خليل فاضل
كان الرجل متأخرًا كالعادة يلملم أطراف ملابسه وأوراقه، أما هى فكانت فى أوج زينتها تشدُّ ابنتهما إليها، وتصفق الباب خلفها ماضيةً إلى عملها، نظر إلى النافذة والجدران والسرير البارد بملاءاته البيضاء.. وبعث المشهد فى نفسه قلقًا عميقًا، واستسلم لغموضٍ شديد وكبتٍ أشد.. تمدَّد وحاول أن يغفو قليلًا، لكنه نهض بسرعة واحتسى فنجان قهوته ومضى متعثرًا إلى شغله، يكاد يصرخ بأعلى صوته لكنه كتم كل شىء.
كانت متصالحةً مع الحالة اللا جنسية التى بينهما، وغاضبةً من تلك اللقاءات النادرة السيئة، أما هو فلقد كان ضجرًا يبحث عن حلّ؛ فبدأ فى القراءة والفهم والبحث، كانت مهتمة بألّا تتبعثر العائلة، وكان مهتمًّا بألّا يفقدها، فلقد كانت جوهرته وحلاوة دنياه رغم كل شىء، أما هى فتشكو من أنه كثير الانتقاد، ويريدها عروسًا حلاوة يتزين بها فى المناسبات، وهو يرى أنها انطفأت فى البيت، بينما تراه هو الذى أطفأها، وأنها لا تحس بأى رغبة فى لقاءٍ جنسى مبتور نتيجة السرعة الشديدة التى ينتهى بها، والروتين الذى يبدأ به.. وبما أن الرجل هو الفاعل؛ فإن المرأة كثيرًا ما تستسلم، لكن تلك المرّة لم تستسلم.
هناك، ومنذ شهر العسل، رجل دماغه مشغول معظم الوقت بعمله الخاص، وامرأته الشغوفة بالحميمية الجنسية لم ترَه يقربها ولا يُحدثها إلا لِمامًا، بمعنى أن الجنس بالنسبة له لم يكن الأمر المفضل، وإنما كان فى الحقيقة يفضِّل مشاهدة مباراة فى كره القدم، أو الانكباب على اللاب توب، يعمل حتى تتكسر أصابع يديه إجهادًا، وتحْمَرّ عيناه حملقةً، وهناك مَن تعمل وتعود إلى البيت مُجهدةً، تراعى ابنتها وتحضِّر الطعام، ثم يعود الزوج يجرجر قدميه، يلتهم ما أمامه بعد دُشٍ سريع، ثم يدعوها إلى الفراش ليلًا بعد أن تنام البنت على نفسها فى الصالة، وهى التى تصرُّ على النوم بينهما على سريرهما فى فراشهما وفى غرفتهما.
يُعَدّ الجنس أحد أهم أركان الزواج وأعمدته، لكنه بمفرده يعتبر أمرًا منفصلًا محدود اللذة، بمعنى أنه يتحوّل إلى تفريغ للطاقة الجنسية مؤقتًا بلا مشاعر.
إن المسائل كلها فى «فيوزات» الدماغ، فى التواصل تحديدًا، تتعلق بالصفاء الذهنى بالتنظيم والترتيب وحسن الإنصات والشغف والاهتمام.
إن المرأة تحب الكلام الحلو، حتى لو كان من باب المجاملة، ولا تحب الرجل الذى يلتصق بها ويسير وراءها إلى كل مكان، وكأنه لا يريد ترك لحظة بدونها، فهى هوسه وسلعته التى يمتلكها.. لا لأن للزوجة حريتها ومساحتها.. صرَّحت امرأة عن زوجها: «إنه يُفرط فى الجنس ولا يعرف معنى ممارسة الحب، لا يجعلنى أشتاق إليه إنه مُجرد جنس سيئ».
وهناك زواج يتميز بالتواصل الحياتى حول شؤون الحياة اليومية، لكن الجنس فيه نادر، وإن تكرر يكون واجبًا ثقيلًا مزعجًا، لا يهتم أحد من الطرفين فيه بتضاريس الجسد وجماله وتفاصيله؛ فقليلٌ منّا مَن يعرف فَوْح الجسد الطبيعى لأن بعض النسوة يُغرقنه بالعطور، فتئنّ المسام الطبيعية، وتقف أثقال البارفانات والماكياج سدًّا منيعًا فى وجه تماوج الرغبة، لتتم مضاجعة كرتونية بلا مذاق أو فتنة.
أحيانًا يحسُّ الرجل بزوجته وكأنها دمية، ويصبح هو كماكينة جنس Sex Machine، ثم تبدأ حيلة الإنكار بين الطرفين، ويبدأ التواصل عبر «واتس آب»، ويبدأ تبادل الاتهامات، ويهرب الرجل إلى المقهى، يستأنس بمصاحبة الرجال ولعب النرد حتى مطلع الفجر.
إن توحد الجنسين فى علاقة حُب أجمل، وأصعب ما يكون، راجعا أموركما، وارصدا أخطاءكما؛ فلربما كانت هناك طريقٌ ثالثة، ولربما كانت هناك مساعدة من طرفٍ مُختَص؛ فلا تغُضَّا الطرف عنه؛ فالأمر جلَل.
نقلا عن المصرى اليوم