محرر الأقبـاط متحـدون
في رسالة إلى رابطة المزارعين الإيطاليين شدد الأب الاقدس على أهمية العمل الزراعي كما ودعا إلى عدم نسيان مَن ليس لديهم ما يسد جوعهم
تنظم رابطة المزارعين الإيطاليين Coldiretti من ١٣ حتى ١٥ أكتوبر في روما مبادرة بعنوان "قرية المزارعين" للتعريف بالمزارعين وعملهم ومنتجاتهم. ولهذه المناسبة وجه البابا فرنسيس رسالة بدأها بتحية المشاركين في هذا اللقاء الهام ما بين مزارعين ورجال أعمال في قطاع الزراعة من جميع أنحاء إيطاليا. وذكَّر الأب الأقدس في رسالته بالرسالة العامة Mater et Magistra للبابا يوحنا الثالث والعشرين حول الأوضاع الاجتماعية والتي أكد فيها البابا القديس القيمة المُغنية للعمل الزراعي من أجل تعزيز متكامل للأشخاص سواء على الصعيد الإنساني، كدرب لتحقيق الذات والتنمية الجماعية، أو على الصعيد الروحي كمشاركة في تحقيق تصميم العناية الإلهية في التاريخ. وتوقف البابا من جهة أخرى عند ما جاء في الرسالة العامة المذكورة حول ضرورة أن يُعتبر العمل الزراعي وأن يعاش كدعوة ورسالة.
وواصل البابا فرنسيس مشيرا إلى كون الخليقة عطية وهبها الله وأوكلها إلى الإنسان ليحرسها، وعلى الإنسان بالتالي الاستجابة إلى هذه الدعوة كي تزهر الأرض وتثمر وأن يتعامل معها باحترام وعناية فيتعاون هكذا في مشروع الله. وتحدث البابا هنا عن سفر التكوين والذي يوضح كيف تم من خلال العمل الزراعي منح الإنسان إمكانية أن يرى في الخليقة علامة العهد مع الله. وعاد الأب الأقدس إلى ما جاء في سفر التكوين: "يوم صنع الرب الإله الأرض والسموات لم يكن في الأرض شيح الحقول ولم يكن عشب الحقول قد نبت، لأن الرب الإله لم يكن قد أمطر على الأرض ولم يكن فيها إنسان ليحرث الأرض. وكان يصعد منها سيل فيسقي كل وجهها. وجبل الرب الإله الإنسان ترابا من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار الإنسان نفسا حية... وأخذ الرب الإله الإنسان وجعله في جنة عدن ليفلحها ويحرسها".
وتابع قداسة البابا رسالته مشيرا إلى أن الدينامية الفاعلة والمولِّدة للعمل الزراعي تتضح أيضا في كلمات القديس بولس في رسالته إلى أهل رومة حيث يأخذ تسلط الإنسان على الأرض شكل مشاركة أبناء الله في مُلك الرب المصلوب والقائم، وذلك من خلال مفهوم المحبة التي تصبح خدمة وتحرر العالم من الفساد ومن باطل الخطيئة.
توقف الأب الأقدس في الرسالة بعد ذلك عند ما نشهد اليوم من تقنيات جديدة تتميز بالفعالية تُمَكن الإنسان من أن تكون له سلطة أكبر على الطبيعة، وحذر البابا مما وصفه بالثمن المرتفع للاستخدام غير الصحيح والمبالغ فيه لهذه التقنيات في دورات إنتاجية غير مستدامة ونماذج استهلاك متجانسة، وهذا ما تبرزه الأزمة المناخية التي نمر بها، قال قداسته. وسلط البابا الضوء على أن التبعات البيئية للإيقاع المبالغ فيه المتَّبَع حتى الآن قد أثرت بشكل سلبي على الزراعة متسببة في حلقات مفرغة يصعب الخروج منها. وأكد قداسته أنه بقدر ما نعامل الأرض بشكل سيء ونلوث المياه والهواء ونسلب الفسحات من التنوع البيولوجي من خلال إزالة الغابات وإضعاف المنظومات البيئية، كلما أصبحت صعبة مواجهة عدم استقرار الأحداث المناخية، فزراعة الأرض تصبح أكثر صعوبة بينما تتزايد موجات الحرارة المرتفعة والأمطار الغزيرة والبرودة المفاجئة.
ثم أراد البابا فرنسيس تسليط الضوء على أن لا الطبيعة وحدها مَن يدفع ثمن هذا بل وأيضا الفقراء. وتحدث هنا عن تناقض مخجل لثقافة الإقصاء، حيث ننتج من الغذاء ما يكفي لسد جوع سكان العالم جميعا بينما يعيش الجزء الأكبر منهم بدون خبز اليوم. على الجميع بالتالي، قال البابا، واجب إزالة هذا الظلم من خلال أفعال ملموسة وممارسات جيدة وسياسات محلية ودولية تتحلى بشجاعة اختيار ما هو صحيح لا فقط المفيد والمربح. ودعا الأب الأقدس هنا المشاركين في مبادرة رابطة المزارعين الإيطاليين إلى تذكر مَن ليس لديهم ما هو أساسي لسد جوعهم، وتابع: لا تنسوا الفقراء، ولنحلم بعالم تكون فيه المياه والخبز والعمل، الدواء والأرض والمسكن خيورا متوفرة للجميع.
وفي ختام رسالته أكد البابا فرنسيس للجميع صلاته كي يهبهم الرب شجاعة وحماسة زرع بذور سلام تساهم في بناء عالم أكثر أخوّة، ثم استمطر عليهم قداسته البركة الإلهية.