المتعاقبة جعلتهم يشعرون أن هذه الدولة ليست دولتهم بل عدوة لهم، لذا حان الوقت للانتقام منها، والمؤسف أن القوات الدولية بقيادة أمريكا سمحت لعمليات الفرهود والتدمير التي طالت حتى المتحف الوطني والمكتبات الوطنية التي أشعلوا فيها النيران. 
المرحلة الثانية، مرحلة تفشي الفساد والرشوة بين الموظفين، وقيام بعض المسؤولين، وزراء ونواب وغيرهم، بالنهب للثروة والفرار بها إلى الخارج من أمثال وزير الدفاع السابق حازم الشعلان (مليار دولار)، ووزير الكهرباء أيهم السامرائي (300 مليون دولار)...الخ

المرحلة الثالثة، منح رواتب خيالية للوزراء والنواب تفوق رواتب نظرائهم في أغنى دولة في العالم، ويتمتع هؤلاء عند تقاعدهم بـ 80% من تلك الرواتب حتى ولو خدموا في مناصبهم لأسابيع قليلة، وبعض النواب لم يحضروا جلسات البرلمان أصلاً، بل يقيمون في عمان وبلدان أخرى، إضافة إلى الامتيازات الخيالية من رواتب الحماية، والمستشارين، وصرفيات المكاتب التي تقدر بالملايين من الدولارات.

المرحلة الرابعة، نهب ثروات البلاد عن طريق عقد مقاولات مع شركات وهمية تقدر بالمليارات من الدولارات،

المرحلة الخامسة: تهريب العملات الصعبة إلى الخارج بمعدل مليار دولار أسبوعياً وبمباركة البنك المركزي والمصارف العراقية الأخرى، ودعم وترويج بعض الاقتصاديين الذين يدعون أن التحويلات الخارجية هذه تؤدي إلى دعم ورفع قيمة الدينار العراقي!!! بينما الذي نعرفه من خبراء الاقتصاد الحريصين على مصلحة الوطن، أن قيمة الدينار تعتمد على حجم الاحتياطي من العملات الصعبة في البنك المركزي وليس بيعها أو تهريبها.
المرحلة السادسة: التحضير لتبديد الثروات النفطية بذريعة توزيعها على أبناء الشعب تحت واجهة ثروة الشعب للشعب! كخطوة أولى للهيمنة عليها من قبل الدهاة الذين يخططون لهذا المصير الأسود، حيث سخروا لها أقلاماً تظهر بمظهر الملائكة والحرص على مصلحة الشعب. وسنركز على هذه المرحلة الخطيرة بالذات.

قبل أيام نشرت مقالاً بعنوان: (حول "إلغاء" البطاقة التموينية)(1) أشرت فيه إلى أن هناك دعوات لخصخصة الثروة النفطية ولحسن الحظ باءت بالفشل، فتلتها دعوات أخرى طالبت بتمليك هذه الثروات لأبناء الشعب على شكل أسهم على طريقة ألاسكا، ولما فشلت، طلع علينا آخرون يطالبون بتوزيع واردات هذه الثروات على أبناء الشعب نقداً. وفي مقالي المشار إليه أعلاه، وصفت هذه الدعوات بالمشبوهة، الأمر الذي أثار ثائرة الكاتب السيد عصام الخفاجي، فنشر مقالاً غاضباً وهجومياً تهكميا في الحوار المتمدن بعنوان: (أنا مشبوه)، اعتبر مقالي نوعاً من الإرهاب الفكري ضد حرية التعبير، وأن كلمة "المشبوهة" تعني الاتهام بالجريمة!!

في الحقيقة أنا لم أتابع مقالات السيد الخفاجي، ولم أشر إليه في مقالي السابق، لا من قريب ولا من بعيد، ولم أعرف أنه متحمس لفكرة الخصخصة أو توزيع الثروات النفطية على أبناء الشعب، على شكل أسهم أو نقداً، وقد دعمت مقالي بمناقشة هادئة وبالأدلة لإثبات وجهة نظري.
يبدو أن السيد الخفاجي لم يجد ما يبرر هجومه عليَّ فراح يبحث عن ذريعة تبرر له ذلك، فعثر على كلمة "المشبوهة"، وتمسك بها، واعتبرها موجهة ضده بالذات، ليبرر من خلالها هجومه.

نحن نقرأ يومياً عشرات العناوين لمقالات وتقارير عن تفشي الفساد، ونهب الثروات في العراق من قبل سياسيين ومقاولين (حقيقيين ووهميين، ونصابين ومافيات ولصوص..) وغيرهم. فهل حقاً، وبعد كل هذا الفساد، لا يوجد بين هؤلاء أناس من تنطبق عليهم صفة "الشبهة" أو"المشبوهين"؟ وإذا كان جميع المسؤولين ومن تنطلق منهم هذه الدعوات هم ملائكة غير مشبوهين، فلماذا إذنْ كل هذه الضجة ضد الفساد والفاسدين في البلاد؟

لقد جاهد السيد الخفاجي لتفسير كلمة (مشبوهة) بما يخدم غرضه فجعلها مرادفة لكلمة الجريمة، وبالتالي على أني وصفت أصحاب تلك الدعوات المشبوهة بالمجرمين! بل وراح إلى أبعد من ذلك، حيث اتهمني أني أعتبر كل من يختلف معي في الرأي هو مشبوه وبالتالي فهو مجرم!. غني عن القول أن هذه المحاولة لا تدل على العلمية في البحث عن الحقيقة، ناهيك عن الحوار الحضاري الذي يدعونا إليه السيد الخفاجي. فالدعوة إلى الحوار الحضاري شيء والممارسة شيء آخر.

فتعبير (دعوات مشبوهة) تعني دعوات مشكوك بها أو بنواياها، ولا تعني التهمة بقيام جريمة كما حاول تفسيرها الكاتب. ولذلك لا نرى أي مبرر لغضبته العارمة، وربما هي مفتعلة لغاية في نفس يعقوب. فكلمة مشبوهة في القواميس تعني الشك أو الريب، ولا تعني التهمة بارتكاب جريمة. والمعروف أن الفيلسوف الألماني عمانئيل كانت، هو أول من وضع أسس فلسفة الشك، وطالب بأن نخضع كل شيء إلى الشك والمناقشة. كذلك قال نيتشة: «ليس الشك، وانما اليقين، هو الذي يقتل!». وكذلك نشر عالم الاجتماع الماركسي البريطاني المعروف، رالف مليباند في التسعينات كتاباً بعنوان (الإشتراكية في عصر شكاك). (وهو بالمناسبة، والد إد مليباند، الزعيم الحالي لحزب العمال البريطاني).
فهل كل هؤلاء على خطأ عندما تحدثوا عن الشك وحثوا عليه؟ وهل يجب أن نحرق كتب عمانوئيل كانت لأنه طالبنا بأن نشك بكل شيء؟
الحقيقة، أن غاية السيد الخفاجي هي ليست الدعوة إلى الحوار الحضاري وتجنب كلمات اتهامية كما ادعى، وإنما هناك تصفية حسابات و ربما غايات أخرى هو أعرف بها.

إذ لمَّح السيد الخفاجي في مقاله إلى أن له (مع عبدالخالق حسين تجربة لا يود الإشارة إليها حول طريقته في كتابة ما يسميها "دراسات"). فما هي هذه التجربة التي خاضها السيد الخفاجي معي ولا يريد الإشارة إليها؟ إليكم هذه "التجربة".
قبل حوالي السنة، استلمت منه رسالة ودية دون أن أسمع به من قبل، ولا صغراً به، أيدني فيها على مقال لي كنت قد نشرته آنذاك أدعو فيه اليسار العراقي إلى ترك النقاء الأيديولوجي، وتبني الواقعية وفق ما تتطلبه الظروف الموضوعية التي يمر بها العراق. أيد السيد الخفاجي هذا الطرح، وبعث لي مع رسالته مقالاً له حول نفس الموضوع مطابقاً لآرائي!!. فشكرته على ذلك، وتكرر بيننا تبادل الرسائل الودية، واعتبرت تلك المبادرة منه بداية صداقة بيننا. والحمد لله أني أتمتع بعدد كبير من الأصدقاء الرائعين من كتاب وأكاديميين وقراء، يتابعون مقالاتي ويتحفونني بتعليقاتهم القيمة التي استفيد منها كثيراً، وغالباً ما تكون مصدر إلهام لي في كتابة مقالات أخرى. وعلى بساطتي أو سذاجتي، وحسن نيتي، طلبت من السيد عصام أن يقرأ مقالاً كنت ثد نشرته قبل سنوات بعنوان: (دور الانفجار السكاني في حروب الإبادة) لأستفيد من رأيه، خاصة وقد قدم نفسه أنه متخصص في علم الاجتماع، وأنا من هواة هذا العلم بفضل أستاذنا الراحل الدكتور علي الوردي، وتعلقي الشديد بمؤلفاته وأفكاره الرصينة.

ولكن، وبعد انتظار دام أكثر من أسبوع، جاء رده بلغة استعلائية مخيباً للآمال، وغاضباً ضد المقال، ولامني أني ضيَّعتُ وقته، وأنه لا يؤمن بالمالتوسية...الخ. أعترف أن هذه النظرية مثيرة للجدل، حيث واجهتْ معارضة شديدة في وقتها، وحتى وقت قريب، إذ لم يكن هناك خطر إنفجار سكاني في القرن الثامن عشر وذلك بسبب الأوبئة التي كانت تفتك بالبشر. أما في القرن العشرين حيث التحسن في الخدمات الطبية، والتلقيحات، ورفع المستوى المعيشي...الخ، حصلت زيادة هائلة في السكان إلى حد الانفجار، وبالأخص في العالم الثالث، الذي تسبب في إثارة الصراعات الدموية والحروب. على أي حال، اعتذرت له وانتهى كل شيء عند هذا الحد. والجدير بالذكر أن مقالي عن خطر الانفجار السكاني نال اهتمام العديد من الباحثيين والصحف، فبعد نشره على مواقع الانترنت، استلمت طلبات من عدد من الجرائد والمجلات، في العراق والبلاد العربية، للسماح لهم بإعادة نشره، فتم لهم ذلك مشكورين. ومازلت أؤمن أن الانفجار السكاني يلعب دوراً خطيراً جداً في عدم الاستقرار السياسي في دول العالم الثالث، والذي أسماه الصديق الكاتب المصري سامي البحيري بحق بـ(الدمار الشامل).

وقبل أيام بعث لي صديق مقالاً للسيد عصام الخفاجي بعنوان (أنا مشبوه) قائلاً لي أنه يخصني. فاطلعت عليه وعلى التعليقات، واستغربت من أسلوبه التهكمي والهجومي، علماً بأني لم أشر إليه، لا في مقالي الأخير ولا في أي مقال آخر لي كما أشرت آنفاً، ولم أعرف أنه مع أو ضد خصخصة الثروات النفطية، أو توزيع مواردها على أبناء الشعب. لذا فقد أصبت بالدهشة من هذا المقال. ولله في خلقه شؤون.

لماذا الشك في دعوات خصخصة قطاع النفط أو توزيع موارده؟
قبل عامين، اتصل بي صديق من بلد عربي مقيم في أمريكا، وهو كاتب وباحث معروف من الوزن الثقيل، طرح عليَّ مشروعاً قال قد وضعه عدد من الخبراء في أمريكا لمساعدة الشعب العراقي وذلك بجعل العراق نموذجاً لنجاح الديمقراطية في المنطقة، ونسخة من دبي في الازدهار الاقتصادي. والمشروع يطالب بخصخصة الثروة النفطية، وإلغاء الضرائب على الصادرات والواردات، وجعل الموانئ العراقية وجميع المداخل من مطارات ونقاط الحدود مناطق حرة، والسماح للأجانب بشراء الأسهم والاستثمار...الخ، وبذلك سيتحول العراق إلى دبي !! والمطلوب مني أن أقوم بالترويج للفكرة في الإعلام العراقي، وأدعو بعض الكتاب العراقيين للمشاركة في هذه الحملة لإقناع المسؤولين العراقيين بتبني المشروع وتنفيذه! فعرضت رسالة الصديق العربي على عدد من أصدقائي من الخبراء العراقيين في شؤون النفط والاقتصاد، راجياً منهم إبداء آرائهم حول المشروع. معظم الأجوبة التي وصلتني كانت على الضد من الفكرة، وأنها مؤامرة على العراق لسرقة ثرواته. لذلك اعتذرت للصديق عن عدم المشاركة.

وبناءً على ما تقدم، وما تعرض له العراق من عمليات فرهود ونهب وفساد وسرقة أموال من قبل مسؤولين كبار وصغار، ومقاولات مع شركات وهمية لا وجود حقيقي لها على أرض الواقع، أقول، وبعد كل هذه الكوارث، ألا يحق لنا أن نشك في هذه الدعوات ونطرحها للمساءلة لنعرف الحق من الزيف؟ فلماذا كل هذه الثورة لمجرد ورود كلمة "مشبوهة"؟

أنا نادراً ما أرد على المقالات التي تتعرض لي بالهحوم، وغالباً لا أعرف عنها والحمد لله، ولكن يصلني القليل منها من قبل الأصدقاء كما في حالة مقال السيد عصام الخفاجي. فبعد قراءتي لها وتعليقات القراء وجدت معظم هذه التعليقات هي في صالحي، خاصة تعليق الأستاذ الدكتور صادق الكحلاوي، وهو أستاذ في علم الاقتصاد، وكذلك تعليقين للكاتب المتميز الأستاذ مالوم أبو رغيف، وتعليقات قراء آخرين، كلها ردود شافية على كاتب المقال، أشكرهم عليها، ولذلك لم أر حاجة للرد على الكاتب، ولكن بعد أيام وجدت من المفيد الاستفادة من الفرصة بكتابة هذا المقال لألقي المزيد من الضوء على ما يتعرض له العراق من محاولات لتبديد ثرواته وتحت مختلف التبريرات والحجج.

نعم، أنا مازلت ضد الدعوات لخصخصة قطاع النفط، أو حتى توزيعه على أبناء الشعب على شكل أسهم كما طالب به الدكتور أحمد الجلبي، أو توزيع عوائده كما يطالب به السيد مقتدى الصدر، والسيد عصام الخفاجي وآخرون.
فالخصخصة تعني بيع (بيع مجوهرات العائلة) على حد تعبير هارولد مكاميلان، رئيس الوزراء البريطاني الأسبق، في تعليقه على إجراءات السيدة تاتشر عندما باعت المؤسسات الاقتصادية الكبرى في الثمانينات في سوق البورصة. فالعراق مازال من دول العالم الثالث، يفتقر إلى الكوادر الكفوءة لإدارة هذه المشاريع العملاقة وحمايتها من النهب من قبل النصابين والمافيات، في حالة بيعها على القطاع الخاص كما حصل في روسيا بعد تفكيك الاتحاد السوفيتي حيث أثرى من عمليات الخصخصة اللصوصية نفر قليل من المحتالين صاروا يمتلكون عشرات المليارات الدولارات في غمضة عين، فروا بها إلى الغرب.

أما توزيع القطاع على شكل أسهم على أبناء الشعب، فهو الآخر خطأ عارضه حتى السيد عصام الخفاجي حين قال: "أن هذه الدعوة شديدة الخطورة إذ تقود العراق إلى الوقوع في نمط رأسمالية النهب التي قام عليها نظام بوريس يلتسن في روسيا. إذ أن الطغم المالية والمافيات ستتمكن من عرض مبالغ مغرية على الفقراء والعاطلين ومحدودي الدخل وحتى متوسطيه للإستيلاء على تلك الأصول وتحويلها إلى احتكارات خاصة."

وأنا إذ أؤيد السيد الخفاجي على ذلك، ولكني أخالفه على ترشيحه الطريقة الثالثة حيث قال: "أما توزيع العوائد فسيمكّن الدولة من فرض ضريبة دخل، لنقل أنها ستكون ثلاثين بالمئة، ...الخ"

أعتقد أن هذه الطريقة هي الأخرى فاشلة وشديدة الخطورة، حتى ولو فرضت الحكومة ضريبة بمقدار ثلاثين بالمائة على هذه الحصص. ففي الوثت الذي ينتقد فيه السيد الخفاجي الحكومة على أنها هي أكبر مصدر للتوظيف، وأن معظم هذه الوظائف هي بطالة مقنعة، ولكن الحل الذي يقترحه هو أكثر خطورة، إذ يطالب بتوزيع الثروة على المواطنين العاطلين والعاملين، فقراء وأغنياء على حد سواء، ومن ثم سحب 30% من تلك الحصص كضريبة. يعني ضاعفنا العمل، وبددنا المزيد من الأموال، إضافة إلى إحتمال التلاعب بالضريبة والتهرب من دفعها بشتى الوسائل والحيل، وأحلنا الناس إلى جيش من العاطلين والطفيليين يعتاشون على هذه الحصص وبدون عمل.

بينما الحل الصحيح هو الذي اقترحته في مقالي السابق، وأيدني فيه الأستاذ مالوم أبو رغيف في تعليقه على مقال السيد الخفاجي، وهو: "أن ثروة الشعب يجب أن تبقى بيد الحكومة المنتخبة لتصرفها على الإعمار، والخدمات، ورفع المستوى المعيشي، والتعليمي والصحي وإيجاد فرص التوظيف...الخ، وليس توزيعها نقداً على الناس كرشوة لشراء الأصوات في الحملات الانتخابية".

والجدير بالذكر، أن الركائز الاقتصادية العراقية عانت من الإهمال منذ الحرب العراقية- الإيرانية عام 1981، وإلى 2003، لذلك فيقدر بعض الخبراء أن إعمار العراق يحتاج إلى ترليون دولار (2). وإذا كان الأمر كذلك فكيف يتم إعماره بتوزيع العائدات النفطية على أبناء الشعب وتحويل الناس إلى إتكاليين على هذه الحصص بدلاً من صرف هذه العائدات على الإعمار؟

خطر آخر يهدد العراق من توزيع العوائد النفطية وهو، أنه يجعل العراق قبلة لهجرة الأجانب إليه، وطلب الجنسية العراقية تحت مختلف التبريرات مثل الزواج والإقامة لمدة معينة، وكذلك الرشوة، إذ يمكن شراء الجنسية العراقية بمبلغ معين في بيئة مشحونة بالفساد. كذلك، هناك منافسة شديدة بين مكونات الشعب حول النسبة السكانية، فكل مكونة تريد أن تزيد نسبتها في الشعب للحصول على المزيد من العوائد النفطية، وبذلك فبعد عشر سنوات يتضاعف عدد السكان إلى 70 مليون نسمة، نصفهم أجانب جاؤوا للحصول على الحصة من عوائد النفط.

أنا مع تشجيع القطاع الخاص، ولا يجب أن تبقى الدولة هي المصدر الوحيد للتوظيف، بل على الدولة تشجيع أبناء الشعب على فتح شركات ومؤسسات إنتاجية وخدمية وتعليمية ومستشفيات...الخ، وتساعدهم مالياً بقروض، وبذلك يمكن بناء القطاع الخاص لتنشيط الاقتصاد وخلق ملايين فرص العمل للعاطلين. وهذا لا يتم عن طريق التفريط بالمؤسسات النفطية وغيرها من الثروات الطبيعية والركائز الاقتصادية عن طريق بيعها كأسهم أو توزيع عوائدها كحصص على الناس.

اختتمَ السيد عصام الخفاجي مقاله بالقول: "أختم بشكر الأستاذ عبد الخالق حسين الذي، لولا اتهامه لمن يخالفه الرأي بكونه مشبوها، لما شحذت فكري وتوسّعت في بلورة أفكاري. وأضيف إلى هذا شكري له لأنه ساعدني على تحذير القارئ من طرح أي فكرة قبل استشارته. فكلنا مشبوهون حتى يصدر الأستاذ حسين فتوى ببراءتنا".
كنت أتمنى على الكاتب أن يترفع عن هذه اللغة الرخيصة التهكمية التأليبية، فهي لا تليق بمن يتباهى أنه "دخل في نقاشات أكاديمية لا حصر لها مع أعلام كبار مثل حنا بطاطو وسمير أمين ومهدي عامل وكثير غيرهم من العلماء ...الخ"، فهل استخدم مع هؤلاء السادة الأفاضل هذه اللغة "الحضارية" جداً؟؟.
أؤكد له وللقراء الكرام أني لا أتهم كل من يختلف معي بالرأي بأنه مشبوه، بل بينت الأسباب التي جعلتني أشك في دعوات الذين يريدون تبذير ثروات الشعب تحت مختلف الواجهات والتبريرات الواهية. فحرية الرأي تبيح لنا جميعاً، في حالة الاتفاق أو الاختلاف، أن نعبر عن آرائنا. والرد على الرأي المختلف لا يعني إلغاء الرأي الآخر، أو إرهاب فكري معاذ الله!.

الخاتمة
1- يمر العراق بمرحلة تاريخية صعبة جداً، تكالبت عليه قوى الشر في الداخل والخارج، وقد تركه البعث خرائب وأنقاض، وشعبه مصاب بألف علة وعلة. لذلك فالعراق يحتاج إلى وارداته النفطية للإعمار والبناء، وخلق ملايين فرص العمل للعاطلين، وهذا لا يتم عن طريق توزيع العائدات النفطية على المواطنين.

2- نحن نرحب بالجدل الحضاري، ممارسة وليس بالإدعاء فقط، إذ نلمس تناقضاً في أقوال السيد عصام الخفاجي حين قال في رده على تعليقات القراء: "كم علينا الإنتظار لنرتقي بمناقشاتنا إلى هذا المستوى الحضاري العلمي؟". فرد عليه القارئ الكريم محمد عباس الشمري، مذكراً إياه بقول الإمام علي (ع): "من نصب نفسه للناس إماماً فعليه أن يبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره."
أتمنى على السيد الخفاجي الالأخذ بهذه النصيحة.

3- وأخيراً، أذكِّر السيد الخفاجي، أن أخطر ما يهدد الكاتب، أو أي إنسان آخر هو: النرجسية، والغرور، ومخاطبة الآخرين بلغة استعلائية فجة. ورحم الله المرحوم علي الوردي حين قال: "إن أحدهم قد يتمشدق بأرقى ما جاءت به الحضارة من مبادئ ومفاهيم، ولكن ذلك ليس سوى طلاء سطحي حيث تعكس تحته الشخصية الزقاقية، فلا تكاد تمس بعض الأوتار الحساسة منها حتى ينتفض صاحبها "سبعاً" ضارياً كأنه من "أشقياء " ذلك الزمان."


More Delicious Digg Email This
Facebook Google My Space Twitter
المقال الموضوع يعبر فقط عن رأي صاحبه وليس بالضرورة عن رأي أو اتجاه الموقع