( 200- 258 م تقريبا )
إعداد ماجد كامل
تحتفل الكنيسة القبطية الارثوذكسية يوم 21 توت الموافق 1 اكتوبر ( يوف نحتفل به هذا العام في 2 أكتوبر حيث أنها سنة كبيسة ) . يتذكار استشهاد القديس كبريانوس أسقف قرطاجنة ،وهو واحد من آباء كنيسة شمال أفريقيا العظام الذين تركوا لنا كتابات عظيمة جدا كما سوف نري في ذلك المقال ، أما عن كبريانوس نفسه فلقد ولد نحو أعوام 200 / 210 م ( حسب كتاب تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة للمطران كيرلس سليم بسترس ) ولقد تعلم السحر ببلاد المغرب حتي تفوق فيه علي كل أقرانه ، ثم قام بزيارة انطاكية كي يستزيد من كتب السحر ، وهناك أتاه شاب قد فتن بحب فتاة مسيحية جميلة عذراء تدعي يوستينة ( كلمة يونانية معناها العدالة ومنها جاءت كلمة Justice بمعني العدالة باللغة الانجليزية ) ولكنها لم تكن تبادله الحب ، فطلب من الساحر كبريانوس أن يسحر لها حتي تقع بغرامه ، فوعده كبريانوس بتحقيق طلبه ، وبدأ بالعمل بكل فنون السحر التي تعلمها ، ولكنه كان يفشل دائما ، فطلب حضور يوستينا إليه شخصيا ، فقام الشيطان بالتنكر بزيها وظهر في صورتها ؛ وعندما دخل عليه قام ليعانقها ؛ وقال لشيطان االمتنكر بزي يوستينا " مرحبا بست النساء يوستينا " . وبمجرد نطق أسمها أحترق الشيطان في الحال وصار كالدخان ؛ فعلم كبريانوووس أن قوة أسم يوستينا أقوي من قوة الشيطان فأمن بالمسيحيية وقام بحرق كل كتب السحر وتوجه الي أسقف أنطاكية وطلب منه أن يتعمد ؛ وبعد فترة اختبار رسمه شماسا ثم قسا ؛ وعكف علي دراسة الكتب المقدسة بعمق ؛ وبسبب نبوغه رسموه أسقفا علي قرطاجنة وكان ذلك نحو عام 248 م ؛ وقام بعدها باستدعاء القديسة يوستينا ورسمها رئيسة دير للراهبات .
ولما علم بهما الامبراطور ديسيوس ( 201- 251 م تقريبا ) ) قام باضطهادهما حتي اضطر القديس كبريانوس أن يغادر قرطاجنة ؛ وبعد وفاة ديسيوس وتولي فاليريانوس ( 199- 260 م تقريبا ) الحكم سنة 251 م ؛ قام بنفي الاثنين وبعد قليل قطع رأسميهما فنالا أكليل الاشتشهاد . وكان ذلك نحو عام 258 م تقريبا .
( لمزيد من التفصيل راجع السنكسار القبطي تحت يوم 21 توت )
ملحوظة هامة :-
هذه الرواية المرجع الوحيد الذي ذكرها هو السنكسار القبطي ؛ وبالرجوع الي كتابات ومحاضرات كل من ( قداسة البابا شنودة الثالث – نيافة الأنبا يؤانس - المطران كيرلس سليم بسترس – الأب جورج رحمة – الدكتور أسد رستم – القمص أنطونيوس فهمي ..... الخ ) . لم أجد اي ذكر لها ، ولقد سمعت رأيا يقول ان السنكسار خلط بين كبريانوس الساحر وهو الذي كان يعمل بالسحر ووردت قصته مع يوستينا ، ولكن كبريانوس الأسقف كما ورد في المراجع المذكورة بهذه الأسماء الكبيرة ، يذكر أنه ولد من أسرة شريفة مثفقة ، ولقد عاش فترة شبابه في الرذيلة ، ولكنه تاب وآمن بالمسيحية علي يد كاهن يدعي كييكليوس Caecillius ، وأنضم إلي صفوف الموعوظين ، ثم باع أملاكه ووزعها علي الفقراء ، وتعمد عام 245 أو 246 . وسيم أسقفا علي قرطاجنة عام 249 ، ثم تتوالي الاحداث كما وردت في السنكسار ، والأمر مفوض للسادة الباحثين للبت في هذه القضية .
أما عن قائمة مؤلفاته ؛ يذكر الأب جورج رحمة ( 1940- 2017 ) ( راجع مقالي عنه علي أحدث الإصدرارات المسيحية بتاريخ 10 نوفمبر 2020 ) أنه توجد ثلاث لوائح لمؤلفاته هي :-
1-اللائحة الأولي موجودة في كتاب Vita لمؤلفه " بونسيوس " .
2-اللائحة الثانية نشرها العالم Mommsen أستنادا إلي أحدى المخطوطات يرجع تاريخها إلي عام 359 م .
3-اللائحة الثالثة جاءت في عظة للقديس أغسطينوس ( 345- 430 م ) ( راجع مقالي عنه علي صفحة الأقباط متحدون بتاريخ 28 أغسطس 2019 ) حول الميلاد عند القديس كبريانوس ، والتي نشرها العالم G . Morin( راجع كتاب :- قبريانوس القرطاجى ، موسوعة عظماء المسيحية في التاريخ ؛ السلسلة رقم 9 ؛ منشورات المركز الرعوى للأبحاث والدراسات ؛ صفحتي 21 و 22 ) .
ويذكر المطران كيرلس سليم بسترس ، انه ترك لنا مجموعة من الرسائل والعظات للتثقيف ، ذكر منها تفسير الصلاة الربانية ، ولقد كتبها عام 251 م . ( لمزيد من التفصيل راجع :- كيرلس سليم بسترس :- تاريخ الفكر المسيحي عند آباء الكنيسة " صفحة 372 ) .
ويذكر القمص تادرس يعقوب ملطي عنه أنه كان رجل رعاية أكثر منه رجل لاهوت ، فكل كتاباته لمعالجة مشاكل رعوية ، وذكر من بينها :-
1-مقال لصديقه دوناتوس بمناسبة عيد عماده ؛ كتبت في عيد الفصح عام 246 م ، وفيها يدعو الجميع لكي يحذوا حذوه.
2-مقال في ملابس العذارى :- وفيه ينصحهن بخدمة الفقراء بدلا من التزين ، ويطالبهن بعدم التبرج وعدم اشتراكهن في حفلات العرائس الصاخبة .
3-مقال في المرتدين :- كتب عقب عودته من مخبأه عام 251م ، وفيه يحذر العابدين من السقوط في العبادة الوثنية .
4-في الموت :- حيث يميز بين المؤمنين وغير المؤمنين من الموت .
5-في الصلاة الربانية :-- فهى أفضل الصلوات .
6-في عبادة الأصنام .
7-في الوحدة الكنسية :- حيث يؤكد ان الانشقاق أخطر من الاضطهاد ، وانه لا توجد إلا كنيسة جامعة واحدة .
8-مجموعة رسائل متنوعة لمعالجة قضايا مختلفة .
9-مقالة بعنوان " الحث علي الاستشهاد " .
10- مقالة عن الأعمال والصدقات .
11-بركة الصبر .
12 –خطورة الغيرة والحسد .
( لمزيد من الشرح والتفصيل راجع :- القمص تاردس يعقوب ملطي :- قاموس آباء الكنيسة ؛ الصفحات من 238- 240 ) .
ويبقي لنا في ختام المقالة عرض لبعض نماذج من كتاباته ، وسوف أنتقى بعض من النصوص المعبرة التي تثير قضايا عامة ما زالت مطروحة حتي يومنا هذا .
ففي الحث علي أهمية المحبة
كتب يقول " لا يمكن الحفاظ علي الوحدة ولا علي السلام إذا لم يجتهد الأخوة أن يحافظوا علي التسامح المتبادل ...... فكيف السبيل الي تتميم كل ذلك إن لم يكن الإنسان صبورا ومتسامحا ( لقراءة النص بالكامل :- المطران كيرلس سليم بسترس :- تاريخ الفكر المسيحي ؛ مرجع سبق ذكره ؛ صفحة377 ) .
عند أصابة المدينة بداء الطاعون :-
كتب يقول " الطاعون يفحص بر كل واحد فبنا ؛ ويمتحن الضمير الإنساني : هل يعتني الصحيح بالمريض ؟ هل يحب الإنسان أقربائه ؟ هل يستجيب الطبيب لاستغاثة من أصابتهم العدوي ؟ ( نفس المرجع السابق ؛ صفحة 368 ) .
في وحدة الكنيسة :-
ولقد أولى هذه القضية اهتماما كبيرا ، حتي انه كتب عنها كتابا كاملا ، وهو وإن كان يتناول قضية خاصة بزمنه وهي انشقاق " نوفاسيانوس " ، إلا أن اهمية هذه القضية تجعله صالحا لكل العصور ، وفي هذا الإطار كتب يقول " إذن ، لا يوجد خلاص هذه الكنيسة ، فلا يمكن أن يكون الله أبانا إن لم تكن الكنيسة أمنا . هل نجا أحد من غير الذين دخلوا سفينة نوح ؟ ( لقراءة النص بالكامل راجع كل من :- الأب جورج رحمة :قبريانوس القرطاجي حياته ومؤلفاته ؛ صفحة 29
. ونصحي عبد الشهيد :- القديس كبريانوس الأسقف والشهيد حياته وبعض كتاباته ؛ صفحة 35 ) .
وقال أيضا " ينبغي أن نتمسك بهذه الوحدة وأن نحفظها وندافع عنها ، لا سيما نحن الأساقفة الذبن نسهر علي الكنيسة .... والكنيسة واحدة ، لكن خصبها يجعلها متعددة ، كمثل أشعة الشمس المتعددة بينما نورها واحد ، وكمثل أغصان الشجر المتعددة لكن ساقها واحد ( القمص مرقريوس الأنبا بيشوي :- ترجمة كتاب في وحدة الكنيسة ؛ صفحة 10 و11 ) .
في أهمية الصدقة :-
نحن جميعا ملزمون بأعمال الخير والمحبة وليس ثمة عذر تعفينا من هذا الواجب ، واذا خفنا أن تنقص ثروتنا بسبب الكرم وأن نتعرض في مستقبل الأيام للفقر والعوز ، فلنعلم أن الله يرعى الذين يمدون يد العون لقريبهم . فالمسيحي أيها الأحباء لن ينصرف عن أعمال الرحمة بحجة أن عنده أولادا يجب تربيتهم ، فعندما ننفق من أجل المحبة ، علينا ان نفكر بالمسيح لأنه هو الذي يتقبل احسانتنا ( راجع الفقرة بالكامل في :- الأب جورج رحمة ؛ مرجع سبق ذكره ؛ صفحة 38 و39 ) .
في خطورة الغيرة والحسد :-
من الغيرة ياتي القضاء علي رباط السلام المحبب إلي قلب الله ، ونسيان المحبةالاخوية ، وقطع الوحدة ، فنتهجم علي الكهنة ،ونحسد الأساقفة ،ونحتقر سلطة الآخرين . فلا يوجد غير دواء واحد نعالج به مرضا يؤذي النفس ، هذا الدواء هو محبة القريب ( الأب جورج رحمة :- الصفحات من 41 – 43 ) .
بعض مصاد ومراجع المقالة :-
1-السنكسار القبطي تحت يوم 21 توت .
2- قداسة البابا شنودة الثالث :- تاريخ الكنيسة القديس الشهيد كبريانوس ، محاضرة لقداسته علي اليوتيوب .
3-نيافة الانبا يؤانس :- الاستشتهاد في المسيحية ، الطبعة الرابعة مزيدة ، صفحات متفرقة من الكتاب .
4-جورج رحمة :- كبريانوس القرطاجي ، موسوعة عظماء المسيحية في التاريخ ، السلسلة رقم 9 منشورات المركز الرعوي للأبحاث والدراسات .
5- أسد رستم :- آباء الكنيسة ؛ مجموعة أسد رستم رقم 25 ؛منشورات المكتبة البولسية ؛ الطبعة الثانية ، 1990 ، الصفحات من ( 181 - 190 )
6-القمص تادرس يعقوب ملطي :- قاموس آباء الكنيسة وقديسيها مع بعض الشخصيات الكنسية ( ض – م ) كنيسة مارمينا القبطية الارثوذكسية ، نيو جرسي ، طبعة عام 2000 ؛ الصفحات من ( 231 – 240 ) .
7-القمص أثناسيوس جورجي :- القديس كبريانوس : سيرة – تعاليم – أقوال ؛ سلسلة أكثوس ؛ السلسسلة رقم 85 .
8- د . نصحي عبد الشهيد :- القديس كبريانوس الأسقف والشهيد ( 200- 258 ) ، حياته وبعض كتاباته ، مؤسسة القديس أنطونيوس ، المركز الأرثوذكسي للدرسات الآبائية ، نصوص آبائية - 211 - ؛ 2018 .
9- الراهب القمص مرقريوس الانبا بيشوي :- مقالات القديس كبريانوس أسقف قرطاجنة الشهيد ؛ الطبعة الأولي ؛ 2008 .