د. وسيم السيسي
أنا هيباتيا المصرية، ولدت سنة ٣٧٠م وقتلت قتلًا عنيفًا على يد بطرس قارئ الصلوات في كنيسة قيصرون بالإسكندرية، سنة ٤١٥م عن عمر ٤٥ سنة.
أنا العذراء صاحبة الجمال الأسطورى كما وصفنى عالم التاريخ إدوارد جيبون، كنت أصغر أستاذة للفلسفة والرياضيات وأنا في سن الثلاثين، هجم على عربتى مجموعة من رهبان صحراء النطرون، وجرونى جرًا عنيفًا إلى كنيسة قيصرون، جردونى من ملابسى وهم النساك الأطهار (برتراند راسل)، ولما أصبحت عارية تمامًا، قاموا بذبحى وأنا مكتوفة الأيدى، وأوقدوا نارًا، ومزقونى إلى أشلاء، وألقونى في النار وأعضائى كانت ترتعش بالحياة (برتراند راسل تاريخ الفلسفة الغربية ج٢ ص١٠٣).
فرق بين المسيحية ورجال الدين، يعلق (ديورانت ج٢١ ص٧٤٢)، أيمكن أن يكون بطرس قارئ الصلوات تلميذًا للمسيح الذي عفا عن المرأة الزانية، وقال «من كان منكم بلا خطية فليرمها بحجر»؟، كل هذا لأنى لم أعتنق المسيحية!. انتهت جامعة الإسكندرية بمصرعى ودخل العالم في ظلام من الجهل مخيف.
أنا ابن جرير الطبرى، ولدت ٨٣٨م، وغادرت هذا العالم ٩٢٣م جوعًا وعطشًا!. كنت في المسجد، تجمع حولى بضع مئات من الحنابلة الذين كانوا يؤمنون بأن المقام المحمود هو وجود الرسول عليه الصلاة والسلام إلى جانب العزة الإلهية على العرش، أما نحن المعتزلة فكنا نرى أن المقام المحمود هو درجة عالية من الشفاعة، ولما سألنى الحنابلة عن المقام المحمود.
قلت: «سبحان الذي ليس له أنيس/ ولا له في عرشه جليس»، انهارت المحابر «الحبر الأسود» على رأسى، هجموا علىَّ، كادوا أن يقتلونى، أنقذتنى الشرطة، دخلت بيتى، أخذوا يلقون الحجارة على باب منزلى حتى أصبحت الحجارة سدًا منيعًا ضد الدخول أو الخروج، وبعد عشرة أيام رحلت عن عالمكم جوعًا وعطشًا.
أعلن الحنابلة أنى مت كافرًا، ولا يصلى علىَّ، ولا أدفن في مقابر المسلمين، وأنا صاحب أعظم تاريخ عن الإسلام «تاريخ الطبرى»، وصاحب أعظم تفسير للقرآن الكريم «تفسير الطبرى»، نهايتى المأساوية بسبب مجرد اختلاف في الرأى! فرق بين الإسلام «حديث الأخشبين- الجار اليهودى- اذهبوا فأنتم الطلقاء» وبين رجال الدين.
أنا ابن رشد، ولدت في قرطبة ١١٢٦م، وغادرت هذه الدنيا ١١٩٨م، قلت إنه لا يمكن أن يعطينا الله عقولًا، ثم يعطينا شرائع مخالفة، كما قلت ويل لأمة يتحكم فيها رجال الدين، كما قلت، المجتمع المثالى هو الذي لا تفرقة ولا غربة لأحد في البلد الذي يعيش فيه.
كما قلت: الحاكم الطاغية في حزن دائم وهمّ مقيم، مضطرب وتعيس، محاط بجماعة يملؤها الخوف والجوع، تنهب ولا تشبع. خاننى تلميذى أبومحمد عبدالكبير، وادعى أنى قلت: ملك البربر، والذى قلته ملك البرين، وادعى أنى قلت الزهرة إلهة، والذى قلته إنها إلهة عند بعض العقائد غير السماوية.
هاجمنى الغزالى بكتاب «تهافت الفلاسفة»، فرددت عليه بكتاب «تهافت التهافت»، كنت قاضيًا لأشبيلية، عزلونى ونفونى إلى أليسانة «بلد معظمها يهود»، تعلم منى توما الأكوينى، مارتن لوثر، فرانسيس باكون، وأهلى أحرقوا كتبى، قلت: الآن قد انتصرت فالحق لا يموت. أريد أن أسألكم: لماذا يكرم نصر حامد أبوزيد في هولندا ويأخذ جائزة ابن رشد، ويطلق من زوجته في مصر؟.
لماذا يفوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل في السويد ويطعن في رقبته في مصر؟، لماذا قتل فرج فودة في مصر، وطاهر الحداد في تونس، ومحمد محمود طه في السودان؟، لماذا كل هذه المواقف ضد إسلام بحيرى، وفاطمة ناعوت، وأحمد عبده ماهر؟!.
الإجابة هي: إنكم أصحاب العقول الغائبة.
نقلا عن المصري اليوم