محمد أبو الغار
دُعيت، الأسبوع الماضى، إلى زيارة بيروت، والاشتراك فى مؤتمر الجمعية اللبنانية للخصوبة وأطفال الأنابيب، الذى كان يُعقد سنويًّا، ولكنه توقف لمدة عامين بسبب وباء الكورونا والمشاكل السياسية والاقتصادية فى لبنان. الرحلة سهلة، وتستغرق ساعة وربع الساعة فقط، ودخول لبنان للجميع بفيزا تؤخذ من المطار مقابل دولارين فقط. ذهبت إلى الفندق بسيارة، أرسلها منظمو المؤتمر، ولاحظت أن آثار الانفجار الكبير، الذى وقع فى ميناء بيروت وقتل وجرح الآلاف، تمت إزالة معظمها. المؤتمر كان مستواه جيدًا بالنسبة لظروف المنطقة الاقتصادية. فندق الهيلتون الذى أُقيم فيه المؤتمر وأقمت فيه كانت نسبة الإشغال فيه محدودة.
فور وصولى، دعانى الزميل ميشيل أبوعبدالله إلى جولة شمال بيروت فى مدينة جونية، وتناولنا الغداء فى مطعم على البحر، وفى المساء ذهبت مع الدكتور جمال أيوبى، وهو لبنانى فرنسى، ويترأس قسم أمراض النساء فى أكبر مستشفيات باريس، ذهبنا ومعنا زوجته لزيارة وزير اقتصاد سابق فى لبنان وزوجته مذيعة برامج ثقافية متميزة فى لبنان، وكان معنا طبيب عظام لبنانى وزوجته صحفية لامعة.
أول ملاحظة على الجلسة التى كانت حميمية أن المضيف وزوجته من الشيعة، وطبيب العظام وزوجته من طائفة الأرثوذكس، وجمال أيوبى وزوجته من السُّنة. كان الانسجام والأفكار والأحاديث متقاربة، فلم ألاحظ أى فروق بين لبنانى وآخر فى هذه الجلسة التى استمرت ما يقرب من ثلاث ساعات.
أعرف أن الكهرباء فى لبنان تقطع لساعات طويلة، وأن كل مكان أصبح مستعدًّا بالمولدات الكهربائية. ونحن نتحدث انقطع التيار الكهربائى، وعاد بعد ثوانٍ، فسألت: هل المولد بدأ يعمل؟، فعلمت أن نسبة كبيرة من مساكن بيروت تستخدم الطاقة الشمسية فى توليد الكهرباء، واستفسرت، فعلمت أن الموضوع ليس صعبًا، واستغربت أن فى مصر لم أسمع أن أحدًا يستخدم الطاقة الشمسية فى توليد الكهرباء فى بيته أو أن كمباوند معينًا قام بذلك فى ظل أزمة انقطاع الكهرباء فى مصر. يجب أن تتم دراسة هذا الموضوع على الأقل لاستخدام المنازل، ويكون بديلًا جاهزًا عند انقطاع التيار الحكومى.
تحدث الجميع عن الصحافة والتليفزيون فى لبنان، وتحدث كل مَن قابلته عن أزمة اختيار رئيس الجمهورية من البرلمان، حيث يعرقل حزب الله اختيار رئيس لا يوافقون عليه ويكون متعاونًا معهم. والجميع يتحدثون عن الصعوبات الاقتصادية وانهيار سعر الليرة ليصبح الدولار يساوى ١٥ ألف ليرة، وكان ١٥٠٠ ليرة مقابل الدولار عام ٢٠٠٠، يعنى تضاعف ١٠ مرات، لكن جميع المقاهى والمطاعم والملاهى لا يوجد بها مكان لمخلوق، الحياة تسير كما كانت تسير فى بيروت منذ أعوام طويلة، ولكنهم قالوا لى إن ما تشاهده هو ٥ إلى ١٠% فقط من الشعب اللبنانى، وهناك أكثر من ٢ مليون سورى و٢٥٠ ألف فلسطينى فى لبنان، ويضغطون على الاقتصاد الضعيف، وبسبب عدم وجود فرصة عمل تزيد نسبة الجرائم فى المدن اللبنانية.
لبنان تعانى مشكلة فى البنوك، التى سحبت منها الدولة (البنك المركزى) أموال المودعين بالعملات الأجنبية واستخدمتها، وعندما طالب المودعون بأموالهم لم يستطيعوا الحصول عليها، والآن يأخذون جزءًا بسيطًا منها بصفة شهرية. توقفت الكروت الذكية عن الاستخدام، وأصبح الدولار هو العملة التى تُستخدم الآن فى معظم التعاملات فى المحال والمطاعم واللوكندات، وهذا أدى إلى صعوبات كثيرة، وأثر على السياحة.
اللبنانيون يتكونون من طوائف عديدة، أهمها المارونيون والسُّنة والشيعة، بالإضافة إلى الأرثوذكس والأرمن وأقليات صغيرة أخرى. الموقف الآن أن الجميع متحدون فى جبهة، وحزب الله فى جبهة أخرى، واستطاع حزب الله أن يسيطر على حوالى ٧٠٪ من الشيعة بإعطائهم مميزات أو بإرهابهم أو إغرائهم حتى أصبح حزب الله هو ممثل الشيعة، وهو حزب مسلح تسليحًا قويًّا، واللبنانيون فى العموم ليس عندهم مانع فى ظهور حزب الله كحزب لبنانى وليس حزبًا تابعًا لدولة أخرى يتلقى منها الأوامر، وهى إيران.
ينص الدستور اللبنانى على أن رئيس الجمهورية يُنتخب بموافقة ثلثى أعضاء مجلس النواب فى الاقتراع الأول، أما فى الاقتراعات التالية فيلزم ٥٠٪ + ١ لانتخاب الرئيس، وهو ما فشل فيه حتى الآن لعدة شهور، ومازال الحوار مستمرًّا، ونرجو أن يستمر حوارًا بالكلام وليس بالسلاح.
منطقة الحمرا وسن الفيل، وهى كانت مناطق مليئة بالحيوية والتجارة والفنادق والمحال، أصبحت مظلمة ليلًا، وكثير من الفنادق الكبيرة كانت مغلقة لفترات، وعلمت أن فندق هيلتون الذى عُقد فيه مؤتمرنا كان مغلقًا، وفُتح منذ فترة قليلة. حذرنى بعض الأصدقاء من المشى فى الشوارع، وخاصة ليلًا، ولكنى لم أشعر بالخوف، وتحركت وحدى، ولم ألاحظ شيئًا.
الصحافة اللبنانية كانت لفترة طويلة قلب لبنان النابض، حيث كانت الصحف اللبنانية هى الوحيدة التى تتمتع بحرية كاملة، ولكن الأمر لم يعد كذلك بسبب تهديد الصحفيين، واغتيال بعض رموز الصحافة اللبنانية من قِبَل جهات معارضة، وربما جهات أجنبية. وهناك عامل آخر، وهو انتشار الصحافة المقروءة على الإنترنت، وهو ما أتاح فرصة لأقلام وأفكار لم تكن عندها القدرة على الوصول إلى الرأى العام، فأصبحت تصل عن طريق منصات إعلامية خاصة لا تكلف شيئًا، وأصبح على الصحافة أن تكون أكثر حرية وأشد سرعة فى نقل الخبر على الإنترنت وكتابة الأفكار المختلفة والآراء المتباينة. وهذا الأمر أصبح صعبًا، وأكثر تكلفة. الصحف العالمية الكبرى مثل نيويورك تايمز تنقل على صفحتها الإلكترونية للمشتركين الأخبار فور حدوثها، وتتغير الصفحة الأولى عدة مرات فى اليوم إذا كانت هناك أخبار مهمة.
تمنياتى للبنان والشعب اللبنانى أن يعبروا الأزمة الاقتصادية والسياسية، وتعود لبنان كما كانت نقطة جميلة وحرة فى وسط العالم العربى.
قوم يا مصرى.. مصر دايمًا بتناديك.
نقلا عن المصرى اليوم