هاني صبري - المحامي
مقتل فتاة تدعي شيماء تبلغ من العمر 24 عاماً، على يد خطيبها السابق لأنها رفضت العودة إليه، وهذه الجريمة على غرار مقتل نبرة أشرف فتاة جامعة المنصورة، وسلمي بهجت، وأماني الجزار وتلك الجرائم الشنعاء تكررت كثيراً في الآونة الأخيرة.
واثناء سير المجني عليها أمام عمارات العبور شارع صلاح سالم في منطقة مصر الجديدة باغتها المتهم بمنتهي الغدر واطلق عليها عيار ناري من سلاحه فسقطت أرضاً قاصداً إزهاق روحها، محدثا بها الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياتها .
على إثر ذلك انتقلت أجهزة الأمن إلى مكان البلاغ وبالفحص والتحري ومن خلال تفريغ كاميرات المراقبة ، تبين ان خطيبها السابق يعمل ( سائق) وراء ارتكاب الجريمة؛ بعد رفضها العودة إليه.
وتمكن رجال الأمن من القبض عليه وبحوزته السلاح المستخدم في ارتكاب الحادث ، واعترف بارتكاب الجريمة انتقاما منها بعد أن ترصد لها وأحضر فرد خرطوش، وعندما شاهدها؛ أطلق الرصاص عليها لتسقط جثة هامدة.
وباشرت النيابة العامة، التحقيق مع المتهم وأمرت بحبسه أربعة أيام على ذمة التحقيقات وجار استكمال التحقيقات.
أن الجريمة الماثلة تعد جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد، وثابت في حقه جريمة القتل العمد من قيامه بإطلاق طلق خرطوش إلى المتوفاة إلى رحمة مولاها بسلاح قاتل، وتوافر في حقه ظرف سبق الإصرار كونه أعد سلاحا للجريمة، وكان يتعمد اعتراضها لرفضها العودة إليه، انتظرها في مكان قدومها للغدر بها والنيل منها بغرض قتلها .
في البداية – هناك العديد من الملاحظات التي يجب الحديث عنها قبل الخوض في مسألة العقوبة المقررة، فالقانون ليس قوالب جامدة كما يظن البعض، وإنما يصدر الحكم بعد دراسة الحالة النفسية والاجتماعية والأسباب والبواعث التي أدت لارتكاب الجريمة، خاصة وأننا في مثل هذه الجرائم نجد من يخرج إلينا ويدافع عن الجناة أو على الأقل يطالب بتخفيف العقوبة والنزول بها لأن المجني عليها هي من جعلته يصل إلى هذه الحالة لارتكاب جرمه، لرفضها الارتباط به، يظن البعض أن القتل حب ؟! فأى حباً هذا الذى يؤدى للقتل أي شخص يزُعم إنه يقتل باسم الحب فهو نفساً كاذبة تدثرت برداء حب زائف، واختلطت عنده المفاهيم، والرغبة صارت حباً والقتل لأجله انتصارا لأنانيته ولخياله المريض وهذا المجرم تجرأ على قيم المجتمع وعلي القانون وعلى معاني الحب الحقيقية .
عدم قبول الشاب مرتكب الجريمة من جانب الضحية، هو السبب الرئيسي لقتل شيماء فقد عقد الجاني النية للقتل والدليل على ذلك وجود سلاح معه في مكان الجريمة، فهو أكبر دليل على أنه يحاول الانتقام منها، وهو ما يؤكد توافر ركن سبق الإصرار.
ونؤكد أن الانهيار الثقافي وغياب الوعي من أهم أسباب انتشار الجرائم المماثلة، وذلك لأن الجناة لم يتقبلوا فكرة رفض الضحية وعدم تقبل الزواج منه ، فيقوم الجاني بقتل المجني عليها، وذلك حتى لا تكون لغيره، بسبب عدم نضوج شخصيته، وغياب الوازع الديني والإخلاقي عنده .
إن ما ارتكبه هذا القاتل يعد جناية قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد ومقترنة بجريمة حمل سلاحاً نارياً بدون ترخيص، وأن هذه مثل الأفعال الإجرامية من قبل المتهم تعد جريمة نكراء يندي لها الجبين وانعدمت منه الإنسانية والرحمة، وليس للقاتل ثمة أي مبرر لإزهاق روح إنسانة بريئة مسالمة لا ذنب لها .
ويشكل ما اقترفه المتهم جريمة قتل عمد مع سبق الإصرار والترصد وفقاً للمواد "230،231" من قانون العقوبات، وقد أوجبت المادة 230 من قانون العقوبات عقوبة الإعدام بكل من قتل نفساً عمداً مع سبق الإصرار أو الترصد، حيث تنص المادة "230" كل من قتل نفساً عمداً مع سبب الإصرار أو الترصد يعاقب بالإعدام.
فقد فرق قانون العقوبات فى العقوبة بين القتل المقترن بسبق الإصرار والترصد، وبين القتل دون سبق إصرار وترصد، فالأولى تصل عقوبتها للإعدام وفقاً للمادة 230 عقوبات، والثانية السجن المؤبد أو المشدد.
وتنص المادة 234 /3 من قانون العقوبات على أن: "من قتل نفساً عمداً من غير سبق إصرار ولا ترصد يعاقب بالأشغال الشاقة المؤبدة أو المؤقتة ومع ذلك يحكم على فاعل هذه الجناية بالإعدام إذا تقدمتها أو اقترنت بها أو تلتها جناية أخرى، حيث إن المتهم ارتكب جريمة القتل العمد مع سبق الإصرار والترصد ضد المجنى عليها، واستخدم المتهم سلاحه وكبرياء ذاته فى قتل المجني عليها، ولترويع الآمنيين، ويجب عدم استخدام الشفقة أو الرحمة مع هذا القاتل .
وتجدر الإشارة أن سبق الإصرار والترصد هما ظرفان مشددان لجريمة القتل العمد:-
1- توافر ظرف سبق الإصرار لدى الجاني بارتكاب جريمته بعد أن تسنى له التفكير في هدوء وروية، ولمحكمة الموضوع أن تستنتجه من وقائع الدعوى وملابستها والظروف المحيطة بها والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره فى نفسه، ووجود خلافات بين المتهم والمجني عليها وإعداد سلاح لتنفيذ قصده، والتخطيط المسبق والتصميم على ارتكاب الجريمة.
ويقوم ظرف سبق الإصرار على عنصرين:-
الأول: نفسي وهو إمعان التفكير فيما عزم عليه ورتب وسائله وتدبير عواقبه ثم الإقدام على فعل القتل وهذا العنصر يمثل فى الواقع ذات الإصرار.
والثاني: زمني لسبق الإصرار يقتضي مرور فترة من الوقت بين نشوء سبب الجريمة فى ذهن الجاني وعزمه عليها وبين تنفيذها ومقدار الفترة الزمنية بما يحقق العنصر الأول أي يهيئ للجاني فى حالة من الهدوء النفسي تسمح بأن يقال إنه ارتكب الجريمة بعد تدبر، وفِي الجريمة الماثلة كان القتل وسبق الإصرار عليه مختمراً فى ذهنه حيث قام المتهم بالتخطيط لجريمته وتتبع المجني عليها وما أن ظفر بها حتى قام بإطلاق النار عليها من سلاحه قاصداً إزهاق روحها ومن ثم توافر ظرف سبق الإصرار قبل المتهم.
2- توافر ظرف الترصد قبل المتهم، والترصد معناه تربص الجاني للمجني عليها فترة من الزمن طالت أو قصرت فى مكان يتوقع قدومها إليه ليتوصل بذلك إلى مفاجأتها بالاعتداء عليها، وكان جماع ذلك كله إنما ينصرف إلى اعتبار جوهر ظرف الترصد هو انتظار الجاني للمجني عليها لمباغتتها والغدر بها لدى وصولها لتحقيق غاية الإجرامية.
ويتكون ظرف الترصد من عنصرين:
أولهما: زمني يتطلب ضرورة مرور فترة من الوقت قد تطول أو تقصر.
ثانيهما: مكاني ويتطلب انتظار الجاني للمجني عليها فى مكان ما.
جدير بالذكر أن تحقق أحد الظرفين المشددين سبق الإصرار أو الترصد يكفي لتشديد العقوبة للإعدام، والترصد يخضع فى إثباته للقواعد العامة فهو واقعة مادية ويثبت عادة بالاعتراف وقد اعترف المتهم بجريمته في التحقيقات، وبشهادة الشهود، ولما كان المتهم قد ترصد المجني عليها بالمكان الذي أيقن وجودها فيه لتنفيذ جريمته التي أحدثت حالة من الصدمة والحزن الشديدين لدي الكثيرين، وسوف ينال هذا القاتل جزاء جريمته.
لذلك نطالب بإحالة المتهم إلى محاكمة جنائية عاجلة ، وإذا ثبتت عليه التهمة نطالب بتوقيع أقصى عقوبة مقررة على المتهم في القانون وهي الإعدام شنقاً، وذلك لتحقيق الردع العام، ولمنع كل من تسول له نفسه العبث بحياة المواطنين الأبرياء، وحماية المجتمع من هذه الجرائم البشعة.