مدحت بشاي
فى زمن ولاية الفنان المبدع فاروق حسنى لوزارة الثقافة كان تنفيذ فكرة إنشاء الجهاز القومى للتنسيق الحضارى عام ٢٠٠١ بهدف تحقيق القيم الجمالية للشكل الخارجى للأبنية والفراغات العمرانية والأثرية، وتحقيق أسس النسيج البصرى للمدينة والقرية وكافة المناطق الحضارية بالدولة بما فى ذلك المجتمعات العمرانية الجديدة..
ومعلوم أن المقصود بالتنسيق الحضارى هو جميع الأعمال القائمة على أهداف تحسين الصور البصرية للمدن والقرى والمجتمعات العمرانية الجديدة، وكذلك إزالة كافة التشوهات والتلوث البصرى والحفاظ على الطابع المعمارى والعمرانى للمناطق المختلفة، وتحقيق القيم الجمالية للعمران المصرى بشكل عام بما يشمله ذلك من طرق وميادين وشوارع وحدائق وفراغات عامة ومبانى عامة وذات قيمة متميزة، ارتكازاً على كافة الوسائل العلمية والفنية والإدارية والتشريعية..
فى مقولة بديعة للرئيس عبدالفتاح السيسى، أكد «ربنا بيحب الحُسن.. والسلام حُسن.. والخير حُسن.. والتعاطف حُسن.. وأى حاجة قبح مالهاش مكان، أى قبيح مالهوش مكان بيننا، الجمال فقط هو اللى ليه مكان، وإحنا هنا فى بلدنا هنقدّم ده، هنقدّم الجمال والحُسن للعالم كله..»..
إنه القبح الذى استدعى نزول الجماهير المصرية بالملايين فى الشوارع والميادين فى كل محافظات مصر فى 30 يونيو 2013، وبإرهاصات أولى رائعة أبدعها أهل الفن والفكر والثقافة عندما انطلقوا من بيتهم بيت الثقافة (وزارة الثقافة) وصولًا إلى مكتب ذلك المعين من قبل إخوان النكد والتخلف وزيرًا للثقافة رفضًا ومنعًا لدخوله مكتبه.. لقد أدركت تلك الجماهير الهدف الرئيس الذى تعجل الجماعة الحاكمة لتحقيقه يتمثل فى تغيير الهوية الثقافية لتسود جراثيم التخلف وميكروبات القبح وفيروسات الغباوة والاندحار القيمى..
لاشك أن الإحساس بالجمال قيمة رائعة وعظيمة بتنا فى حاجة ماسة لتعظيمها فى حياتنا، وعليه وجب على إنسان العصر الإصغاء والتماهى مع تجليات الفنون فى كل تفاصيل مرئياتنا بعد أن ازدادت للأسف مساحات القبح وآثاره السلبية، فالفنون تمثل نتاجًا لعناصر إبداعية تتجدد وتتنوع بتأثير بالغ على متلقيها، ومن شأنها تحفيز وجدان وعقل وفكر الجماهير بما يطلق عليه الاستجابة الجمالية..
وفى هذا السياق، استمتعت بحلقة رائعة من برنامج «حديث العرب» للإعلامية المثقفة الرائدة د. درية شرف الدين حول دور جهاز التنسيق الحضارى وما يواجهه من تحديات، والضيفة الرائعة الدكتورة «دليلة الكردانى»، أستاذ العمارة والتصميم العمرانى بكلية الهندسة جامعة القاهرة، والفائزة بجائزة الدولة التقديرية فى مجال «الفنون والآداب والعلوم الاجتماعية».. وقد أثبتت «الكردانى» جدارتها كمهندسة معمارية مبدعة فى تصميم وترميم المبانى التاريخية، حيث قادت الجهود لوضع تصاميم للترميمات اللازمة لمبنى بلدية دمنهور الأثرى والذى تحول إلى مركز الإبداع بالمدينة، وبإشرافها تم ترميم المركز الثقافى الجديد لكنيسة الأقصر، وترميم حمام الطمبلى بالقاهرة، والذى يعتبر من أقدم وأجمل الحمامات الأثرية فى المدينة..
ومن خلال جهودها المستمرة وإنجازاتها المذهلة، تسعى «الكردانى» إلى دعم خطط الحفاظ على التراث المعمارى المصرى الثرى ونقله إلى الأجيال القادمة، مما يساهم فى إثراء الثقافة المعمارية فى مصر وتحسين جودة الحياة للمجتمعات المحلية..
ومعلوم أن مشروع الطلاء الموحد جزء من الهوية البصرية لكل إقليم، ولا ننسى أن الجهاز القومى للتنسيق الحضارى هو الذى أعد الدراسات اللونية للأقاليم الـ7 قبل إطلاق مبادرة الطلاء الموحد بالمحافظات، والمحافظات قطعت شوطا كبيرًا فى تنفيذه بالتنسيق مع الأجهزة التنفيذية بالمحافظات.
وقد أعربت «الكردانى» عن رفضها إقامة التماثيل المشوهة فى الميادين، وأكدت أن مصر عامرة بالمبدعين، وكيف أن الحصاد السنوى لإبداعات فنانينا فى سمبوزيوم أسوان بإشراف النحات الكبير الراحل «آدم حنين» كان يتسابق السادة المحافظون على اقتناء إبداعات فنانينا عقب انتهاء كل دورة..
وكان قد صرح رئيس جهاز التنسيق الحضارى مؤخرًا بأن تطوير شوارع وميادين وسط البلد بالقاهرة على غرار ميدان التحرير.. وحصر40 ميدانًا فى 15 محافظة يجرى رفع كفاءتها على مراحل.
تنفيذ 750 لوحة لشخصيات عامة ضمن مشروع «عاش هنا».. و215 لوحة ضمن «حكاية شارع» حتى الآن تشكيل لجنة علمية تضم خبراء وأساتذة جامعات لرفع كفاءة الحدائق التراثية..
لاشك أن حضارات الشعوب وتقدمها تقاس بمدى الاهتمام بالفنون.. وعليه، أرى أهمية أن تلعب الأجهزة الإعلامية والثقافية والشبابية والتربوية دورها فى تعريف الأجيال الطالعة بماهية العمل الفنى ودور الفنون والأنشطة الثقافية فى الدفع بآليات التقدم والتنمية، وهو الأمر الذى أسعدنى متابعته عبر البرنامج الهام «حديث العرب».. تعالوا نبذل الجهود لإعادة بناء دولة الحُسن التى حلم ووجه بتشييدها الرئيس «السيسى» ونتابع معه إقامة صروحها البديعة فى إطار مشروع ثقافى مصرى رائع.
نقلا عن المصري اليوم